الاحتلال التركي يستهدف قوات دمشق بالتزامن مع مساعي التقارب.. ما الأهداف والأسباب؟
عمد الاحتلال التركي على استهداف نقاط حكومة دمشق على الحدود بين شمال وشرق سوريا وتركيا، وسط ترويج الإعلام التركي عن مساعٍ لإعادة تطبيع العلاقات مع دمشق، في حين، عد المعارض السوري، فراس قصاص هذه الاستهدافات بمثابة رسائل ضغط لدمشق بغية إرغامها على الانخراط معه، مؤكداً أن حدوث التقارب سيؤثر بشكل سلبي على الوضع السوري بمجمله.
في الوقت الذي تسعى فيه كل من دولة الاحتلال التركي وروسيا إلى إحياء وتعديل اتفاقية “أضنة” بين كل من أنقرة ودمشق، وإعادة تطبيع العلاقات بينهما، يكثف الاحتلال التركي هجماته على المناطق السورية الحدودية، مستهدفاً نقاط تمركز عناصر قوات حكومة دمشق، في خطوة أثارت التساؤلات حول الغاية التركية من هذه الاستهدافات.
ومنذ شهر تموز الماضي وحتى الآن، قتل وأُصيب العشرات من عناصر حكومة دمشق، جراء القصف التركي على مواقعهم الحدودية، أبرزها وقع في 16 آب الجاري، في مدينة كوباني، إذ تعرضت نقطة تابعة لهم لقصف من قبل الطائرات الحربية التركية، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير من جنود قوات حكومة دمشق.
في حين التزمت كل من حكومة دمشق و”الضامن الروسي” بالصمت، دون أن يدليا بأي بيان صارم وجدي حيال هجمات الاحتلال التركي على النقاط العسكرية التابعة لها، ما يدل على أن الطرفين لا يرغبان في وقف هجمات الاحتلال التركي وعدوانه على المنطقة، على الرغم من وجود اتفاقية بين كل من الإدارة الذاتية وحكومة دمشق حيال أمن الحدود، ووجود ضمانات أميركية وروسية حيال “وقف إطلاق النار”.
رسائل ضغط لدمشق
وخلال حديث خاص لوكالتنا، بيّن المعارض السوري ورئيس حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا، فراس قصاص، أن “غاية الدولة التركية في استهداف مواقع قوات النظام السوري بعد ظهور مقدمات وأحاديث علنية عن التقارب بينهما هو الضغط على نظام دمشق للمضي قدماً نحو الانخراط فيه، وإظهار أن هناك ثمناً لغيابه أو الامتناع عنه”.
ويضيف: “أراد نظام أردوغان للنظام السوري الوصول، من خلال خطوة استهدافه، إلى نتيجة أن التحالف السوري – الروسي لن يمنع أنقرة من توجيه ضربات له وإلحاق خسائر به، وأن إرادة النظام التركي في التقارب معه لا تخفي ضعفاً عسكرياً ولا تراجعاً تركياً في موازين القوة العسكرية بين مختلف الأطراف على الساحة السورية، وأن هناك ثمناً سيظل مطلوباً للدفع في حال رفضه التقارب أو تململه دخوله وإتمامه”.
في حين يرى مراقبون أن غاية الاحتلال التركي من استهداف نقاط تابعة لقوات حكومة دمشق، تعد بمثابة “تهدئة” للشارع في المناطق المحتلة بعد خروج احتجاجات عارمة من قبل ما تسمى المعارضة منددة بتصريحات رئيس الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو، بشأن دعم “المصالحة” بين “المعارضة” وحكومة دمشق.
مصالح روسية – تركية
وانتشرت قوات حكومة دمشق على طول الحدود بين شمال وشرق سوريا وتركيا، بعد إعلان الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في 14 تشرين الأول عام 2019، عن توصلها مع حكومة دمشق إلى اتفاقية بهذا الصدد، وبعد البيان انتشرت قوات حكومة دمشق على الحدود ونُشرت أسلحة ثقيلة بزعم التصدّي للهجمات، كما أنشأت روسيا قواعد عدّة في المنطقة.
كما تم بضمانة أميركية في 17 تشرين الأول وضمانة روسية في 22 تشرين الأول عام 2019 الإعلان عن “وقفٍ لإطلاق النار”، إلا أنه ومنذ ذلك الحين وإلى الآن تستمر خروقات دولة الاحتلال التركي للاتفاقية وأمام مرأى التحالف الدولي وروسيا، دون وجود أي رد فعل حيال ذلك.
وعلق فراس قصاص على صمت كل من روسيا وحكومة دمشق حيال هجمات الاحتلال التركي، قائلاً: “استبعد وجود دور مباشر لروسيا الاتحادية في موضوع الهجمات التركية الأخيرة على قوات النظام السوري، أما فيما يخص صمتها حياله فلعلها لم تعارضه، صمتت بشأنه لأنها تجد فيه ما يعزز من ضغوطاتها على النظام للمضي قدماً في تقارب مع تركيا. هو في الواقع تقارب يفيد السياسة الروسية في سوريا ويوفر لها نجاحات على صعيد إحداث خلاف تركي – أميركي يضاف إلى ملفات الخلافات بينهما”.
ويتابع: “كما أن حدوث تقارب بين النظامين التركي والسوري يحدث خرقاً على حساب الغرب والولايات المتحدة لمصلحة روسيا في سوريا، ويزيد من فرص تحقيق الأجندة والإرادة الروسية على حساب الأجندات والإرادات الغربية الأميركية وهو ما تعتبره روسيا نجاحاً يصب في تثقيل الدور الروسي وتحقيق نقاط مهمة في سباق أطلقه ودخله الرئيس الروسي لإصلاح ما يعتبره خللاً في النظام الدولي”.
وأكد قصاص أن روسيا تريد حدوث التقارب بين كل من أنقرة ودمشق بأي ثمن، وقال: “روسيا مستعدة للتهاون في الرد على أي استهداف تركي لمواقع حليفها حتى يحصل هذا التقارب، وإن ذلك قد يكون حصل تفاهم بشأنه في سوتشي”.
ونجم عن اجتماع سوتشي الذي جمع الرئيس الروسي مع نظيره التركي في 5 آب الجاري، تصاعد وتيرة هجمات الاحتلال التركي على شمال شرق سوريا عبر الطيران المسيّر والقصف الصاروخي والمدفعي، وحديث عن مساع روسية إلى إحياء وتعديل اتفاقية “أضنة” بين كل من دمشق وأنقرة.
وكشف رئيس دولة الاحتلال، أردوغان، أن نظيره، فلاديمير بوتين، عرض عليه خلال محادثات سوتشي “حل” الأزمة، بالتعاون مع حكومة دمشق، وقال إن بوتين أخبره بأن حل الأزمة السورية سيكون أفضل بالتعاون مع حكومة دمشق، وأنه رد بأن جهاز المخابرات التركية يتعامل بالفعل مع هذه القضايا مع مخابرات حكومة دمشق.
ملامح تقارب أنقرة – دمشق بدأت تظهر
وفي ظل المستجدات الراهنة على الساحة السورية تضاربت الآراء حول إمكانية حدوث تقارب بين كل من أنقرة ودمشق، فمنهم من استبعد ومنهم من توقع حدوثه، ويبقى الأهم هو أنه على حساب من سيحدث هذا التقارب وكيف سيؤثر على الملف السوري؟
ولم يستبعد المعارض السوري فراس قصاص حدوث تقارب بين كل من أنقرة ودمشق، وقال: “لا أشك بأن تقارباً بين نظامي دمشق وأنقرة هو تطور قادم على الطريق بدأت ملامحه ومقدماته تظهر بشكل متزايد وأن المستقبل سيحمله إلى الواقع السوري بوصفه التطور الأكثر وضوحاً للوضع السوري على المدى القريب، حينها سيتحول التحالف الموضوعي بين النظامين، فيما يخص المنطقة، والذي كان يتخفى تحت حالة الحرب والعداء والتناقض المباشر السائدة بينهما إلى تقارب واتفاق، وربما إلى تحالف مباشر”.
ويمضي في حديثه: “النظامان يؤمنان بنظرية المؤامرة التي تتعرض لها المنطقة وكلاهما ينال منه رعب الآخر الإثني، رعب الحوار والاعتراف بالآخر، وتحقيق الشعوب لإراداتها وإدارتها لشؤونها على قاعدة التعاون والتضامن وقيم العيش المشترك، لا يختلف مطلع على الشأن السوري في أن الغرض من أي تقارب أو اتفاق تركي سوري هو القضاء على إرادة الحرية التي أطلقها السوريون في آذار عام ٢٠١١ وتوّجوها بتجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، تلك التي نصبت سقف قيمة شكل جوهر رهانات الثورة السورية والشعب السوري ضد الاستبداد ومن أجل مستقبل أفضل للبلاد”.
وأكد قصاص أن تقارب الطرفين سيكون على حساب الشعب السوري بكل مكوناته وضده وضد إرادته في تقويض الاستبداد وتحقيق الكرامة والكفاية والحرية.
تقويض إرادة الشعب السوري
ونوّه قصاص إلى أن التقارب التركي- السوري سيؤثر بشكل سلبي على الوضع في سوريا، وقال: “سيتحول التواطؤ الموضوعي بين نظامي أردوغان والأسد إلى تواطؤ وتحالف واضح ومباشر يستهدف تقويض إرادة السوريين في الحرية والرفاه والتحقق، وستكون مواجهتهما لهذه الإرادة ومحاولة تعويقها مكثفة ومركزة في شمال وشرق سوريا بوصف تجربتها رأس حربة في عملية التغيير والانعطاف نحو مستقبل تعددي تشاركي ديمقراطي في سوريا”.
وأضاف: “لا يشك أحد أن أوضح صورة لاستبداد نظامي دمشق وأنقرة الجوهري واستعلائهما العنصري ورفضهما الاعتراف بالآخر، ورهاناتهما على قضية السلطة والبقاء في مواقعهما إنما تتمظهر وتتجسد في موقفهما من شمال شرق سوريا، على أن نجاحهما معاً في تحقيق ما يتطلعان بخصوص عدائهما لمناطق الإدارة الذاتية إليه، أمر مشكوك فيه بشدة إن لم يكن ممتنعاً بحق، فتجربة الإدارة الذاتية، نجحت في أن تضع نفسها في منطقة سياسية محلية ودولية جعلتها محصنة ضد الانحسار والتراجع والهزيمة”.
وأكد المعارض السوري ورئيس حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا، فراس قصاص، في ختام حديثه: “أنه ربما تتغير مساحات تأثير الإدارة الذاتية وربما تتراجع هنا وهناك مؤقتاً، لكنها بالتأكيد تتجه نحو الاستمرار وتحقق ونجاح لأنها تمثل جوهر إرادة السوريين نحو تحقيق ما يتطلعون إليه من أهداف، ولأنها نجحت في تحقيق تموضع سياسي مهم ومدهش على صعد عدة، أهمها الدولي الذي يستطيع أن يدافع عنها ويمنحها الشرعية والقدرة على الاستمرار والنضج والبقاء”.
ADARPRESS#