عفرين والتغيير الديمغرافي الحاصل
رياض درار
عمليات التهجير السوري لم تبدأ بداريا أو الغوطة أو دوما ولم تنته بريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي التي بلغت بمئات الألوف، والتي كان عنوانها الباصات الخضر. إن التهجير بدأ مع تحول الحراك الشعبي إلى صراع مسلح، فقد تناثر السوريون في أصقاع الأرض وبالملايين بسبب التهديد المستمر لحياتهم ومعيشتهم وكرامتهم وأعراضهم من كل من شارك في المأساة دون تمييز بين معارض وموالي، فالجميع في لحظة كانوا سببا لانتقال السكان من جبهة إلى أخرى، وهذه اللحظة قد تبدو أثرا من آثار الحرب.
ولكن إرادة التهجير القسري لم تكن بعيدة عن النظام أولا وكان ممثلوه السياسيين والحزبيين يهددون به، وبأنهم تسلموا سوريا ثمانية ملايين ومستعدون العودة بها إلى الرقم ذاته فناءًا أو تهجيرًا للسوريين. وهذا ماهدد به أو بشر به رأس النظام وهو يتحدث عن سوريا المنسجمة أكثر من مرة وميز السوريين الذين هو رئيسهم عن باقي السوريين الذين لم يعودوا تحت إمرته. وهذا ما حصل، ولكن الصورة انتقلت في النهاية إلى تخطيط قامت به الدول الضامنة وساهمت معها الفصائل التي شاركت في آستانا، فهي مسؤولة عن كل ماحصل منذ آستانا واحد، لأنهم كانوا مساهمين ومشاركين ومؤيدين لما جرى في عفرين ليؤكدوا انخراطهم في التغيير الديمغرافي ومازالوا يتوسلون به إلى تحقيق سوريتهم المنسجمة الأصولية تحت الرعاية التركية. وليحقق النظام سوريته المفيدة تحت راية روسيا وإيران. لتبقى سوريا الديمقراطية ممثلة لسوريا الحقيقية التي لم تسع للتغيير الديمغرافي ولا للتهجير القسري وسعت لبناء يجمع الشعوب المتنوعة تحت راية الأخوة بين الشعوب والأمة الديمقراطية.
بالنسبة لعفرين القسم الأكبر من النازحين وصل إليها بعد أن هجر منها مئات الآلاف من سكانها بفعل عملية (غصن الزيتون) ، وقد جرى توطين عشرات الآلاف من النازحين في منازل المدنيين والمزارع التي تركوها، وأقيمت مخيمات لآخرين رفضوا أن يدخلوا بيوتا ليست لهم من الذين رفضوا التوطين الذي تسعى له تركيا والفصائل التي معها، فقد رفضوا العيش في منازل هجر منها أهلها، وهؤلاء يشكلون بذرة خير للمواطن السوري النقي الذي لن ينسى أرضه، ويشكلون نواة يقظة وتحرر من آثار هذه الحرب التي أريد لها أن تغسل أدمغة أبناء الوطن الواحد لتجعلهم أبناء طوائف متناحرة وهويات قاتلة.
من جهتها عفرين استقبلت مالا يحصى من النازحين الذين تهجروا من حلب وإدلب ومناطق أخرى مما يزيد عن استيعاب المكان وقدرة السكان ومع ذلك لم يمن أهل عفرين على هؤلاء ولم يقتسموا الخبز معهم تحت شعارات دينية وأحاديث تدعو للبر والتعاون، بل شاركوهم بقلوب مفعمة بالانسانية وبالواجب وبالأصالة، ليأتي اليوم نازحون باسم الدين يعتبرون أنفسهم يتقاسمون غنائم حرب وأنها مما أفاء الله عليهم من غير أن يرف لهم جفن، ولاتشعرهم المأساة بذنب. وأكثر فإن الدولة التركية تدفعهم للاستيلاء على ماتناله أيديهم باسم الدين، والمشايخ يباركون وقد صرحوا من قبل عبر بيانهم الأسود أن دماء الكورد وأموالهم مباحة وهم بذلك يزرعون بذور فتنة سترتد عليهم مفاعيلها وقد خابوا وخسروا.
إن عفرين لن تسكت مهما حاولوا تغييرًا في الديموغرافيا وسيعود شبابها ليطردوا من تمثلوا بالغزاة ومن التحق بركب الدولة الظالمة الغاشمة، وهي ستكون مقياس عودة الأمور إلى نصابها ومن هنا نجد أمامنا فصيلان: الذين رفضوا أن يدخلوا بيوتا ليست لهم من الذين رفضوا التوطين الذي تسعى له تركيا والفصائل التي معها، فقد رفضوا العيش في منازل هجر منها أهلها وهؤلاء يمكن مد اليد لهم ليساهموا في رقض التغير الديمغرافي، ووالفصيل الآخرالذين ارتضوا تشكيل فصائل جديدة تلتحق بركب الظلمة ليحاربوا الكورد كما أعلن بويضاني جيش الاسلام الجبان، الذي سلم دوما للنظام وجاء ليحارب الكرد وداعش وجبهة تحرير الشام كما ادعى في لقاء في مخيم دير بلوط واعدا بالدعم والتجهيز بالسلاح لمن يلتحق بقواته فهؤلاء لن يكون لهم إلا المواجهة والملاحقة ويجب أن يوضعوا على قائمة الاستهداف لأنهم باعوا أهلهم أول مرة للنظام ويبيعون من تبقى للأتراك فهم مرتزقة سينالهم شر أعمالهم وسيخذلون ولن يحصدوا إلا الذم والعار.