اللاجئون السوريون في تركيا وقلق المصير
خورشيد دلي
عمّقت الاستدارة التركية نحو دمشق، من منسوب القلق والتوتّر لدى اللاجئين السوريين في تركيا؛ على مصيرهم، فبعد سنوات من ترتيب هؤلاء لأوضاعهم، وعائلاتهم، وأعمالهم، وتعليم أطفالهم … في ظلّ خطاب تركي حكومي؛ مُرحِّب بهم، بدا المشهد يتغير بسرعة كبيرة ضدهم، وسط تحوّل الخطاب المُرحِّب بهم في إطار مقولة ( المهاجرون والأنصار ) إلى خطاب العِداء والكراهية، لكل ما يمتُّ لهولاء اللاجئين بصلة، إلى درجة أن كثيرين منهم؛ باتوا يخشون على حياتهم في الشارع، والمدرسة، والعمل، والمنزل .. بعد أن تصاعدت وتيرة الاعتداءات ضدّهم، ولعلّ من يدقق في العناوين الرائجة بخصوص هؤلاء اللاجئين؛ سيجد جملة من المشاريع والقضايا التي تجعل مصيرهم مجهولاً في المرحلة المُقبلة، ومن أبرز هذه العناوين والقضايا:
1 – ترحيل قسري وليس عودة طوعية: دأب الرئيس التركي، أردوغان وحكومته، منذ فترة الحديث عن عودة طوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، فيما يعرف الجميع أن لا صحة لعودة طوعية، وأن ما يجري بهذا الخصوص هو في إطار عمليات ترحيل قسري بعد اعتقال المئات من اللاجئين السوريين يومياً بحجج مختلفة، ومن ثمّ ترحيلهم إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل المسلحة التابعة لتركيا، وقد أدى هذا الترحيل القسري إلى زيادة معاناة اللاجئين خاصةً من جهة تشتيت العائلات.
2- تحوّل اللاجئين السوريين إلى مادة انتخابية: لا يخفى على أحد أن قضية اللاجئين السوريين في تركيا، تحولت إلى مادة انتخابية بإمتياز، إذ تتسابق المعارضة، وحكومة حزب العدالة والتنمية؛ إلى استغلال هذه القضية لزيادة شعبيتهما في الداخل مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فالطّرفان يُحمّلان اللاجئين السوريين؛ مسؤولية تراجع مستوى المعيشة في البلاد، وتفاقم الأزمات الحياتية، وتراجع قيمة الليرة أمام الدولار، وغلاء الأسعار والعقارات… إلى درجة أن هذا التسابق دفع بمسؤولين من الطرفين إلى تحديد مواعيد محدّدة لمغادرة جميع اللاجئين السوريين.
3- كذب المنطقة الآمنة: ركّزت الحكومة التركية خلال الفترة الماضية على إقامة منطقة أو مناطق آمنة في شمالي سوريا؛ لإسكان وتوطين اللاجئين السوريين فيها، وجاء ذلك بالتزامن مع الاستدارة التركية نحو دمشق، فيما يعرف الجميع؛ أن لا مقوّمات لإقامة مثل هذه المناطق، خاصة في ظلّ استمرار التصعيد العسكري في الميدان، وعدم وجود ضمانات بعدم تعرّض هؤلاء للقصف أو الملاحقة في حال عودتهم إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام.
4- انتشار خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين: لا يخفى على أحد أن صورة اللاجئ السوري في المشهد السياسي، والإعلامي التركي؛ باتت كصورة الرجل الذي يجلب المشكلات، والمُقترن بالسرقة والقيام بأعمال مُخلَّة بالأخلاق والأمن والفوضى… ولعل ما يُقدِّمه رئيس حزب النصر؛ أوميت أوزداغ، تحت نظر السلطات بهذا الخصوص؛ يشكّل نموذجاً ساطعاً لخطاب التحريض والكراهية ضد اللاجئين السوريين، إلى درجة أن كثيرين باتوا يخشون من إرسال أطفالهم إلى المدراس؛ خوفاً من تعرُّضهم لاعتداءات، والقضية هنا لا تتعلق بأوزداغ وأمثاله، بل بخطاب إعلامي تُديره حكومة حزب العدالة والتنمية؛ تريد أن تكون صورة اللاجئين بهذا الشكل كي تُبرّر خططها وبرامجها المستقبلية بهذا الخصوص.
5- إشكالية ( الكيملك ): منذ عام 2011، قصدت الحكومة التركية إبقاء قضية اللاجئين السوريين البالغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين والنصف المليون؛ قضية عالقة، فهي رفضت التعامل مع هذه القضية بوصفها قضية لجوء إنساني؛ وفق القوانين الدولية الناظمة لحقوق اللاجئين، وما يترتب على ذلك من حقوق، وإنما اعتمدت منح الإقامة المؤقتة للاجئين في إطار ما عُرف بـ ( الكيملك )، وهو ما فتح الباب واسعاً لإرتكاب انتهاكات بحق اللاجئين لاعتبارات أمنية من جهة، ولاستخدامهم ورقة ابتزاز ضد أوروبا للحصول على المال، وعلى مواقف سياسية مؤيدة لأجندتها الإقليمية من جهة ثانية، وهو ما خلق حالة عدم استقرار في حياة اللاجئين السوريين؛ رغم أنه كان لوجودهم تأثير ايجابي على الاقتصاد التركي، خاصة أن الكثير من رجال المال والأعمال السوريين؛ نقلوا مشاريعهم الصناعية والزراعية إلى الداخل التركي، وأحدثوا تطوُّرات إيجابية على الصعيد الاقتصادي والمالي.
6- قافلة النور والدفع باللاجئين إلى المجهول: في ظلّ هذه المعطيات القلقة التي تُحيط بمصير اللاجئين السوريين، برز إلى سطح المشهد التركي في الأيام الماضية، ما سُمّيت بقافلة النور؛ التي تقوم فكرتها على قيام نحو ثمانين ألف لاجئ سوري؛ برحلة جماعية مشياً على الاقدام إلى أوروبا عبر اليونان انطلاقاً من اسطنبول، ومع أن القضية تحظى باهتمام إعلامي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه لا طرف محدّد حتى الآن؛ أعلن بأنه الجهة المُنظِّمة لهذه القافلة، مع الإشارة إلى أنه لا يمكن الترويج لمثل هذه القافلة دون وجود جهات في الغُرف المغلقة والاستخباراتية تقف وراءها، وهو ما يشير بإصبع الإتهام إلى الحكومة التركية؛ التي يبدو أنها تريد من وراء ذلك تحقيق جملة من الأهداف على شكل ابتزاز جديد لأوروبا حتى لو كان الثمن الدفع بهذا الكمّ الكبير من اللاجئين نحو مصير مجهول، خاصة أن اليونان وبدعم أوروبي؛ لا يمكن أن تفتح حدودها أمام هذا العدد الكبير من اللاجئين، وهو ما يضع هؤلاء اللاجئين أمام مصير مجهول. من الواضح، أن قضية اللاجئين السوريين في تركيا؛ باتت قضية مفتوحة على كل الخيارات، بما في ذلك خيار التفجير في الداخل التركي، خاصة في ظلّ تصاعد الحملات الشعبوية ضد اللاجئين، وهو ما قد يخلق ردود فعل غير محسوبة لديهم؛ رغم أنهم الحلقة الأضعف، إلا أن ما قد يدفعهم إلى هذا الخَيار هو المصير المجهول الذي بات ينتظرهم، فضلاً عن وعيهم بحقيقة مُتاجرة حكومة العدالة والتنمية بمعاناتهم وقضيتهم.
ADARPRESS#