السيناريو الغامض في غزوة النصرة لعفرين
خورشيد دلي/ نورث برس
جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، لصاحبها أبو محمد الجولاني، مع أنها مدرجة على قائمة التنظيمات الإرهابية، إلا أنها كبرت وسط صمت دولي في الشمال السوري، سكت الجميع لاسيما تركيا عن غزواتها السابقة، خاصة عندما قضت على حركة أحرار الشام في ريفي حماة وإدلب وحصرتها في ريف حلب، تحديداً في عفرين المحتلة، اتخذت من إدلب مقراً لحكومتها (الإنقاذ) التي شكلت عام 2017، ومنذ ذلك الوقت تجري محاولات حثيثة لتعويمها، فصورة الجولاني في الإعلام الغربي تظهر باللباس الرسمي وليس الجهادي، وصحفيون في عدد من الدول الغربية يتوافدون لإجراء مقابلات معه، والصحافة التركية تقدم حكومة الجولاني على أنها حكومة إدارية وخدمية وليست حكومة حرب وقتال وجهاد، والحديث يدور عن إبراز الوجه التجاري والخدمي والاقتصادي والعقاري لها، وهكذا يتحدثون عن شركة وتد لتجارة النفط بالمال التركي والقطري! ولا أحد يتحدث عن توسعها وسيطرتها على مناطق واسعة في أرياف حلب وإدلب وحماة بعد أن شكلت ما تشبه دولة في الشمال السوري.
روسيا التي عقدت اتفاقيات لخفض التصعيد في الشمال الغربي السوري لا تقصف مواقع النصرة مع أنها مصنفة إرهابية كما قلنا، وحتى في مؤتمرات أستانا الكثيرة يتم تجاهلها، وعندما تقوم بغزوة هنا وهناك، لا تهرع ما تسمى بفصائل الجيش الوطني لمحاربتها، وكأن الجميع متفق على بقاءها، في سيناريو أشبه بمسيرة حركة طالبان الأفغانية التي سيطرت على أفغانستان بالكامل بعد عقود من رفع الجميع شعار محاربتها. في الواقع، الاقتتال بين الفصائل المسلحة في الشمال السوري ليس بجديد، ولكن الجديد هذه المرة، هو اكتساح النصرة لمعاقل الجبهة الشامية في عفرين بحجة الدفاع عن حركة أحرار الشام مع أن النصرة سبق أن حاربت الأخيرة في معاقلها بريفي حماة وإدلب، ورسمت خريطة توسعية جديدة لنفوذها في الشمال الغربي السوري. ثمة أسئلة كثيرة، تطرح عن تحرك النصرة في هذا التوقيت، وعن سرعة سيطرتها على قرى ومناطق في عفرين المحتلة من دون مقاومة تذكر، وماذا عن مواقف الدول المعنية بالأزمة السورية وتحديداً تركيا إزاء التوسع الجديد للنصرة بهذا الشكل الدراماتيكي؟ والأهم، ما هي السيناريوهات المنتظرة من وراء كل ذلك؟
ثمة من يتحدث عن سيناريوهات خفية وغامضة إلى حد كبير، لعل أهمها:
1- إن تركيا التي تجتمع استخباراتها مع الجولاني مراراً، هي التي تقف وراء الحركة الجديدة للنصرة، وهؤلاء يرون أن الهدف التركي هنا مزدوج، فمن جهة تشكل هذه الحركة محاولة للدفع بآلاف العناصر المسلحة للانتقال من إدلب وعفرين إلى مناطق بموازاة منبج وتل رفعت وشرق الفرات للقتال هناك في إطار العملية العسكرية التي تعدها تركيا، ومن جهة ثانية، معاقبة الذين خرجوا في تظاهرات ضد الوجود والرموز التركية في عفرين خلال الأسابيع الماضية بسبب تدهور الوضع المعيشي. 2- إن ثمة سيناريو تركي – أميركي مشترك لتعويم النصرة، وتوكيلها بدور محاربة الجماعات الإرهابية، لاسيما تنظيم حراس الدين وداعش والشيشاني وغيرها من التنظيمات الإرهابية، إذ أن تركيا التي ترعى جبهة النصرة لأسباب كثيرة، يقابلها رغبة أميركية مماثلة، إذ سبق أن قال المبعوث الأميركي السابق لسوريا جيمس جيفري إن (جبهة النصرة تشكل ذخراً للاستراتيجية الأميركية، وأنها تشكل الخيار الأقل سوءاً من بين الخيارات المختلفة في إدلب) والخيار التركي – الأميركي المشترك له علاقة بمعادلات الصراع مع روسيا على الأزمة السورية، وكيفية إداراتها. 3- إن ثمة تفاهماً روسياً – تركياً على تكبير النصرة في المرحلة المقبلة، وأن كل ما يجري مدروس، في إطار جهود إقليمية، تقودها كل من موسكو وأنقرة، بغية ترتيب المشهد في الشمال السوري، إذ أن قضية التخلص من النصرة، ليست سهلة كما يتوقع البعض في ظل امتلاكها لأسلحة هائلة، وأعداد كبيرة من المقاتلين، تقدر بنحو ستة عشر ألف مسلح، وأن ما يجري يمكن وضعه في إطار سيناريوهين: الأول: إن تركيا التي تجد صعوبة بالغة في تنفيذ اتفاق سوتشي بشأن إدلب ومحاربة النصرة، قد ترى في سيطرة الأخيرة على منطقة جغرافية واسعة، أفضل طريقة للتخلص منها لاحقاً، من خلال عملية عسكرية مشتركة تقودها روسيا بمشاركة الجيش السوري وحلفاؤه من حزب الله والإيرانيين، وهو ما يعني أن الطائرت الحربية الروسية هي التي ستحسم هذه المعركة من الجو. فيما السيناريو الثاني، يقوم على أن تركيا لا تقدم أي شيء بالمجان في الشمال السوري، وأن السيناريو الأول لا بد أن يتضمن الثاني، وهو السماح لروسيا والجيش السوري وإيران بضرب النصرة، واستعادة المناطق التي تسيطرة عليها، مقابل موافقة روسية على عملية تركية في منبج ومناطق أخرى بعد أن تأجلت العملية العسكرية التركية، انطلاقاً من الحسابات الإقليمية والمواقف الدولية، وهنا من المهم متابعة مجريات الغزوة الجديدة للنصرة، وتحديداً فيما إذا كانت ستنتقل إلى مناطق مثل أعزاز والباب وغيرها من مدن منطقة درع الفرات. أبعد من تحرك النصرة في هذا التوقيت، ثمة أسئلة عن عدم تحرك تركيا لمساعدة الفصائل الدائرة في فلكها، بل ولماذا لم تتحرك فصائل (درع الفرات) و(غصن الزيتون) ضدها لمؤازاة الجبهة الشامية؟ مع غياب إجابة واقعية وحقيقية عن هذا السؤال، ثمة من يرى أن أولوية تركيا في هذه المرحلة، ليست محاربة النصرة، بل الكرد وتحديداً قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لطالما أن تركيا باتت تضع ذلك شعاراً وحيداً، وبوصلة لكل سياستها إزاء الأزمة السورية.
السيناريوهات الكثيرة لـ (غزوة) النصرة الجديدة في عفرين، تحمل معها سيناريو الغموض، سيناريو يستمد مشروعيته من الصمت الدولي والإقليمي على غزوات النصرة السابقة، وتوسعها خلال السنوات الماضية، فخلف السكوت الدولي صمت يريد النصرة ورقة للمساومات والصفقات وربما للحلول عندما تحين.