في رهانات المعارضة التركية وتماهيها مع أردوغان
خورشيد دلي/ نورث برس
تتصرف المعارضة التركية وكأنها فائزة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة صيف العام المقبل، هذه المعارضة التي شكَّلت تحالفاً يتألف من أحزاب الشعب الجمهوري، الصالح، المستقبل، الديمقراطي، الديمقراطية والتقدم، والسعادة؛ عقدت حتى الآن ستة اجتماعات، قررت فيها أن يكون النظام المقبل برلمانياً، وشكَّلت لجنة لتحديد جدول أعمال الحكومة المقبلة لمئة يوم إذا فازت في الانتخابات، بل ذهبت أبعد من ذلك، عندما قررت تشكيل لجنة للإصلاحات الدستورية والقانونية، فضلاً عن مناقشة أمن الانتخابات المقبلة، لكنها فشلت حتى الآن في انجاز ثلاثة مسائل أساسية، وهي : 1- عدم الاتفاق على صيغة محددة للترشُّح في الانتخابات المقبلة، ويعود ذلك أساساً إلى الانقسامات والخلافات التي تعاني منها هذه المعارضة، إذ يدور الجدل حول الترشُّح في قائمة واحدة، أو أكثر من قائمة، في انعكاس واضح لحجم التباين الإيديولوجي بين أحزاب هذه المعارضة، إذ أنها تضمّ إيديولوجيات مختلفة، تشمل العلماني، القومي ،الإسلامي، الديمقراطي والليبرالي. 2- عدم الاتفاق على كيفية مد جسور هذا التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد، الذي حدّد شروط واضحة للتحالف مع المعارضة، وهي شروط تدور حول كيفية حلّ القضية الكردية في البرلمان التركي، من خلال حلّ سياسي يحقق الديمقراطية في تركيا عبر الاعتراف بالقضية الكردية، وحلها سلمياً عبر خطوات واضحة، حيث كان حزب الشعوب واضحاً في مؤتمره الخامس الذي عُقد قبل أيام، أنه لن يقبل أن يكون جسراً لأي طرف من أجل الوصول إلى السلطة. 3- إتكاء المعارضة على الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، إذ أنها تبدو تراهن على تداعيات هذه الأزمة لإلحاق الهزيمة بحزب العدالة في الانتخابات دون طرح رؤية اقتصادية واضحة، من شأنها الدفع بالناخب التركي للتصويت للتحالف المعارض لحكم أردوغان وهزيمته. في ظل هذا الانقسام الذي يعتري المعارضة التركية، يُبدي تحالف الشعب بزعامة أردوغان – باهجلي تماسكاً قوياً، ويحاول رسم خطواته جيداً لخوض الانتخابات المُقبلة مع إعلانه أن أردوغان هو مُرشّحه للانتخابات الرئاسية، ولعل زيادة الرواتب بنسبة ثلاثين بالمئة قبل أيام، كانت خطوة انتخابية بإمتياز، قد تدفع بأردوغان إلى تبكير موعد الانتخابات لأشهر إذ وجد أن زيادة الرواتب ستزيد من شعبيته، خاصةً أن هذه الخطوة قد تكون مخرجاً للجدل الجاري بعدم قانونية ترشُّح أردوغان للانتخابات المقبلة، وفقاً للمادة 101 من الدستور التركي، التي تقول: عدم جواز بقاء شخص في الرئاسة لأكثر من دورتين رئاسيتين، وعليه فإن تبكير الانتخابات لأشهر معدودة سيكون حلاً قانونياً لهذه المادة في ظلّ ضعف رواية الحزب الحاكم التي تقول أن ولاية أردوغان الأولى غير محسوبة طالما أنها سبقت فترة الانتقال إلى النظام الرئاسي. في انتظار الانتهاء من هذا الجدل القانوني، تبدو المعارضة التركية تتماهى مع أردوغان في مسارين سياسيين من شأنهما التأثير على تصويت الناخب التركي، فمن جهة تسلك قادة المعارضة التركية نفس سلوك أردوغان في التعامل مع الناخب الكردي، إذ أنهم يكتفون بزيارة المدن الكردية الكبرى على غرار أردوغان بحثاً عن صوت الناخب الكردي دون التقرُّب من القضية الكردية، وطرح حلول واقعية لها، أو مدّ جسور التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطية، وإذا كان مفهوماً سلوك أردوغان بهذا الخصوص، واعتماده على التيارات الإسلاموية في الأوساط الكردية للفوز بصوت الناخب الكردي، فإن قادة أحزاب المعارضة التركية يبدون أمام حسابات معقدة، في ظل اعتقادهم أن التقرُّب من القضية الكردية سيُخسرهم أصوات الأوساط القومية التركية لاسيما المُتطرِّفة، بعد أن تحوَّلت هذه الأوساط إلى قوة إيديولوجيّة ضاغطة في الدولة التركية. ومن جهة ثانية، كثيراً ما تتماهى أحزاب المعارضة مع سياسة أردوغان الإقليمية، خاصة تلك التي تتعلق بالدور الإقليمي لتركيا، وزيادة نفوذها ودورها، انطلاقاً من الأجندة القومية التي تطمح للهيمنة والسيطرة، وعليه كثيراً ما توافق هذه المعارضة على التدخل العسكري التركي في سورية والعراق وليبيا…، وكذلك تدعم قرارات مجلس الأمن القومي التركي التي تُتَّخذ في هذا المجال، وباتت تتجدّد سنوياً، بل وصل الأمر بحزب الشعب الجمهوري الذي هو أكبر أحزاب المعارضة التركية إلى حد الموافقة على مقترح حزب العدالة والتنمية الحاكم بنزع الحصانة عن نواب البرلمان، وكذلك قانون عزل رؤساء البلديات المنتخبين، وهو ما استغله أردوغان في التنكيل بالمعارضة التركية، لاسيما الكردية بتهمة دعم الإرهاب، حيث زجّ عشرات النواب ورؤساء البلديات الكرد المنتخبين في السجون، وعلى رأسهم الرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب صلاح الدين ديميرداش. في الواقع، رغم استطلاعات الرأي التي تُشير إلى تراجع شعبية أردوغان وحزبه الحاكم، ورغم قتامة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين في تركيا، إلا أن واقع المعارضة التركية وانقساماتها، وعدم قدرتها حتى الآن في حسم موقفها من قضايا أساسية وحيوية، لاسيما القضية الكردية، تدفع المرء إلى السؤال عن قدرة هذه المعارضة على إلحاق الهزيمة بأردوغان وحكمه في الانتخابات المقبلة.