” ما بعد داعش ” … مرحلة التحول القومي و الوطني
أ. نصرالدين إبراهيم – سكرتير الحزب
شارفت عمليات قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية على الانتهاء مع الهجوم العنيف على آخر معاقل تنظيم داعش الإرهابي شرق الفرات في دير الزور , تدخل المنطقة بداية مرحلة جديدة بمعطيات مغايرة وواقعٍ شديد التعقيد , فهزيمة داعش العسكرية إلى جانب الانسحاب المزمع للقوات الأمريكية , و وسط الحديث عن إقامة المنطقة الآمنة , والغامضة في ماهيتها , لحل معادلة الأمن التركي والكردي , العصية على الحل في الوقت الراهن , وضبابية الوضع في إدلب , التي سلّمت لجبهة النصرة بنسختها المعدلة , بضوء أخضر تركي , وربما بإيعازٍ روسي , إضافةً إلى تشديد العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران , وعلى كل ما لا يتقيد بهذه العقوبات ضدها , زاد من الوضع تعقيداً إضافياً , كل هذا إلى جانب الأزمة المعيشية التي تشهدها المدن في الداخل السوري , مما يثقل من العبء على كاهل النظام , الذي على ما يبدو لم يغير من خطابه الاستعلائي قيد أنملة في تعاطيه مع حقوق الشعب الكردي ومجمل القضايا الوطنية , و الذي بات يعيش أزمة مفاضلة بين حلفائه المتخاصمين ” إيران وروسيا ” وحتى تركيا التي بدأت في مغازلته بعد محنة أردوغان الداخلية والخارجية .
كما أنه آن الأوان لوضع حدّ لرحى الحرب, وإنهاء الأزمة المستفحلة, التي تفاقمت لتضافر عاملين أولهما متعلق أصلاً ببنية النظام وعقليته العنصرية وفكره الشمولي وحلوله الأمنية ونظرته الاستعلائية على الوطن والمواطن , و ثانيهما متعلق بالتدخلات الإقليمية والدولية تأجيجها لصراع المصالح , وتحويل سوريا لساحة حربٍ بالوكالة , ولاسيما تركيا التي تمكنت بفضل مرتزقة الفصائل المسلحة من إجهاض الثورة الشعبية السلمية التي انطلقت ربيع عام 2011م مناديةً بالحرية والكرامة , ولهذين العاملين آلت إلى حرب داخلية في البلاد أحرقت الأخضر واليابس . لذلك نرى حركة مكوكية دولية وإقليمية ووطنية لوضع اللمسات الأخيرة لهذه المأساة وفقاً لعدة عوامل أولها تثبيت مصالحها ونفوذها .
هذه المعطيات تضعنا كحركة سياسية كردية في سوريا أمام مسؤولية تاريخية , ومهام عاجلة , وعلى مختلف الأصعدة , للتعامل بروية واتزان مع هذا الواقع الجديد , لا سيما أن هناك تنامي ملحوظ للتضامن العالمي مع الكرد باعتبارهم كانوا سداً منيعاً في وجه الإرهاب و القوة التي اندحرت أمامها أعتى تنظيم إرهابي , بعد أن حاربوا نيابة عن العالم , وأسقطوا دولة الخلافة الإرهابية المزعومة .
فعلى الصعيد العسكري والأمني لا بدّ من تشديد ملاحقة فلول داعش المتوارية عن الأنظار , والتي ستنشط دون شك في عدة اتجاهات منها نشر أفكار داعش المتطرفة والإرهابية , كما سيكونون بمثابة خلايا نائمة , لن تتوانى في تنفيذ عمليات إرهابية , وكذلك محاولاتهم اختراق الإدارة الذاتية وعلى مستويات مختلفة وبطرق عدة .
و يمكن التصدي لذلك من خلال إنشاء شبكات أمنية متماسكة ومتخصصة مزودة بتقنيات متطورة, وأيضاً من خلال تحقيق تعاون وثيق مع الجماهير وتوعيتها على ضرورة الإبلاغ عن أي مشتبه به فوراً.
كما أن اتمام النصر العسكري يستوجب جهوداً مضنية من الجميع لمقاومة نشر الفكر الإرهابي المتطرف , من خلال حملات التوعية المدروسة و تعميمها في المدارس والجامعات ودور العبادة ووسائل الإعلام بشكل ممنهج ليكون أكثر فعالية .
وعلى الصعيد الإداري و الخدمي يتوجب على القائمين على الإدارة الذاتية إعادة ترتيبها وتأهيلها لتتماشى مع المعطيات الجديدة , ولا سيما فصلها عن أية أجندات سياسية أو أيديولوجية , وإطلاق حملة واسعة لمكافحة حالة الفساد والمحسوبيات وبيروقراطية المكاتب التي تنهش في أدق مفاصلها , وضخها بكفاءات علمية تخصصية ذو خبرة في مجال الإدارة , هذا إلى جانب أهمية تحسين الواقع الخدمي والمعيشي للمواطنين , حيث يشهد قطاعي الخدمات والحياة المعيشية أوضاعاً مأساوية لا تليق بكرامة المواطن و عيشه الكريم , لاسيما أزمة الخبز والمحروقات المتفاقمة يوماً بعد يوم , مما يستدعى البحث ملياً والإعداد لمشاريع تنمية اقتصادية وزراعية وصناعية , تحقق الاكتفاء الذاتي للمنطقة , لا سيما وأنها غنية بثرواتها الباطنية والزراعية والمائية .
أما على الصعيد التربوي والتعليمي , فبات من الضرورة بمكان إعادة قراءة موضوعية وواقعية لما تشهده العملية التربوية والتعليمية من نقاط خلل , وأولها ضعف المؤهل العلمي للكادر التدريسي بشكل عام , والتي اذا ما استمرت , قد تهدد مستقبل أجيال بأكملها , مما ينعكس وبشكل خطير على مستقبلنا ككل .
و على الصعيد الاجتماعي , فلا بدّ من التحرك السريع للحفاظ على الأسرة من التفتت , و ضعف الروابط الاجتماعية , في ظل تفشي قيم وعادات غريبة عن مجتمعنا المعروف بأخلاقه الحميدة وتماسكه الأسري , فلا بدّ من وضع ضوابط لوسائل التواصل الاجتماعي وخاصة من قبل المراهقين , وسوء استخدامها , كما لا بد من مراقبة تعاطي المخدرات ح وتشديد الإجراءات الرادعة لكل من تسول له نفسه للإتجار بها .
وهنا يظهر الدور المحوري والنبيل لوسائل الإعلام في العملية التوعوية لمخاطر ومضار هذه الأمور .
أما على الصعيد السياسي , فبات من بديهيات الواجب والمسؤولية القومية للحركة السياسية الكردية أن تبدأ حواراً شاملاً تحضره جميع القوى السياسية , لإعادة ترتيب البيت الكردي , بالشكل الذي يؤهله لمواكبة التطورات الجدية , والعمل الفوري على تأسيس مرجعية سياسية كردية تكون ممثلة للشعب الكردي في سوريا , و تكون فعلياً صاحبة القرار في كل ما يتعلق بالقضية الكردية في سوريا , لتجسد بالفعل استقلالية القرار السياسي الكردي , مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية وضرورة التنسيق والتعاون مع القوى الكردستانية , ولا سيما ” الديمقراطي الكردستاني والعمال الكردستاني و الاتحاد الوطني ” , والمبني على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخر , حيث أن لكل جزء ظروفه وخصوصيته , وتحديد أولويات وثوابت النضال القومي والوطني في سوريا .
هذه المرجعية ستكون أمام مهام هامة و مفصلية في تاريخ شعبنا , وأهمها العمل على توسيع الادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا و تطويرها لتكون ممثلة من قبل جميع مكونات المنطقة القومية والدينية والسياسية , والعمل على كسبها الصفة الدستورية , والعمل على التمهيد السريع لدمج القوات العسكرية وتشكيل قيادة عسكرية واحدة , و التأكيد على عدم تبعية وارتباط القوات العسكرية لأي طرف سياسي , ولتكون هذه القوات العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية , كما يتوجب عليها البدء بحوار وطني مع مختلف القوى الديمقراطية في سوريا , ومن المهام الموكلة إليها التفاوض باسم الشعب الكردي في جميع المحافل الدولية والوطنية والكردستانية , وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع القوى العالمية وخاصةً مع دول التحالف العالمي لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة , والسعي الدؤوب لفرض حظر جوي في مناطق شمال و شرق سوريا , والعمل على أن تكون المنطقة الآمنة المقرر إنشاؤها في شرق الفرات بإشراف دولي , ورفض جميع المحاولات التركية لأن تكون هي من تقيمها , كما لا بدّ أن تشمل أي منطقة آمنة عفرين المحتلة , وكذلك جميع مناطق الشمال السوري .
قضية عفرين يجب أن تكون محورية لمهام هذه المرجعية , إذ يتوجب عليها تكثيف جهودها الجماهيرية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية لتحرير عفرين المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتها .
أما بالنسبة للحوار سواء مع الحكومة السورية أو غيرها من القوى الإقليمية المعنية بالشأن السوري فلا بدّ أن تتفاوض المرجعية الكردية وبإشراف وضمانات دولية , لا سيما من قبل دول التحالف , و روسيا والاتحاد الأوربي , وذلك بغية الإقرار الدستوري بحقوق الشعب الكردي القومية والوطنية وفق العهود والمواثيق الدولية , والوصول إلى بلد ديمقراطي برلماني تعددي لا مركزي , ينعم فيه الجميع بالكرامة و الحرية و المساواة .