تكثفت خلال الأيام الماضية اللقاءات بشأن الملف السوري ما بين القوى الدولية والإقليمية ومن ضمنها دول أستانا، إذ أكدت السياسية السورية، سميرة مبيض أن مصالح السوريين غائبة عن هذه “المساومات” التي تهدف إلى “تثبيت المكاسب على الأراضي السورية”، وأشارت إلى أن حكومات المنطقة بما فيها دمشق وأنقرة تتناغم في العمل على وأد أي نواة لتأسيس دولة سوريا الحديثة.
شهدت نيويورك الأميركية لقاءات مكثفة بين دول “أستانا” من جهة وبين وفد حكومة دمشق ووفود دول عربية عديدة وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ “77” والتي بدأت يوم الخميس الماضي.
وجرت هناك العديد من اللقاءات الثنائية التي جمعت وزير خارجية حكومة دمشق فيصل المقداد مع نظرائه لعدة دول، منها روسيا، العراق، الأردن، إيران، الهند، أرمينيا، مالديف والإمارات.
كما عقد وزراء خارجية دول أستانا (روسيا وإيران وتركيا) اجتماعاً وزارياً بشأن الملف السوري، على هامش الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة.
واجتمع وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا سيرغي لافروف وحسين أمير عبد اللهيان ومولود جاويش أوغلو بعد التقاط الصور، في محادثات خلف الأبواب المغلقة.
مساعي لتثبيت المكاسب
السياسية والأكاديمية السورية، الدكتورة سميرة مبيض، تحدثت لوكالتنا عن هذه اللقاءات، بالقول: “كثير من هذه اللقاءات كانت محاولات لإظهار تحركات بالمسار السياسي السوري على هامش فعالية دولية كاللقاء العام للجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنها فعلياً لم تتجاوز هذا الحد ولا يمكن اعتبارها لقاءات ترتبط بقرارات هامة بما يتعلق بالقضية السورية”.
وأضافت “هذه الدول تسعى بشكل مباشر لتثبيت مكاسبها على الأراضي السورية واستخدام الأوراق السياسية التي تسيطر عليها كأوراق ضغط في ملفات أخرى لمصلحة هذه الدول ولا علاقة لها ببناء دولة سوريا الحديثة وتحقيق طموحات أبنائها، لذلك لا يمكننا أن نعتمد بأي حال من الأحوال لما يمكن أن تقدمه هذه الدول للسوريين لأن ما جرى خلال العقد المنصرم كان مؤشراً لا يمكن أن يخطأ أحد في قراءته بأن مصالح السوريين غائبة بالمطلق عن هذه الأطر”.
سميرة مبيض تستهجن مشاركة “الائتلاف”: لا مكان لهم إلا للتدمير والفوضى
وعلقت السياسية السورية، على مشاركة ما يسمى الائتلاف السوري في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقالت في هذا السياق: “من المستهجن أساساً أن تتم دعوة الائتلاف من قبل منظمة دولية ترفع شعار العمل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار للسوريين، فهذا الكيان أظهر استقطابات أيديولوجية وعسكرية بعيدة عن إمكانية تحقيق أي حالة استقرار للسوريين ولا تختلف عن بنيوية ومنهج نظام الأسد المتهم بجرائم إنسانية، فلا زالت الأمم المتحدة تعتبر مخطئة أن أطراف الصراع هم الفاعلين في المستقبل، في حين أن لا مكان لهم إلا للتدمير والفوضى وتقهقر المجتمع وتدميره على كافة الصعّد”.
مساومات ومتاجرة بمعاناة السوريين
وغلبت على هذه اللقاءات الدولية خلال سنوات الأزمة السورية وخاصة مسار أستانا طابع المساومة والمقايضة بين هذه الدول على حساب الشعب السوري.
وخلال اجتماعات أستانا تبادلت كل من روسيا والاحتلال التركي مناطق النفوذ فيما بينها حيث كانت تأمر دولة الاحتلال التركي مرتزقتها بتسليم المناطق إلى حكومة دمشق مقابل إعطاء الضوء الأخضر لتركيا باحتلال مناطق سورية عديدة، فاحتلت تركيا عفرين مقابل سيطرة قوات حكومة دمشق على الغوطة الشرقية كما احتلت تركيا أيضاً سري كانيه وكري سبي مقابل سيطرة قوات حكومة دمشق على مناطق في أرياف إدلب وحلب.
سميرة مبيض، تحدثت عن ذلك، بالقول: “منذ بدايتها قامت هذه المسارات لمساومات ومتاجرة بمعاناة السوريين لسبب بديهي وواضح هو غياب طرف رافع لمطالب غالبية الشعب السوري وهم من المدنيين المتضررين من أطراف الصراع العسكري والأيديولوجي فقد تقاسم هؤلاء وهيمنوا على كافة المحاور وقادوها بعبثية أدت إلى ما هو عليه الحال اليوم”.
‘تناغم في العمل على وأد أي نواة لتأسيس الدولة السورية الحديثة’
وخلال هذه النقاشات وخاصة بين أطراف أستانا يتم الحديث عن مساعي لإعادة العلاقات بين حكومة دمشق والاحتلال التركي وذلك على حساب مناطق شمال وشرق سوريا.
وفي التاسع عشر من شهر أيلول الجاري، قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إن بلاده ترحب باستعداد الرئيس التركي لبحث عقد لقاء مع بشار الأسد، وأضاف بوغدانوف أن موسكو “تدعو إلى تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق”.
وقال بوغدانوف: “نحن نتحدث عن إقامة اتصالات بين الجانبين؛ حالياً تجري الاتصالات على المستويين العسكري والاستخباري بين الجانبين، ونحن ندعم هذا اللقاء، ونشجعهم على ذلك”.
وفي هذا السياق، وعلى الرغم من الحديث السابق بتفاؤل عن هذه المساعي إلا أن هذا التفاؤل شهد تراجعاً خلال الأيام الماضية.
وقبل أيام قليلة نفى وزير خارجية حكومة دمشق فيصل المقداد، وجود أي مفاوضات مع أنقرة فيما يتعلق بمسألة التطبيع بين الدولتين.
وقال المقداد في إفادة صحفية، إنه ليست هناك اتصالات أيضاً على مستوى وزارتي الخارجية بين البلدين.
وأشار المقداد في حديثه إلى أن “عدم التزام تركيا يشكل عقبة تعيق التسوية في سوريا، بموجب (أستانا)”.
أيضاً نفت تركيا وعلى لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، الجمعة الفائتة، وجود أي “خطط للاتصال السياسي” مع الحكومة السورية”.
فيما أكد قالن في إفادة صحفية، أن المخابرات تجري اتصالات فيما بينها، في إشارة إلى لقاءات رئيس المخابرات التركي هاكان فيدان مع علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني لدى حكومة دمشق.
وحول ذلك، قالت سميرة مبيض: “تسعى حكومات المنطقة ومن ضمنها نظام الأسد والحكومة التركية لوأد أي إمكانية لتأسيس نواة الدولة السورية الحديثة، وقد ظهر ذلك في تناغمهم حول ما يسمى بالمصالحات وفي التنسيق لعمليات تغيير ديمغرافي تصنف كجرائم بحق الشعوب المحلية، لكنها مساعي فاشلة لأن السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام امتلكوا زمام أمورهم ويعبرون عن تمسك كامل بالسيادة والسعي للتغيير، في شمال وشرق سوريا من جهة ولكن أيضاً بالحراك المدني في عموم أنحاء سوريا دون استثناء”.
وأضافت “للوقوف بوجه مساعي النظم الحالية لإعادة تدوير نفسها علينا التمسك بالأدوات السياسية السورية ووضع إطار بناء الرؤية الحديثة لسوريا ضمن أطر القرارات الدولية وفرض مصالح السوريين على كافة المنابر”.
‘دفع السوريين إلى الهجرة والموت الفعلي’
وفي ظل هذه الاجتماعات القائمة على المساومة على حساب الشعب السوري، ازدادت خلال الفترة الماضية نسبة هجرة السوريين وفقد عدد كبير منهم لحياتهم.
وفي أخر مآسي هذه الهجرة، ارتفع عدد ضحايا كارثة المركب الذي كان يقل مهاجرين قبالة السواحل السورية إلى 94 شخصاَ.
ومن الأسباب التي تدفع السوريين إلى الهجرة هي الأزمات المعيشية في مناطق حكومة دمشق بالإضافة إلى التهديدات التركية بشن هجمات على شمال وشرق سوريا وقطع المياه عن المنطقة ما تسبب بحالة جفاف أثرت بشكل شبه كامل على الثروتين الزراعية والحيوانية.
سميرة مبيض، أوضحت ذلك، بالقول: “هناك مساعي لإجبار السوريين على الهجرة عبر التضييق عليهم في كافة المناطق ودفعهم للموت الفعلي كي لا يطالبوا بحقوقهم، وتعتبر جميع الحكومات التي تشارك بهذا التضييق مشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر بالجرائم التي ترتكب بحق كل سوري وعلى رأسهم نظام الأسد الذي يعتبر من أسوأ نماذج الحكومات النابذة التي أدت لتهجير نصف الشعب السوري وتفقير النصف الآخر وإذلاله لدرجة أن كل سوري اليوم يطمح بالنجاة بنفسه وبأبنائه ولن يستقيم هذا الحال إلا بانتهاء المنظومة الكارثية القائمة اليوم وبناء دولة قادرة على الحياة والاستمرارية”.
ADARPRESS #