موسكو والدفع بالمصالحة بين أنقرة ودمشق
خورشيد دلي
منذ قمتي طهران وسوتشي، تقوم روسيا بدور فعال للمصالحة بين أنقرة ودمشق، مستخدمة علاقاتها الجيدة بالطرفين، مُبدية استعدادها لرعاية وتنظيم لقاءات بين مسؤولي البلدين.
وطرحت موسكو أفكارًا تتعلق بصوغ خريطة طريق للمصالحة بين البلدين، من خلال تطوير اتفاق “أضنة” بين دمشق وأنقرة عام 1998، حتى بات البعض يتحدث عن اتفاق “أضنة 2”.
موسكو في حركتها على خط دمشق-أنقرة تهدف إلى تحقيق هدفين أساسيين:
الأول- ترتيب المشهد السوري في ضوء تداعيات الأزمة الأوكرانية من خلال التوصل إلى مصالحة بين دمشق وأنقرة، إذ مع المعطيات التي تؤكد أن أزمة أوكرانيا ستطول، وهو أمر قد يضطر موسكو إلى إعادة النظر في دورها العسكري في سوريا، ترى من الأهمية ترتيب المشهد السوري كي لا يشهد تداعيات غير محسوبة تؤثر في الأزمة السورية من جهة، وفي دورها هناك من جهة ثانية.
الثاني- الإبقاء على علاقة جيدة مع تركيا، التي تربطها بها مصالح كبيرة، تتجاوز العلاقات الثنائية إلى الصراع مع الغرب على موقع تركيا الاستراتيجي، وهي العضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، إذ إن الصراع بين روسيا والغرب على موقع تركيا بات أولوية للطرفين في ضوء التداعيات والاصطفافات التي أفرزتها الأزمة الأوكرانية.
وبين ضجيج أنقرة وصمت دمشق، إزاء الحراك الروسي على خطّي العاصمتين، تبدو تركيا مندفعة إلى المصالحة نحو دمشق، وهي في اندفاعتها هذه، تبدو مدفوعة بجملة مصالح،
لعل أهمها:
1- استكمال التحول الجاري في السياسة التركية الإقليمية تجاه العالم العربي، فتركيا تدرك أن تحولها نحو مصر ودول الخليج العربي وإسرائيل لا يكتمل دون سوريا، لأسباب لها علاقة بالجوار الجغرافي، والمصالح الاقتصادية والتجارية والسياسية المترتبة على هذا الجوار، حيث تشكل سوريا جسرا بريا لتركيا إلى قلب العالم العربي.
2- مع تحول قضية اللاجئين السوريين في تركيا إلى عبء كبير على البلاد، وإلى مادة للاستقطاب والجدل بين المعارضة وحكومة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، بات الجميع في تركيا متفقا على التخلص من هذا العبء عبر إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فضلا عن التوصل إلى تفاهمات مع الجانب السوري بخصوص مستقبل الإدارة الذاتية في شرق الفرات، التي ترى تركيا فيها تهديدا لأمنها القومي بحكم وجود قضية كردية في تركيا، حيث تخشى من تأثر الداخل التركي بوجود هذه الإدارة في شرق الفرات.
3- أن تركيا باتت ترى في إعادة تموضع علاقاتها مع سوريا والدول العربية الأخرى، تقوية لأوراقها الإقليمية، خاصة أنها ترى في الدعم الأمريكي لليونان وقبرص وأرمينيا استهدافا لسياستها الإقليمية في هذه المناطق.
في المقابل، ترى دمشق أن المصالحة مع تركيا تقتضي الانسحاب التركي من الأراضي السورية، التي تم السيطرة عليها خلال العقد الماضي، وإنهاء وجود الجماعات المسلحة التي عاثت في سوريا دمارا وخرابا، ما يساعد على استعادة السيادة، وممارسة مؤسسات الدولة دورها على امتداد الجغرافية السورية.
أمام هذا الواقع المتشابك واختلاف أولويات الطرفين، والتحديات والعقبات التي تواجه المصالحة السورية-التركية، تبدو روسيا متيقنة من قدرة أوراقها على بث الحرارة على خط دمشق-أنقرة، بحثا عن تفاهمات، ووصولا إلى خريطة طريق في المرحلة المقبلة.. خريطة تريد روسيا منها نقل المشهد السوري الإقليمي لمرحلة جديدة، ربما يكون عنوانه الأول واقعا إقليميا جديدا للمشهد السوري في مواجهة الوجود الأمريكي في شرق سوريا.
العين الاخبارية/ADARPRESS #