فريدمان: ليس أمام بوتين في أوكرانيا غير الخسارة وهذا يرعبني
يقول الكاتب الأميركي توماس فريدمان في مقال له بصحيفة “نيويورك تايمز” (The New York Times) إنه لا توجد خيارات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا غير الخسارة، وأمامه إما أن يخسر مبكرا ويتعرض لقليل من المهانة، أو أن يخسر متأخرا ويتعرض لكثير من المهانة.
ويضيف أن بوتين لا يمكن أن ينتصر في أوكرانيا لأنها ببساطة ليست البلد الذي كان يعتقد أنها كانت بانتظار قطع رأس قيادتها “النازية” بسرعة حتى تسقط بلطف وتعود إلى حضن الأم، روسيا.
وقال إن بوتين استخف تماما برغبة أوكرانيا في الاستقلال والانضمام إلى الغرب، وقلل تماما من إرادة العديد من الأوكرانيين للقتال، حتى لو كان ذلك يعني الموت، من أجل هذين الهدفين، وبالغ في تقدير قواته المسلحة، وقلل تماما من قدرة الرئيس الأميركي جو بايدن على إقامة تحالف اقتصادي وعسكري عالمي لتمكين الأوكرانيين من الوقوف والقتال وتدمير روسيا من الداخل، كما استخف تماما بقدرة الشركات والأفراد في جميع أنحاء العالم على المشاركة في العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا وتضخيمها، بعيدا عن أي شيء تبدأه الحكومات أو تفرضه عليها.
بوتين سيختار الخسارة المتأخرة
وأعرب فريدمان عن رعبه لأنه يرجح أن بوتين سيختار الخسارة المتأخرة التي ستؤدي إلى روسيا ضعيفة ومهانة ومخلة بالنظام، والتي يمكن أن تنقسم أو تتعرض لاضطراب قيادة داخلي طويل الأمد، مع فصائل مختلفة تتصارع على السلطة وبوجود كل تلك الرؤوس الحربية النووية، ومجرمي الإنترنت وآبار النفط والغاز.
كما أشار إلى الصدمات المالية والسياسية التي ستنطلق من روسيا، البلد الذي يعد ثالث أكبر منتج للنفط في العالم ويمتلك حوالي 6 آلاف رأس حربي نووي، عندما يخسر حربا من اختيار الرجل الواحد الذي كان يقودها ولا يستطيع الاعتراف بالهزيمة، لأنه يعرف بالتأكيد أن “التقاليد الوطنية الروسية لا ترحم النكسات العسكرية”، وفق ما لاحظه ليون آرون، الخبير الروسي في معهد “أميركان إنتربرايز” (American Enterprise)، الذي يكتب كتابا بعنوان “طريق بوتين إلى أوكرانيا”.
كل هزيمة لروسيا أدت لتغيير جذري
ولفت فريدمان الانتباه إلى أن آرون أوضح في صحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) أن كل هزيمة كبرى لروسيا تقريبا أدت إلى تغيير جذري. فحرب القرم (1853-1856) عجلت بقيام ثورة الإمبراطور ألكسندر الثاني الليبرالية، وأدت الحرب الروسية اليابانية (1904-1905) إلى اندلاع الثورة الروسية الأولى، كما أدت كارثة الحرب العالمية الأولى إلى تنازل الإمبراطور نيكولاس الثاني عن العرش وقيام الثورة البلشفية، وأصبحت الحرب في أفغانستان عاملا رئيسيا في إصلاحات الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف “. كما ساهم الانسحاب من كوبا بشكل كبير في عزل نيكيتا خروتشوف بعد ذلك بعامين.
وفي الأسابيع المقبلة -يستمر الكاتب- سيتضح أكثر فأكثر أن أكبر مشاكل العالم مع بوتين في أوكرانيا هي أنه سيرفض الخسارة المبكرة الصغيرة، والنتيجة الأخرى الوحيدة هي أنه سيخسر الكثير متأخرا، ولكن لأن هذه هي حربه فقط ولا يمكنه الاعتراف بالهزيمة، فسيستمر في مضاعفة قوته في أوكرانيا حتى يفكر في استخدام سلاح نووي.
جرائم لم تشهدها أوروبا منذ هتلر
وقال إنه عندما يخطئ القائد في كثير من الأمور، فإن أفضل خيار له هو أن يخسر مبكرا وقليلا. وفي حالة بوتين، فإن ذلك يعني سحب قواته من أوكرانيا على الفور؛ وتقديم كذبة تحفظ ماء الوجه لتبرير “عمليته العسكرية الخاصة”، مثل الادعاء بأنها نجحت في حماية الروس الذين يعيشون في أوكرانيا؛ ووعد بمساعدة إخوة الروس على إعادة البناء.
لكن الإذلال الذي لا مفر منه، يقول الكاتب، سيكون بالتأكيد لا يطاق بالنسبة لهذا الرجل المهووس باستعادة الكرامة والوحدة لما يرى أنه الوطن الأم لروسيا.
وبالنظر إلى مقاومة الأوكرانيين في كل مكان للاحتلال الروسي، لكي “ينتصر” بوتين عسكريا على الأرض، سيحتاج جيشه إلى إخضاع كل مدينة رئيسية في أوكرانيا، ويشمل ذلك العاصمة كييف، وبعد أسابيع على الأرجح من حرب المدن والخسائر البشرية الهائلة في صفوف المدنيين. باختصار، لا يمكن فعل ذلك إلا من قبل بوتين وجنرالاته الذين يرتكبون جرائم حرب لم تشهدها أوروبا منذ عهد الزعيم النازي أدولف هتلر، الأمر الذي سيجعل روسيا بوتين دولة منبوذة دوليا بشكل دائم ومخيف.
المصدر : نيويورك تايمز