حروب الفاشية التركية
صالح مسلم
منذ أن وطأت أقدام أجداد القبائل التركية أرض ميزوبوتاميا في القرن الحادي عشر ولم يتوقف نزيف دماء شعوب المنطقة نظراً للثقافة التي نشأوا عليها في موطنهم الأصلي في أسيا الوسطى بعيداً عن القيم الحضارية والإنسانية، ونظراً للقحط الذي أصابهم في بلادهم تحولوا إلى وحوش كاسرة تفتك بكل جوارها. بناء سور الصين الشهير جاء لرد غزواتهم فتوجهوا غرباً وشمالاً حيث لا أسوار والشعوب في غفلة عن مدى وحشيتهم، فالمغول الذين هم أسلافهم قالوا ” وهل هناك أمر أكثر متعة من أن تبيد قرية وتقتل رجالها وتسبي نساءها وتغتنم ثرواتها !!!!” .
المجتمعات التي تحيا هذه الظروف القاسية حيث قسوة الطبيعة والقحط وزعماء القبائل الظالمين دون رادع أو وازع مبدئي أو ضمير يلجأ أقراد هكذا مجتمع إلى كافة أشكال الخداع والمكر والتحايل وخلق الفتن بين الآخرين ليبقوا هم على قيد الحياة، وهكذا كانت حال القبائل التي توجهت إلى أرض الحضارات في الشرق الأوسط في مرحلة الدولة العباسية التي كانت تشهد توسعاً ورخاء العيش وصراعاً بين الشعوب والملل التابعة للدولة العباسية. جحافل المغول وصلت إلى عاصمة العباسيين وأحرقتها، والقسم الآخر توحه إلى أوروبا ودمرتها، إلى أن أدركت الشعوب مدى الكارثة التي حلت بها وقضت على وحشيتهم، ولكن بعضهم دخلوا الإسلام واستفادوا من التسامح الإسلامي ولكن لم يتخلوا عن نزعتهم الوحشية في القتل والتدمير فاستعان بعض الأمراء والسلاطين العباسيين بهذه الخصوصية المتجذرة فيهم ونصبوهم قادة على بعض الفرق العسكرية لردع خصومهم، ولكن هؤلاء تمردوا على أولياء أمورهم بعد انتصارهم على الخصوم.
أول كيان لتلك القبائل تأسس على تناقضات المنطقة القائمة بين الفرس والروم وإستخدام شعوب المنطقة ضد الطرفين لتشكيل الدولة السلجوقية الشيعية، إلى أن أتت قبيلة بني عثمان لتؤسس دولتها في غرب الأناضول وتقضي على كل من جاورها بما فيها دولة أبناء عمومتهم السلاجقة بذريعة أنهم شيعة، واستطاع العثمانيون التوسع في المنطقة بإستخدام الشعوب وتناقضاتها، ليشدوا أحد الأطراف إلى جانبهم للقضاء على الآخرين ثم يقضون على حليفهم. وهكذا ومن خلال تجنيد حثالات الشعوب في جيشهم الإنكشاري المعروف بوحشيته استطاعوا التحكم في رقاب الشعوب على ما يزيد على أربعة قرون لتبقى الشعوب في ظلام دامس بعيداً عن الحضارة البشرية والتقدم الحاصل في مسيرة البشرية، مستخدمين رداء الإسلام وهو براء منهم، فلا يوجد سلطان عثماني واحد تحمل عناء أداء فريضة الحج !!!!.
الدولة العثمانية كانت تهتم بنهب الثروات وإستعباد الشعوب دون التدخل في ثقافاتها إذا لم تشكل تهديداً لعرش السلطنة، بل استفادت من خبرتها في التجارة ونهب الثروات وفرض الهيمنة العثمانية، ولهذا كانت الطبقات الحاكمة تنتمي إلى مختلف الأثنيات والأعراق التي عاشت تحت مظلة الدولة العثمانية، إلى أن انتشرت أفكار وفلسفة الدولة القومية بعد الثورة الفرنسية وبدأت الشعوب الأوروبية تعمل على التخلص من الإستعمار العثماني، عندها فكرت الطبقات الحاكمة في الدولة العثمانية في تكوين دولة تركية ونشأت جمعيات ومنظمات كتركيا الفتاة والإتحاد والترقي وغيرها تدعو إلى تتريك الدولة مما تسبب في ردود فعل الشعوب الأخرى وقامت بثورات أدت إلى إندثار الدولة العثمانية، بينما الطبقات الحاكمة فلم تجمعها سوى مصالحها الكامنة في السلطة والحكم، رغم أن انتماءاتهم العرقية كانت متنوعة كونهم دخلوا الإسلام وانتموا إلى العثمانية بحكم مصالحهم فقط، وهؤلاء يسمون بـ”الأتراك البيض” كونهم غير أتراك عرقياً بما فيهم “أتاتورك” السالونيكي. وأغلبهم من الضباط والباشاوات في الجيش العثماني الإنكشاري، وهذه الطبقة لا زالت تحكم تركيا اليوم بعد أن أسسوا الجمهورية.
كانت الدولة العثمانية تضم عشرات المكونات الأثنية والعقائدية، ولكن عندما سعت طبقة الباشاوات والمتنفذين إلى تتريك الدولة العثمانية، انتشرت أفكار وتطلعات الدولة القومية بين المكونات أيضاً، وأصبحت تنادي بالإستقلال، وهكذا بدأت القوى العسكرية من الضباط العثمانيين بارتكاب الإبادات العرقية والمجازر الجماعية بحق كل من لا يقبل بالهيمنة التركية، ولخبرة العثمانيين في خلق الفتن والإيقاع بين المكونات، استطاعوا لم شمل المسلمين السنة في مواجهة المسيحيين فتمت إبادة الأرمن ثم حدثت مجازر سيفو ثم تطهير سواحل البحر الأسود من البونتوس واللاز ثم تطهير الأناضول وغربها من الروم (الأغريق)إلى أن تم الإعلان عن الجمهورية التركية في عام 1923 على أنقاض كل تلك الشعوب، حيث ارتبط مصير تلك الطغمة الحاكمة غير المتجانسة مع المصالح الدولية بما في ذلك الحلف الأطلسي عام 1952.