في وقت حذرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا من احتمال حدوث تصعيد عنيف في الصراع السوري، أرجع باحثون وخبراء ذلك إلى تدخل قوى إقليمية ودولية وفي مقدمتها دولة الاحتلال التركي في الصراع وبحثها عن مصالحها، وأكدوا بأنه لن يتم الوصول إلى حل إلا بخروج كافة هذه القوى.
حذرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا والمعينة من قبل الأمم المتحدة من احتمال حدوث تصعيد عنيف في الصراع السوري، وذلك أثناء نشر تقرير عن الحرب المستمرة منذ 11 عاماً، والمسؤولين في استمرار دائرة العنف في سوريا، حيث زادت تركيا من هجماتها العدائية على شمال وشرق سوريا كما زاد وكلاء إيران من هجماتهم الصاروخية على القواعد الأميركية في شرق سوريا، كما زادت روسيا من غاراتها على شمال غرب سوريا، وتحاول حكومة دمشق إعادة سيطرتها على درعا والسويداء في الجنوب السوري عبر استخدام القوة، ويحاول مرتزقة داعش إعادة إحياء “خلافتهم” عبر الهجوم على السجون وكذلك عبر المخيمات التي تضم نساء وأطفال يتبنون الفكر الداعشي، كل هذا يأتي في ظل غياب أي حل حقيقي للأزمة السورية.
وحذرت اللجنة في تقريرها من أن السوريين يواجهون معاناة متزايدة ومصاعب ناجمة عن العواقب المميتة للحرب التي دامت أكثر من عقد من الزمن واشتدادها على طول جبهتها الشمالية.
وقال رئيس اللجنة، باولو بينيرو، أثناء إطلاق التقرير المكوّن من 50 صفحة بشأن حالة حقوق الإنسان في سوريا: “يواجه السوريون اليوم مصاعب متزايدة ولا تطاق ويعيشون بين أنقاض هذا الصراع الطويل”.
وأضاف أن “الملايين يعانون ويموتون في مخيمات النزوح، بينما تزداد ندرة الموارد ويزداد إجهاد المانحين، لا تستطيع سوريا تحمّل العودة إلى القتال على نطاق واسع، ولكن هذا هو القدر الذي تتجه إليه”.
التدخلات الخارجية
وحمّل الباحث السياسي في الشأن السوري والشرق الأوسط، محمد نبيل، خلال حديث خاص لوكالتنا، المسؤولية الأساسية لتصاعد الأحداث إلى عدة قوى من ضمنها التدخل التركي في الشمال السوري، والذي اعتبره الباحث بأنه “غير شرعي وأطال من أمد الأزمة السورية لأنه لم يأتي بدعوة شرعية من الحكومة السورية على غرار التدخل الروسي”.
وأضاف الباحث إن” التدخل التركي كان من جهة لخدمة المصالح التركية، وكذلك لاستهداف الكرد في الشمال السوري”.
كما يرى نبيل أن “التدخل الإيراني الذي جاء بدعوة رسمية من الحكومة السورية، هو أشبه إلى حد كبير بالتدخل التركي عبر إطالة أمد الأزمة، لأن الوجود الإيراني في سوريا يلقي بظلاله على استمرار دائرة العنف في سوريا من خلال استمرار التدخل الإسرائيلي والقصف الإسرائيلي على كلا من المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا وكذلك المواقع العسكرية السورية باعتبار أن الجانب السوري يساعد الجانب الإيراني في وجوده في سوريا وهذا يهدد الاحتلال الإسرائيلي من وجهة النظر الإسرائيلية”.
الكاتب والباحث السياسي، رامي الخليفة العلي، استبعد خلال حديث خاص لوكالتنا، حصول تصعيد كبير في الوقت الراهن في سوريا، قائلاً: “لا أعتقد ان هناك إمكانية في تصاعد الأحداث في قادم الأيام في سوريا، ليس هنالك من طرف مؤثر في الأزمة السورية، لديه مصلحة في تفجير الأوضاع، إيران تريد الوصول إلى اتفاق نووي في نهاية المطاف، وتفجير الأوضاع لا يخدم هدفها هذا، بالإضافة إلى أن وضعها مستقر في سوريا، وهي لا تريد تغيير هذا الواقع الميداني والعسكري والسيطرة على سوريا، أما روسيا فهي منشغلة في حرب أوكرانيا، ولا تريد تغيير الخرائط ابتداءً من سوريا”.
أما دولة الاحتلال التركي، وبحسب العلي فهي “وإن كانت تريد القيام بعملية في شمال شرق سوريا ضد قسد، ولكن في نهاية المطاف، الأمر منوط بموافقات دولية غير متوفرة، وهي لا تستطيع أن تقوم بمغامرة، كما أن الولايات المتحدة لا تريد تفجير الأوضاع وفتح صراع آخر في المنطقة، وخصوصاً مع الجانب الروسي والجانب الإيراني، لأسباب متعددة، وبالتالي ليس من مصلحة أحد تفجير الأحداث في سوريا، أتوقع أن الوضع الحالي يمكن أن يشهد بعض الرتوش وبعض التغييرات البسيطة، لكن لا يوجد تغيير حقيقي وحاسم على الأقل خلال الأمد المنظور”.
أما الباحث محمد نبيل فقال في السياق ذاته إن “تصاعد الأحداث مجدداً أو عدم تصاعدها في سوريا يعتمد على بعدين: البعد الأول يعتمد على الاعتبارات السياسية عبر الانخراط السوري في المنظومة السياسية العربية والإقليمية وهذا مؤشر بات واضحاً في الفترة الأخيرة عبر الزيارات الرسمية من قبل الرئيس السوري بشار الأسد لدولة الإمارات العربية في آذار الماضي ومقابلته ولى عهد أبو ظبي محمد بن زايد، أو من خلال التفاعل العربي مع دمشق عبر تطبيع العلاقات مع دمشق مثلما فعلت البحرين في كانون الأول 2021، وقامت بفتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، والبعد الأخر لابد أن نضعه في الاعتبار وهو تصريح الرئيس التركي في آب الماضي أنه لا يستبعد الحوار والدبلوماسية مع دمشق”.
وأضاف “بالتالي فإن ذلك يعد مؤشراً قوياً على مدى نية تركيا في اختيار طريق الدبلوماسية مع دمشق بعد 11 عاماً من الحرب في سوريا ومن ثم فإن من خلال البعد الأول والثاني يمكن القول إن هذين البعدين هما مؤشران ينعكسان بشكل مباشر على تصاعد أو انخفاض الأحداث في سوريا، فكلما زاد الانخراط السوري في التفاهمات السياسية وجوارها الإقليمي كلما قلّت الأحداث العسكرية في سوريا”.
لا يمكن الوصول إلى حل دون خروج كافة القوى الخارجية
وفي تصاعد حرب النفوذ بين موسكو والدول الغربية، ترغب روسيا في “نسج حل” في سوريا على طريقتها، عبر المساهمة في عقد” صلح” بين أنقرة وحكومة دمشق، ونقل اللقاءات التي تجمع الطرفين من المستوى الاستخباراتي إلى المستوى السياسي، حيث قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف: “تدعم موسكو فكرة تنظيم اجتماع لوزيري خارجية تركيا وسوريا.. ونحن على استعداد للمساعدة في عقده إذا لزم الأمر”، مضيفاً: “نرى أن الاجتماع سيكون مفيداً، نحن نتحدث عن إقامة اتصالات بين الجانبين، وحالياً تجري الاتصالات على المستويين العسكري والاستخباراتي”.
واعتبر في هذا السياق العلي، أن عودة العلاقات بين أنقرة وحكومة دمشق ليست بالأمر السهل، قائلاً: “بالنسبة للعلاقات الروسية التركية، فالوضع خاضع للضغوط الروسية، وخصوصاً على الجانب التركي، ولكن إمكانية عودة العلاقات إلى سابق عهدها، ليست بهذه السهولة، وهي تحتاج إلى وقت طويل، طبعاً هنالك بعض الإجراءات التي بدأت على شكل لقاءات على مستوى الاستخبارات، ولكن لقاءات رسمية ربما هي بحاجة إلى وقت أطول من ذلك”.
وأضاف “النقطة الأساسية، هي نقطة الاتفاق حول قسد، وهل يمكن أن تتفق أنقرة ودمشق حول وصول سيطرة النظام على كافة مناطق شمال وشرق سوريا، هذا الأمر باعتقادي صعب للغاية، باعتبار أن الولايات المتحدة، لديها حضور في شمال وشرق سوريا، هي الداعم الأساسي لقسد، وبدون موافقتها لا أعتقد ان هنالك إمكانية لعودة سيطرة النظام إلى هذه المناطق، وحتى الآن لا تبدي الإدارة الأميركية موافقة على هذا الأمر، الذي تتوق إليه أنقرة”.
وعن إمكانية الوصول إلى حل في سوريا وتطبيق القرار الدولي 2254 من دون خروج تركيا ومحاسبة وكلائها على الأرض الذي ارتكبوا جرائم حرب بحق السوريين، قال الباحث السياسي في الشأن السوري والشرق الأوسط، محمد نبيل: “بطبيعة الحال يمكن أن يطبق القرار الأممي 2254 الخاص بالانتقال السياسي في سوريا ولكن لا يمكن تطبيقه إلا بوقف جميع العمليات العسكرية في سوريا وخروج كافة الدول التي تدخلت في الأزمة السورية دون استثناء مع إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، إذاً القرار هو خاضع للإرادة الدولية في سوريا وليس فقط لإرادة الحكومة السورية”.
ADARPRESS #