الحوار الكردي العربي
انعدام الحوار وحتى الصراعات الصغيرة لا يعني ولا يُفهم إلا في سياق غياب الوعي العملي للأهداف السياسية التي تسهم في التقارب وبناء المشتركات، وبسبب العقلية الثأرية التي تسود في المجتمعات العشائرية، والصراعات القبلية.
وهذا مصدر مشاكل العرب والكرد، وأيضاً الكرد فيما بينهم، والعرب فيما بينهم. إن الانقسام حاصل نتيجة حقن عنصري متواصل عبر شعارات مزيفة رغم حداثتها ومعاصرتها. مثل المواطنة والعيش المشترك في وطن واحد. وكأن من وظيفة الوطنية محو سمات الشعوب، وإلغاء ثقافتها ودمجها في ثقافة الوطن، التي يغلب عليها حكومة تمثل أكثرية هوياتية لشعب من شعوب الوطن، فتعمل على إلغاء أو إقصاء وتهميش الآخر وإلحاقه بسياساته العنصرية أو الدينية، الطائفية أو المذهبية.
في التاريخ لم يكن الوجود القومي ظاهرة استقلالية من عصر القبائل المتحاربة إلى ظهور الإمبراطوريات المتعددة، وبسبب الفتح تغيرت البنيات السكانية، وبعد ظهور عصر القوميات والدول الوطنية في أوروبا بقيت الأمم التي تراجع دورها (عرب، ترك، فرس، كرد، سريان آشوريين، كلدان وأرمن). يريدون وقف التاريخ عند لحظة سيطرتهم وهيمنتنهم وسيادتهم وانتصاراتهم الإمبراطورية، كلهم ينادي باستعادة المجد المفقود والأرض المسلوبة.
وينكرون التحولات العميقة التي حدثت خلال آلاف السنين، ويسعون لإعادة دورة التاريخ عبر دعوات يمكن أن تحول الاجتماع البشري إلى ساحة حرب مفتوحة.
برزت موجة التجديد وإعادة البناء والتكوين في الهويات الذاتية القومية وإعادة الاصطفافات بعد الحرب الباردة ومع إنجاز هيكلية النظام العالمي الجديد وانتشار العولمة والصراعات القطبية.
موجة التجديد وإعادة البناء والتكوين تضمنت:
1- إعادة بناء الدول على أنقاض الإمبراطوريات والمركزية المطلقة لمصلحة إعادة الاعتبار لمبدأ حق تقرير المصير للشعوب والقوميات.
2- الاستجابة لإرادة المضطهدين بالتحرر و الانفتاح.
3- إحياء الديمقراطية على قاعدة التغيير وإجراء الإصلاحات الجذرية في الأنظمة البالية والمتخلفة.
4- تبديل مناهج التعليم التي لم تعد صالحة لتربية جيل جديد يواكب ركب التقدم والتطور ودخول علم التكنولوجيا والمعلوماتية.
5- إزالة الغبن عن المرأة وحقها في شراكة حقيقية مع الرجل ودور جديد في التعاون والتعايش والحياة الجديدة.
6- الاستجابة لمتطلبات الشعوب في الحقوق القومية، الديمقراطية، المساواة، السلام، العلاقة بين الدين والدولة، استكمال إنجاز المسألة الوطنية، بعد الفشل لأنظمة التحرر الوطني بعد الاستقلال في إنجازها.
وكان من أسباب الخلاف العربي الكردي ونشوء علاقات تصادمية غير سليمة (وهذا تشمل الدول التي تقاسمت كردستان بظروف استعمارية حددت دولاً بعينها، وقسمت الإمبراطورية العثمانية لغايات استعمارية):
1- عدم تفهم ضرورات المرحلة، ومسارات العولمة التي لا تحفل بالدول القومية.
2- التعصب القومي إلى حد الاحتراب.
3- عدم تفهم الفيدرالية كمشروع تقاسم الإدارة من النواحي السياسية والاقتصادية والسيادة والسلطة ( الفيدرالية لا تعني تقسيم البلاد، وهي لا تلغي النظام المركزي الجامع لوحدة البلاد).
4- التمترس وراء عقلية مسبقة تمنع الحوار، وتسبب التفرقة ( مثل الثبات عند الموقف التقليدي باعتبار أن القضية الكردية مفتعلة لجماعة وافدة ليس لها سوى حقوق ثقافية. واعتبار أن أصحاب الأرض مبعدون، وشعوب غازية حلت محلهم واستأثرت بأرضهم).
للخروج من ترسبات الصراع والسعي إلى حوار بناء من الضروري الوقوف عند مرتكزات:
1- الاعتراف بتقرير المصير حتى لو أدى ذلك إلى اختيار الانفصال.
2- اعتراف الأغلبية بحق الأقليات دون نقص أو تنغيص.
3- الاعتراف أن اللامركزية أسلوب حل وليست مِنّة من أحد، وهي مسار يقود الفيدرالية التي تحتاج لنظام مركزي جامع لوحدة البلاد، ولا ينخرط في إدارات الأقاليم إلا وفق الدستور وضمن حدود التنسيق.
4- الحقوق القومية سياسية واجتماعية وثقافية وليست مجرد لغة أو ممارسة تقاليد وفنون.
5- الأقليات وخاصة الكرد، عليهم تعريف أنفسهم إيجابياً كالاعتراف بسوريتهم بسوريا. لا يجوز تسمية الكرد “عربي سوري”، وأن تكون صفة الشعب السوري صفة سياسية لا تلغي الهويات السلالية (شعب كردي، شعب عربي).
إن ما تتطلبه الحياة الجديدة قضايا أساسية هي:
- حرية الشعوب والقوميات في التعايش السلمي ومبدأ حق تحقيق المصير.
- نشر الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية في توزيع الثروة وإدارة السلطة وتداولها عبر انتخابات حرة مباشرة وقبول حكم الأغلبية السياسية ومعارضة الأقليات سياسياً (دون الدخول في تنافس الهويات، وعدم قبول إشراكها على هذا الأساس انتخابياً).
- مرجعية الدستور الذي يضمن وجود الآخر ويضمن التعددية القومية والثقافية والسياسية
رياض درار
ورقة مقدمة في اللقاء التشاوري في بوخوم
5/ 11/ 2022
ADARPRESS #