التهديدات التركية اليومية باحتلال مناطق جديدة في شمال وشرق سوريا، والقصف اليومي العشوائي الذي يطال المدنيين وقراهم، والذي أسفر مؤخراً عن مقتل عائلات كاملة، يؤدي إلى تداعيات كارثية، انسانيا وسياسيا وامنيا، الى جانب الازمات الاقتصادية التي تعيشها المنطقة، جراء ظروف الحرب والحصار.
إن العمليات العسكرية السابقة والتي خاضتها آلة الحرب التركية بالاعتماد على ما يسمى ب (الجيش الوطني)، وهم للأسف من أبناء الشعب السوري، ممن ارتضوا التحول لأدوات في مخططات الحرب التي يقوم عليها التحالف الحاكم في تركيا، ليس فقط في سوريا، ولكن في مناطق أخرى، وهو ما يساهم في تعميق الخلافات والانقسامات بين المكونات الوطنية، وانتشار الحروب والصراعات، ودعم المنظمات الجهادية، وهو مخطط، في نهاية المطاف، لا يصب في صالح الشعب التركي، الذي لن يرضى أن يكون سبباً في اثارة الفوضى ودعم الإرهاب، الأمر الذي قد ينعكس عليه داخليا.
إن من يتابع الحجج التي تسوقها الحكومة التركية الحالية حول الاحتلال العسكري لمناطق سورية جديدة، وهي: “إن هذه المنطقة تشكل خطراً أمنياً على تركيا” وأمنها القومي فالأمن القومي السوري هو المُهدد والمتضرر الوحيد من هذه العملية هو الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه، وأنها تريد “توطين اللاجئين السوريين فيها”، يكتشف فوراً زيف هذه الادعاءات وتجافيها للحقيقة.
إن من يقوض الأمن والأمان ومن ينشر الحرب والاقتتال بين المكونات، هي سياسة الحكومة التركية في دعم الإرهابيين والمرتزقة، الذين يحتلون المناطق ويهجرون أهلها، ويفرضون عليها واقع فوضى وخطف وإتاوات، بعد أن يحولوها إلى مناطق سيطرة أمراء الحرب، حيث كل أمير ميليشيا يأخذ منطقة ويحكم أهلها بقانون الغاب من خطف وترويع ومصادرة واغتصاب، كما حدث ويحدث الآن في عفرين وسري كانيه/ رأٍس العين، وتل أبيض وغيرها.
إن هذه المليشيات هي من تقسم سوريا، عبر تقسيمها لتلك المناطق بينها، والعمل على التغيير الديمغرافي بطرد المواطنين الكرد واسكان أناس آخرين مكانهم.
وما حدث في مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض خير دليل وشاهد على ذلك فسكان هذه المناطق تم تهجيرهم بفعل آلة الحرب التركية والفصائل السورية المسلحة الموالية لها في عمليتين عسكريتين إحداهما عملية غصن الزيتون في منطقة عفرين بتاريخ 20\1\2018 والتي أسفرت عن مئات القتلى والجرحى من المدنيين وتهجير ما يزيد عن (300) ألف مواطن من منطقة عفرين وقراها إلى مناطق الشهباء وحلب وغيرها من المناطق السورية ليعيشوا ظروف التهجير القسري بكافة جوانب المعاناة والألم وعمليتها الثانية بتاريخ 9\10\2019 على منطقتي تل أبيض ورأس العين تحت مسمى نبع السلام والذي أدى الى سقوط مئات الضحايا والجرحى وتهجير ما يزيد عن (200) ألف مدني من قراهم ومدنهم واستقرارهم بمخيمات النزوح القسري في ظروف معيشية لا تقل صعوبة عن ما يعانيه أبناء عفرين في مخيمات ومناطق النزوح في منطقة الشهباء المحاذية لمناطق عفرين
كذلك فان مزاعم “خلق منطقة آمنة وتوطين اللاجئين فيها” لا أساس لها من الصحة. فالمنطقة الآمنة موجودة الآن ويحكمها ويديرها أهلها. والحملات العسكرية وعمليات القصف العشوائي للمدنيين، وجرائم التهجير والاغتيال والخطف ومصادرة الأراضي والبيوت، لا تخلق “منطقة آمنة”، بل تخلق منطقة دمار وتخريب وتهجير، وتساهم في ظهور مئات الآلاف من المهجرين الجدد، الذين يفرون من آلة الحرب التركية ومن جرائم الميلشيات الخارجة عن القانون، ومن انتهاكات قاداتها من أمراء الحرب.
وقد فر مئات الآلاف من المواطنين الآمنين من الحرب والقصف والقتل، وتحولوا بين يوم وآخر إلى مهجرين ولاجئين. لقد خلق الاحتلال التركي لاجئين جدداً ولم يحل أزمة اللاجئين على الإطلاق. ومن الواضح أن الهدف هو تهجير المكون الكردي من تلك المناطق، وتوطين عوائل المرتزقة مكانهم، وللأسف هذا المشروع اللاإنساني القائم على التهجير والتغيير الديموغرافي على أساس قومي، أي التطهير العرقي، يحدث بمساعدة دول من المنطقة، حيث تسهم الجمعيات الاخوانية الخليجية (قطر والكويت) فيها في تسديد ثمن بناء بيوت لعوائل الجهاديين في عفرين وغيرها. ولا شك في أن تكريس واقع التطهير العرقي هو جريمة من الجرائم بحق الإنسانية، تماماً مثل الاحتلال العسكري والتطهير العرقي حيث أن الاحتلال التركي يقوم بقصف مناطق النازحين والمهجرين قسراً بشكل شبه يومي بواسطة الأسلحة الثقيلة من قذائف صاروخية ومدفعية واستخدام الطائرات المُسيرة حيث تم استهداف مناطق الشهباء بآلاف القذائف والتي تسببت بالعديد من المجازر الجماعية التي راح ضحيتها عشرات الأطفال الأبرياء والنساء والشيوخ والتي تسببت بإصابات وعاهات دائمة للكثيرين وخاصة تلك التي تستهدف مدينة تل رفعت بشكل خاص ونذكر منها مجزرة تل رفعت عام (2019) والتي راح ضحيتها عشرة مدنيين بينهم ثمانية أطفال وجرح ثلاثة عشر مدنياً بينهم العديد من الأطفال
ومجزرة عام (2021) والتي راح ضحيتها أربعة مدنيين بينهم طفلان وأربعة جرحى وقد ازدادت وتيرة القصف العشوائي خاصة بعد التهديدات التركية الأخيرة حول شن عملية عسكرية جديدة على منطقة تل رفعت بحجة إعادة أهلها إليها متناسياً أن هذه المدينة يسكنها آلاف من المدنيين من مهجري عفرين وأهلها الأصليين حيث يتم استهداف المدينة بشكل شبه يومي بالعديد من القذائف المدفعية والصاروخية والطائرات المسيرة والتي أرهبت المدنيين الذين لا ينقصهم المزيد من الألم والمعاناة
يمكن تلخيص التداعيات الكارثية لأي هجوم تركي على شمال شرق سورية بالنقاط الآتية:
– تقويض الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب وإتاحة فرص ثمينة لا تعوض لتنظيم “داعش” لإعادة السيطرة على المناطق جغرافيا، وبالتالي انتقاله عبر تركيا إلى مناطق أخرى. وهذا هو الهدف الأساسي لتركيا، حيث يتم تحريرهم من السجون وإعادة عوائلهم وأطفالهم إلى تركيا كما حصل في مخيم عين عيسى أثناء الهجوم التركي على سري كانية وتل أبيض.
– التسبب في هجرة جماعية أكبر من تلك التي سببتها حملات الحرب السابقة، لكون تلك المناطق تحتضن عدداً كبيراً من نازحي المناطق التي احتلت سابقا، إضافة إلى سكانها الأصليين. وسيزداد العبء على المجتمع الدولي بسبب موجات الهجرة الكبيرة.
– تعقيد الأزمة السورية أكثر وأكثر مع احتلال المزيد من الأراضي السورية، مما سيؤدي الى التقسيم والتشتيت وصعوبة التوصل إلى الحلول السياسية.
– القضاء على التنوع الثقافي العرقي أو الديني من خلال جلب عوائل المقاتلين الأجانب والمهجرين من المناطق الأخرى لإسكانهم في المناطق المحتلة، وبالتالي إعادة هندسة التركيبة السكانية لتلك المنطقة حسب خطة اردوغان المزعومة لإنشاء “منطقة آمنة” على طول الخط الحدودي، بهدف تغيير هوية المنطقة الثقافية التاريخية. وهذا يشكل خرقا للقانون الدولي وانتهاكاً لكل العهود والمواثيق، وهو جريمة حرب وفق تعريف القانون الدولي.
– تحول تلك المناطق إلى أماكن استخدمتها المجموعات الإرهابية -وخاصة “داعش”- كجبهات خلفية لنشاطاتها الإرهابية، سواء ضد مناطقنا أو ضد أوروبا والشرق الأوسط. وكان هذا ما ثبت خلال هجومهما الأخير على سجن الحسكة.
– إخراج اللاجئين السوريين قسرًا من تركيا وإسكانهم في مستوطنات في المناطق المحتلة رغم عن إرادتهم وليس بشكل طوعي كما تدعي حكومة اردوغان التي تريد أن تلعب بورقة اللاجئين السوريين ضد معارضيها في المعركة الانتخابية.
إن المجتمع الدولي مطالب اليوم بالتدخل لمنع أي حرب مقبلة وأي عملية احتلال جديدة تُحضر لها الحكومة التركية، الذي يريد استغلال الحرب في أوكرانيا، ورغبة كل من السويد وفنلندا بالانضمام إلى حلف (الناتو)، بغية شرعنة حربه الجديدة في شمال وشرق سورية، واحتلال المناطق هناك وتهجير سكانها. وعلى المجتمع الدولي ألا يرضخ للابتزازات والضغوط التي تمارسها الحكومة التركية، بل المطلوب هو رفض سياسة الحرب، وممارسة الضغوط والعقوبات على نظام اردوغان، لدفعه إلى التخلي عن سياسة الحرب ودعم الإرهاب الجهادي، ووقف مساعدة الميليشيات الإرهابية والانسحاب من عفرين وسري كانيه وغيرها من المناطق السورية المحتلة.
هذه مسؤولية يتحملها المجتمع الدولي بأكمله تجاه ما يجري في مناطقنا، من دول وحكومات ومنظمات دولية. وإلا فكيف يمكن تفسير تحدي اردوغان لإرادة المجتمع الدولي من دون رادع، وحيث يرى لا عائق أمامه لتحقيق مآربه؟ كان هذا ما صرح به علنا حيث أقر بأنه لا يستأذن أحداً للقيام بالعملية العسكرية، هذا التحرك التركي المارق الذي يتجاوز كل القوانين الدولية وينتهكها على مرأى من الجميع.
منظمة حقوق الإنسان عفرين_ سوريا
ADARPRESS #