إرهاب غويران – بين ملحمة تلفزيون سوريا و قومجية بثينة شعبان
أيهم نور الصباح حسن/الحوار المتمدن
باحث ومفكر
هروباً من الطائفية المقيتة و القذرة، التي يجاهر بها تلفزيون أورينت بوقاحة و فجور ، لجأ بعض السوريين إلى تلفزيون سوريا كقناة مقبولة تتمتع ببعض المظاهر العلمانية، و كانت مقبولة إلى حد ما بحسب ما قاله لي بعض الأصدقاء كوني لست من متابعي التلفاز، إلى أن فاجأتنا القناة ” المعتدلة ” أثناء نقلها لأخبار العملية الإرهابية التي شنتها داعش على سجن غويران في الحسكة بتسميتها بالملحمة، و الملحمة لغوياً هي الحرب الشديدة التي يكثر فيها القتل، و قد جرت العادة أن يسمي الطرف الرابح في الحرب مواقعه التي ينتصر فيها بالملاحم لما يضفيه اسم الملحمة على المعركة من بطولة الجند و استبسالهم في القتال و لا مبالاتهم بلقاء الموت و لما ينسجه الأدب حولها من ملاحم أدبية ( شعرية أو سردية ) تذكر فيها قيم البطولة و الشجاعة و الإيثار بشكل أسطوري يؤسس لتاريخ الجماعة الجمعي. أما في حال خسارة الحرب فيكتفي الطرف الخاسر بذكرها كحرب أو عدوان أو اعتداء أو غزو، و هنا يبزغ السؤال، ما الذي رآه القائمون على تلفزيون سوريا في غزوة داعش على سجن غويران كملحمة حتى سموها كذلك ؟
لم يكن الكورد يوماً أعداء للعرب فما الذي حصل ؟
هل بتُّم تستحون اليوم من صلاح الدين و ابراهيم هنانو و معروف الرصافي و أحمد شوقي و البوطي .. ؟ إذاً فلتغيروا التاريخ و لتغيروا الضمير العربي كي يستطيع أن يفهم اللاحقون أسباب حقدكم .
هل سِحْرُ الارتزاق والحنين لعبودية التركي ؟
أم أنكم تَتَرَّكْتم حتى نسيتم سوريتكم ؟
أريد أن أذكركم أن هؤلاء الكورد الذين تشيطنونهم هم إخوانكم السوريون في السراء و الضراء و قد عانوا من ظلم الأنظمة الديكتاتورية الشوفينية كما عانينا بل أكثر قليلا، و لم يكن بيننا و بينهم – قبل أن تستلقوا في حضن التركي و تقودنا الشوفينية البعثية – سوى الخير و الوفاق.
ما الذي توجب على الكورد أن يفعلوه في ظل التقوقع الإثني العنصري المذهبي الطائفي ( الطبيعي في ظل البيئة السورية حينها ) الذي حدث في بداية الانتفاضة السورية ؟
عند كل مفصل و في كل حدث تثبت الطغمة التي اغتصبت اسم المعارضة السورية أنها تعاني من مشكلة عميقة في طبيعة الذهنية التي يجب أن تكون عليها كمعارضة سورية تمثل كل أطياف الشعب السوري و تعمل على توحيده و لحمته و تتبنى كل حقوق قومياته وأقلياته، و ليس السوري السني التركماني فقط، و تكريس و اختراع قضايا إثنية جديدة تزيدنا شرذمة خدمة لتركيا و لحزب العدالة و التنمية .
لم تقدم لنا هذه الطغمة العصملية طيلة هذه السنوات أي رؤية حقيقية ناضجة لسورية أو أي مشروع عملي من شأنه الوصول بسورية إلى بعض آمالها و تطلعاتها، إنما شغلتنا بتفاصيلها التافهة و بانشغالها بتغيير المقاعد و المناصب و الكراسي و كيفية توزيعها بما يحقق العدالة في السرقة بين أفرادها، و تحولت إلى بوق و بيدق تركي يذيع ما تمليه عليه الفوبيا التركية من المسألة الكوردية و يؤسس لانشطارات عنصرية إثنية جديدة، و تحويل القضية السورية من قضية حراك مجتمعي يطالب بالتغيير و الديمقراطية إلى قضية نزاع قومي وطائفي بين مكونات الشعب السوري، الأمر الذي أدى إلى إضعاف تعاطي المجتمع الدولي مع القضية السورية سياسياً .
لم يكن الكورد السوريون دعاة انفصال أو انغلاق يوماً، و على العكس كانوا من السباقين لدعم كل حركات التحرر و الديمقراطية في سورية، ليقينهم بأن الديمقراطية والتعددية ستحقق لهم حقوقهم الطبيعية ككورد في ظل الدولة السورية الواحدة.
الغريب في الأمر هو هذا الانسجام و التوافق في التزييف بين معارضة اسطنبول و عصابة السلطة في دمشق حول موقف من الكورد في سورية، و التعامي المشترك عن كل التتريك و التغيير الديمغرافي الذي يحدث في المناطق الكوردية المحتلة من قبل تركيا .
ففي مقال لها تحت اسم ” من غويران إلى الشيخ جراح ” تتحفنا المستشارة الإعلامية لرئاسة الجمهورية السورية الأستاذة الدكتورة بثينة شعبان بأن قسد العميلة و حليفتها أمريكا تقومان بتطهير عرقي للأحياء العربية في الحسكة، و تتباكى على البيوت العربية المهدمة و التي تم تهجير ساكنيها تمهيداً لصهينة المنطقة حسب قولها .
تناست المستشارة المرسوم الخاص الذي أصدره سيدها و أطلق بموجبه زعماء الإرهاب في سورية، و تناست المدن و الأرياف السورية التي تم دكُّها و محوُها عن بكرة أبيها لأنها تحتضن من يريدون إسقاط النظام، فتشرد السوريون بعد أن قتل منهم من قتل في بقاع الأرض، و لا داعي لذكر الأرقام فهي موجودة بكثرة في عدة مصادر على الانترنت .
إن هروب العرب من حيي غويران و الزهور في الحسكة، نتيجة المعارك، هو تطهير عرقي، بحسب المستشارة، و صهينة للمنطقة، بينما تقتيل ثلاثة أرباع شعب سورية و تشريده في كل أنحاء العالم و احتجاز الربع الباقي كرهائن، هو عمل إنساني عروبي و وطني !!!
هذا هو منطق السلطة العصابة و هذا ” وجه السحارة ” لديها، فما بالكم بما هو في الأسفل .
سؤال يستحق النظر : لو أن قوات قسد اقتصرت على الكورد دون العرب فهل كان باستطاعة داعش اختراقها بهذا الشكل ؟ أليس من الممكن أن يكون عامل الاندماج بين العرب و الكورد الذي تراعيه و تطبقه قسد سبباً في نجاح بعض أهداف هجوم داعش الإرهابي، و هذا التساؤل ليس دعوة لقسد للتراجع عن تفعيل جميع المكونات القومية في الجغرافيا التابعة لها و دمجها كمجتمع أهلي موحد، بل على العكس، إنما هو رد على أولئك القومجيين المتفذلكين بالعروبة و الحاقدين على الكورد و الشامتين بهم .
يبدو أن انتظار الفرصة و لهفة حدوثها للشماتة بالكورد و قسد قد أنست معارضة اسطنبول و سلطة العصابة الفظائع التي ارتكبوها و يرتكبوها بحق سورية و السوريين .
الشماتة لؤم و بضاعة المهزومين و سنرى عند كل إرهاب آخر شماتةً أخرى، لكن لا يهم، المهم أن غزوة غويران حُسِمت على يد الأبطال الكورد و أن سورية تسير و الضباع تُخَشرِم .