العلاقة المتأرجحة بين “العدالة والتنمية” والإخوان
خورشيد دلي/ العين
رغم الجذور الأيديولوجية المتماثلة لحزب “العدالة والتنمية” في تركيا وجماعة الإخوان، فإن العلاقة بينهما كانت متأرجحة دائما.
تخضع العلاقة بين الجانبين إلى الانتهازية السياسية انطلاقا من المصالح، وعليه، فمن يمعن النظر في تاريخ الجانبين خلال المراحل الماضية، سيجد أنها مرت بمسارات متنوعة، خلافا للرؤية الأيديولوجية الواحدة التي تحكمهما.
فعندما تأسس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عام 2001، لم تنظر جماعة الإخوان إليه بارتياح، بل نظرت إليه من موقع الارتياب والشك، فـ”الإخوان” نظرت إلى “العدالة والتنمية” على أنه انشق عن تيارات “الإسلام السياسي التركي”، وزعيمه نجم الدين أربكان، الذي أسس أحزاب “السلامة الوطني” و”الرفاه” و”الفضيلة”، وجميعها حُظرت من قبل القضاء التركي، حيث بدا “أردوغان” كأنه يتمرد على معلمه، كما أن “العدالة والتنمية” تجنب وصف نفسه بـ”الإسلامي”، خاصة في المراحل الأولى لتأسيسه، بل كان يصر على إظهار التزامه بـ”علمانية الجمهورية”، التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك عام 1923، والقيام بالإصلاحات المطلوبة لنيل العضوية الأوروبية عبر تحقيق معاييرها الأخلاقية والسياسية.
المحطة المفصلية، التي قلبت الأمور، ونقلت العلاقة إلى مرحلة جديدة، كانت اندلاع “الربيع العربي” المشؤوم عام 2011، عندما دعا راشد الغنوشي، زعيم “النهضة” الإخوانية التونسية، فور عودته من الخارج إلى الاقتداء بالنموذج التركي بزعم أنه “وفّق بين الإسلام والعلمانية والاقتصاد”، ومن ثم اقتدت به “الإخوان”، ووجدت تركيا في هذا مدخلا للتغلغل إلى العالم العربي، ولقلب العلاقة مع الدول العربية عبر الاستفادة من الإخوان واستغلالها لتوسيع نفوذ تركيا في المنطقة، حتى جاءت ثورة 30 يونيو في مصر عام 2013، قاطعة الطريق أمام المشروع التركي التوسعي، لتنتقل علاقة الحزب الحاكم في تركيا بـ”الإخوان” مرحلة أخرى، وهي تحول إسطنبول إلى مركز لجماعات الإسلام السياسي، حيث بات قادة الإخوان يلتقون فيها ويضعون خطط التخريب في بلدانهم، وقد أضحت إسطنبول مركزا لنشاطاتهم الإعلامية والمالية والسياسية، بعد المؤتمر الذي عقد فيها في أبريل 2016، مبدين فيه الولاء لأردوغان.
دون شك، ارتماء الإخوان في حضن الرئيس التركي وتحولهم إلى أذرع لتركيا، دفعه أكثر إلى الانخراط في العالم العربي، فبدأ التدخل في مناطق شمال سوريا وشرقها، وكذلك في ليبيا والعراق، والتغلغل في الصومال والسودان واليمن، وصولا إلى التقارير التي تتحدث عن إعداده جماعات مسلحة من الفصائل السورية لإرسالها إلى أفغانستان.
مع هذه التطورت بات الإخوان يعتمدون بشكل كلي على تركيا، والرهان عليها في قلب الأوضاع في بلدانهم، من خلال استخدام العنف والتخريب، قبل أن تتفاجأ برسائل الغزل التركية لمصر، والدعوة إلى فتح صفحة جديدة معها، في براجماتية محملة بالمصالح والتجارة والبحث عن تحالفات إقليمية لتحديد مستقبل الطاقة في “المتوسط” بعد أن وجدت تركيا نفسها خارج هذه التحالفات، بل وفي صراعات مع الدول المعنية.
تدرك تركيا جيدا أن أحد أهم الشروط المصرية والعربية لفتح صفحة جديد معها هو الكف عن استخدام ورقة الإخوان، وعليه ركزت على هذه الورقة من خلال أوامر بتحديد معايير الخطاب الإعلامي لقنوات الإخوان، وربما الضغط على قيادات وكوادر الجماعة لدفعهم إلى الخروج من تركيا، وهو ما أصاب الإخوان بحالة من الذهول والصدمة والخيبة، بين من يرى أن “أردوغان” تخلى عنهم على مذبح مصالحه، وبين من يعتقد أن ذلك ربما يكون “تكتيكا جديدا” منه لتمكين السياسة التركية في وجه التحديات.
ويعتقد الفريق الأخير أن “أردوغان” بالتخلي عنهم سيضر نفسه أكثر منهم، على اعتبار أنه سيخسر قاعدته الشعبية في الداخل التركي، تلك القاعدة التي تمت تعبئتها بالأيديولوجيا والشعارات الزائفة، وعلى رأسها فلسطين والقدس، دون أن يدرك هؤلاء أن براجماتية “أردوغان” كفيلة بفعل الشيء وعكسه في وقت واحد من أجل الحفاظ على سلطته.
وأمام تهاوي “الإخوان” من مصر إلى تونس وصولا إلى ليبيا، وأمام الشروط المصرية والعربية الواضحة لفتح صفحة جديدة مع تركيا، وأمام قناعة تركيا بضرورة اللحاق بركب تحالفات الطاقة في “المتوسط”، أمام كل هذا وغيره، فقد يسارع “أردوغان” إلى وضع نهايات لحلقات مسلسله الداعم للإخوان بعد أن استخدمهم في صراع المصالح، فيما لم يبق لهؤلاء سوى البحث عن منافٍ بعيدة، بعد أن تورطوا في إراقة دماء شعوبهم على مذبح الأيديولوجيا العابرة للقارات والحاملة للمشاريع العدمية.