يتساءل الخبراء عما إذا كان اعتماد روسيا تركيا مركزاً إقليمياً لنقل غازها إلى أوروبا سيمنح أنقرة دوراً استراتيجياً يمنحها حق التحكم بصمام الطاقة الروسي باتجاه القارة العجوز.
يرى عضو حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا يوسف كاتب أوغلو، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ بلاده “انتصرت دبلوماسياً واقتصادياً، وستكون أول دولة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) المعاقب لروسيا تنقل الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية”.
واعتبر أنّ نقل الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا “يمكن أن يتم قبل قسوة فصل الشتاء”، لأنّ البنى التحتية للتخزين في بلاده “شبه جاهزة”، مشيراً إلى وجود مراكز تخزين غاز ضخمة ومؤهلة في منطقة سيلفري غربي إسطنبول، لكن المركز الذي أمر الرئيس أردوغان ببنائه سريعاً، سيكون بالقرب من سيلفري في منطقة تراقيا شمال غربي إسطنبول بالقسم الأوروبي.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد “أمر”، اليوم الجمعة، وزير الطاقة فاتح دونماز بالعمل على إنشاء مركز لتخزين الغاز الطبيعي في تركيا “المركز الدولي لتوزيع الغاز” في أقرب وقت ممكن، وذلك بعد اقتراح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحويل تركيا إلى مركز إمداد جديد.
وقال أردوغان إنّ أنقرة وموسكو “ستعملان فوراً على تنفيذ مقترح الرئيس بوتين لنقل الغاز عبر بلاده إلى القارة الأوروبية”، مضيفاً، في تصريحات نقلتها قناة”إن تي في” ووسائل إعلام تركية، أنّ تركيا “ستتحول إلى مركز لتصدير الغاز”، وذلك بعد لقاء الرئيسين في كازاخستان أمس الخميس. واعتبر بوتين أنّ تركيا “وفّرت أفضل طريق من حيث الثقة وإمكانية الاعتماد عليها لتوصيل الغاز إلى الاتحاد الأوروبي”، مضيفاً أنّ تركيا لن تكون مجرد منصة للإمدادات، بل ولتحديد الأسعار “من دون تدخل السياسة”.
بوتين يقترح تركيا مقراً لمركز غاز رئيسي بإمدادات خط “نورد ستريم”
ويقول كاتب أوغلو إنّ روسيا لم تتخلّ عن مدّ الغاز للدول الأوروبية، لكنها اختارت تركيا مركزاً للتوزيع، بل وتحديد السعر، مشيراً إلى أنّ بلاده ستستجر الغاز الروسي بالروبل “بحسب اتفاقية سواب” وتبيعه باليورو أو الدولار، ما سينعكس على زيادة الاحتياطي الأجنبي في المصرف المركزي التركي، ويساهم في تحسين سعر صرف الليرة التركية التي تهاوت إلى ما دون 18.5 ليرة مقابل الدولار.
ويضيف أن الدول الأوروبية، التي كانت تستورد نحو 40% من حاجتها للغاز من روسيا، ستستعيد الجزء الكبير منه عبر تركيا، فتوفر كثيراً عمّا لو كانت ستستورده من غير روسيا وعبر تركيا بنحو 4 أضعاف، فضلاً عن عامل الزمن، كون تركيا متاخمة لدول أوروبا الشرقية.
ولا يستبعد المتحدث التركي أن تستفيد بلاده من خطوط نقل غاز البحر الأسود التي بدأت مدّها، منذ يونيو/حزيران الماضي، لنقل غاز حقل سكاريا، وهي بطول 170 كيلومتراً وبعمق كيلومترين، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من مدّها نهاية العام الجاري.
ومن المخطط إنتاج حوالي 10 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً من حقل سكاريا المكتشف عام 2020 باحتياطيات تبلغ 540 مليار متر مكعب، كما تتوقع السلطات التركية أنه بحلول 2027-2028، يجب أن يكون الحجم اليومي لإنتاج الغاز 40 مليون متر مكعب مع نمو سنوي بنحو 15 مليار متر مكعب.
وعاد الضوء إلى تركيا وموقعها الجغرافي بعد وقف روسيا تصدير الغاز إلى أوروبا والتسرّب في أنابيب “نورد ستريم 1” الواصل بين روسيا وألمانيا و”نورد ستريم 2″، والتوقعات بزيادة استخدام ورقة الطاقة الروسية ردّاً على حزمة العقوبات الأميركية التي أعلنتها واشنطن وبروكسل بحق موسكو على خلفية غزوها لأوكرانيا.
وكانت عقوبات 18 سبتمبر/ أيلول الماضي آخرها، ما دفع شركة ساوث ستريم ترانسبورت لإلغاء ترخيص مشغل خط الأنابيب البحري “السيل التركي”، الذي يجرى من خلاله نقل الغاز الروسي عبر البحر الأسود للمستهلكين في تركيا والدول الأوروبية.
وتحوم إشارات استفهام حول موافقة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، لا سيما فرنسا، على الدور التركي المتوقع، إذ يرى الباحث المتخصص بالطاقة، سمير سعيفان، أنّ “العالم” لن يعطي الدور كاملاً لـ(تركيا المشاكسة) ومنحها الفرصة لتقود نقل الغاز من أواسط آسيا وإيران، أو حتى الغاز الروسي، إلى أوروبا، رغم مؤشرات استحالة عودة العلاقات الأوروبية الروسية، وحاجة القارة العجوز للغاز الروسي.
إلا أنّ سعيفان، وفي حديث سابق لـ”العربي الجديد”، لا ينكر دور تركيا وموقعها الجغرافي أو البنى الجاهزة وخطوط نقل الطاقة المتوفرة، مشيراً في الوقت عينه إلى أنّ “النقل، ولو عبر البحر والالتفاف على الجغرافية التركية، ممكن، ولكن بعد هذا الشتاء والحاجة الملحة لأوروبا”، إلا أنّ سعيفان، يستبعد “منح تركيا هذا الدور الاستراتيجي لاعتبارات سياسية قبل أن تكون اقتصادية”.
ويشير إلى أنّ “غاز شرقي المتوسط بات محط أنظار القارة الأوروبية، لتعويض أكثر من ثلث احتياجاتها التي كانت تأتي من روسيا، فصادرات مصر من الغاز المسال تتوجه نحو أوروبا، وتستمر عمليات البحث عن إيصال الغاز الإسرائيلي عبر مصر إلى القارة، إضافة إلى المساعي المستمرة لتوقيع اتفاقيات مع قطر ونيجيريا والولايات المتحدة، فضلاً عن غاز الجزائر عبر خطوط أنابيب ترانسميد التي تمر عبر إيطاليا، وخط ميدغاز عبر إسبانيا اللذين يمدان البلدين بمعظم احتياجاتهما”.
ويستدرك سعيفان بالقول إنّ “إمكانية البدائل الأوروبية للغاز الروسي الذي كان يصل إلى 155 مليار متر مكعب سنوياً، يبدو، هذا الشتاء على الأقل، صعباً، رغم البدائل في بحر الشمال والنرويج وشمال أفريقيا والقوقاز والشرق الأوسط وحتى الولايات المتحدة”، موضحاً أنّ “نقل الغاز يحتاج لبنى تحتية ولا وقت لدى أوروبا أو الدول المصدرة لتفادي أزمات هذا العام وتجهيز ما يلزم لنقل الغاز، الأمر الذي يعيدنا إلى دور تركيا المرحلي لأنها تربط أوروبا بالدول الغنية بالغاز، مثل أذربيجان وتركمانستان وإيران والعراق، عبر خطوط جاهزة مثل تاب وتاناب والسيل التركي”.
الغاز الروسي يتدفق على أوروبا عبر “السيل التركي”
إلا أنّ مراقبين يرجحون تفرّد تركيا بنقل الغاز “الروسي على الأقل” إلى أوروبا، حيث إنه إلى جانب الخطوط التي تنقل النفط والغاز من روسيا وأذربيجان والعراق وروسيا إلى تركيا، هناك خطوط تمتد من الأراضي التركية وتنقل الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية، مثل خط أنابيب “تاناب” الذي يعتبر جزءاً من مشروع ممر الغاز الجنوبي لنقل الغاز الأذربيجاني المستخرَج من بحر قزوين إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، وهو اليوم يساهم إلى جانب خط “تاب” العابر للبحر الأدرياتيكي بنقل 16 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، 6 مليارات منها لتلبية احتياجات تركيا، و10 مليارات تذهب إلى أوروبا، وسيزداد حجم الغاز الأذربيجاني المنقول عبر خط أنابيب “تاناب” إلى 23 مليار متر مكعب مع حلول العام المقبل، وإلى 31 مليار متر مكعب عام 2026.
كما دشنت تركيا منذ عام 2006 خط غاز جنوب القوقاز “باكو-تبليسي-أرضروم” لنقل نحو 8.1 مليارات متر مكعب من الغاز الأذربيجاني إلى تركيا سنوياً. وطوّرت أذربيجان خططاً تصديرية لاحقاً، بالتنسيق مع الجانب التركي، لإيصال الغاز الأذربيجاني إلى الأسواق الأوروبية، وهذا فضلاً عن خط أنابيب السيل التركي “ترك ستريم” الذي دخل العمل والتصدير منذ يناير/كانون الثاني 2020، لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، حيث يمر بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية-اليونانية حيث تُقام مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم يورَّد للمستهلكين في شرق ووسط أوروبا.
ADARPRESS#