يصادف شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري، مرور ست سنوات على تصويت وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة حينها، بان كي مون، والمبعوث الدولي إلى سوريا، ستيفان دي مستورا، بالإجماع على مشروع قرار بشأن “عملية السلام في سوريا” حمل رقم 2254.
منذ تبنيه في 18 ديسمبر من عام 2015، تحوّل القرار 2254 لنقطة خلاف وجدل بين الفاعلين الدوليين والفرقاء السوريين، حيث خضع لتفسيرات عدة كلٍ حسب رؤيته ومصالحه متناسين حجم المأساة السورية التي تُحكمُ عُقدتها أكثر، يدفع ثمن عقدها وأجنداتها وتداعياتها الشعب السوري الذي يعايش أزمة عقدٍ من الزمان.
ونص القرار الأممي على سلسلة من الاجراءات من بينها، وجوب وقف القتال، وإطلاق آلية فعالة لمراقبة وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين وإيجاد أقصر الطرق لتقديم المساعدات الإنسانية في كل سوريا، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان من جميع الأطراف، وإطلاق سراح المعتقلين. كما يطلب القرار من الأمم المتحدة أن تجمع بين الطرفين (السلطة والمعارضة) للدخول في مفاوضات رسمية، وإجراء انتخابات بإشراف أممي.
ووفق القرار 2254 تبدأ العملية السياسية بتشكيل هيئة للحكم الانتقالي ذات صدقية خلال 6 أشهر، تحدوها صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة في مدة لا تزيد على سنة ونصف سنة.
رغم توافق الأطراف الدولية والمحلية على اعتماد القرار 2254 كمسار لحل الأزمة السورية، إلا أن التأويلات والتفسيرات التي تلت كانت كفيلة بإفراغ القرار من محتواه وتعطيل هذا المسار.
بعد عام من القرار الأممي، تحديدا في يناير،2016 أصدرت كل من روسيا وإيران وتركيا ما يعرف بـ«إعلان موسكو» ولاحقا تابع الثلاثي اجتماعات الآستانة بعد عام آخر (يناير 2017)؛ حاولوا من خلالها خلق مسارات تفاوضية جانبية تمكنها من التحكم في مصير الصراع السوري ومستقبله، والتي حققت بعض النتائج الميدانية وفرضت ما عرف بمناطق خفض التصعيد، لكنها أخفقت في التقدم، وإن كان بخطوات بسيطة، في العملية السياسية، ما شجعت قيادة روسيا، بعد عام جديد (يناير 2018) على عقد مؤتمر سوتشي، عساه يشكل طوق نجاة سياسياً يُخرج الوضع السوري من حالة التفسخ والاستنقاع.
خلال السنوات الست الماضية؛ شهدت مدينة جنيف مفاوضات أممية بشأن سوريا، بدت بجولاتها الكثيرة، عقيمة ومملة وتسير في طريق مسدودة، بسبب استراتيجية التعنت والاستهتار والمماطلة التي اتبعها كل من السلطة في دمشق وحلفاؤه من جهة وبسبب غياب معارضة حقيقية متماسكة وغير مرتهنة من جهة أخرى. فضلاً عن استمرار السلبية المقيتة للمجتمع الدولي في التعاطي مع قراره الأممي، الأمر الذي شجع المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا على الاجتهاد لتحريك المفاوضات عبر تقسيمها إلى 4 سلال (مارس/ آذار 2017)، هي الحكم الانتقالي غير الطائفي، والدستور، والانتخابات البرلمانية والرئاسية، وسلة رابعة حول مكافحة الإرهاب أضافها ممثلو السطلة في دمشق.
لكن جهود المبعوث الأممي آنذاك لم تثمر سوى منح السلة الدستورية الأولوية والتعويل عليها كمفتاح للحل، الأمر الذي استبعد السلال الأخرى، وأطاح الجداول الزمنية المقررة تباعاً، وحصر المفاوضات في مساحة ضيقة، تقتصر على إنجاز مشروع دستور جديد عبر لجنة توافقية انتقائية تمثل السلطة والمعارضة والمجتمع المدني، استغرق تثبيت أسمائها عامين كاملين، ولم تخطو جولاتها الست الماضية عن أية نتائج أو حتى مناقشة مواد دستورية.
ربما رسم القرار 2254 الخارطة العامة لحل الأزمة السورية لكنه لم يضع تصوراً أو آلية واضحة لتنفيذ بنود القرار، الأمر الذي أتيح لأطراف الصراع أن تتحايل في تفسيره وتخضعه لمصالحها.
رغم ذلك يبقى القرار الأممي ذي الرقم 2254 الذي تخطى «فيتو» الدول الفاعلة في الملف السوري وحظي بإجماع دولي؛ المنفذ أو بوابة التغيير بالتوازي مع مسارات وطنية تعمل من أجل ايجاد توافقات وطنية عبر الحوار السوري- السوري وبناء هوية وطنية جامعة.
ولعل هذا من جعل واشنطن وعبر موقع سفارتها في دمشق التمسك بهذا القرار حيث قالت، إن “مجلس الأمن الدولي وافق بالإجماع، قبل ست سنوات، على القرار 2254 بشأن سوريا”، وإن “الولايات المتحدة ملتزمة بالتوصل إلى حل سياسي موثوق ومستدام وشامل استناداً إلى هذا القرار”.
وتابعت: “الولايات المتحدة تدعم بالكامل جهود الأمم المتحدة لتسهيل العملية التي يقودها السوريون على النحو المنصوص عليه في القرار 2254”. وأكدت أنها “ستواصل العمل مع حلفائها وشركائها للضغط من أجل إنهاء سلمي للنزاع في سوريا”، داعيةً السلطة في دمشق إلى الامتثال للقرار.
ADARPRESS#