بوغدانوف يسوّق وهم انتخابات مبكرة.. ويغمض عينيه عن 2254
أسامة آغي
على هامش أعمال منتدى بطرسبورغ الدولي بتاريخ 3/6/2012، قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف: “إذا توصلت الأطراف السورية إلى اتفاق، وسيتم تثبيت نتائج عملها، فمن الممكن إجراء انتخابات وفقاً للدستور الجديد، أو الإصلاح الدستوري، وقد يحدث ذلك بشكلٍ مبكرٍ، وليس بعد سنوات، حسب مقتضيات الدستور الحالي، لكنّ هذا الأمر يتطلب توافقاً بين السوريين”.
تصريح بوغدانوف يسبق انعقاد القمة الروسية الأمريكية في جنيف، التي ستنعقد بتاريخ 16 حزيران / يونيو 2021، وهذا ليس أكثر من تلويحٍ بورقة تفاوض جديدة، حيث يريد الروس استخدام انتخابات نظام الأسد، كورقة تفاوض مع المجتمع الدولي ومع قوى الثورة والمعارضة.
تصريح بوغدانوف له دوافع متعددة، يأتي في مقدمتها إغفال جوهر القرار الدولي 2254، الذي وقّعت عليه روسيا في نهاية عام 2015، وهذا يعني، أنها لا تزال تريد إفراغ القرار المذكور من جوهره، المتمثّل بتشكيل هيئة حاكمة انتقالية، من كل الأطراف، هذه الهيئة هي من يُشرف على التعديل الدستوري، وعلى تهيئة الأجواء الوطنية لانتخابات شفافة، تُشرف عليها الأمم المتحدة وفق نص القرار.
ويأتي تصريح بوغدانوف، الذي تحتلّ بلاده سوريا، تغطيةً لإفشالهم عمل اللجنة الدستورية، فعملياً موسكو تمسك بكل أوراق النظام السياسية، وبالتالي هي من يحمي دولياً عدم انصياع النظام لتنفيذ القرار الدولي 2254، وهي من اشتق مسار أستانا كمسارٍ بديلٍ عن مسار مفاوضات جنيف، والهدف الأساسي هو محاولتهم إعادة انتاج النظام السوري.
إن تصريح بوغدانوف، أن هناك جهوداً لعقد جلسة مفاوضات سادسة في جنيف في نهاية شهر حزيران / يونيو، إضافة إلى دعوة أطراف أستانا، للاجتماع في العاصمة الكازاخية، إنما يكشف حقيقة الموقف الروسي، فهذا الموقف، لا يزال في مربع الدفاع عن نظام الأسد، ويعمل على إعادة إنتاجه بطرق مختلفة، منها، محاولاتهم بإعادته إلى الجامعة العربية، أو محاولة الضغط على الحلقات العربية الضعيفة لفتح قنوات اتصال مع هذا النظام، كي يظهر الأمر، وكأن النظام قد تغيّر في بنيته وجوهره.
الروس منذ بداية الثورة السورية لم يقفوا مع الشعب السوري، وروّجوا عن قوى الثورة آنذاك مقولات كاذبة، وفي مقدمة هذه الأكاذيب ادعاؤهم أن الثورة إسلامية سُنيّةٌ، وبرأيهم تشكّل تهديداً للمكونات السورية الأخرى، والتي تتعايش عبر تاريخ هذه البلاد.
لو كان الروس جادين في إيجاد حلٍ سياسي، كان من المفترض، أن ييسروا تنفيذ القرار 2254، ولكنهم لا يريدون ذلك، لأسباب تتعلق بصراعهم مع الولايات المتحدة والغرب عموماً، حيث يأخذ الروس الورقة السورية كرهينة تفاوض على أوراق صراعٍ أخرى، مثل الوضع في أوكرانيا، أو مسألة الطاقة، أو غير ذلك من بؤر صراع بينهما.
إن غياب القرار 2254 عن تصريحات بوغدانوف، يشي بأن الروس يرون ضرورة وجود سيناريو تفاوض بين قوى المعارضة والنظام، هذا السيناريو لا ملامح له غير انزياحه عن جوهر القرار الدولي، الذي ينصّ على سلالٍ أخرى، تبدأ بسلة الحوكمة.
الروس لن يقدموا تنازلات بشأن تنفيذ القرار الدولي، بغير ضمانات حقيقية، تقدّمها لهم المجموعة الغربية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، هذه الضمانات تتعلق بالمصالح الروسية في سوريا، وفي مقدمتها بقاء قاعدتي حميميم وطرطوس بيدهم، وثاني هذه المصالح هي مشاركتهم الرئيسية بإعادة إعمار سوريا بعد الانتقال السياسي، وجنوح البلاد إلى الاستقرار والحياة الطبيعية، إضافة إلى تبريد حلقات الصراع الأخرى.
لهذا تأتي تصريحات بوغدانوف ضمن مربع تسويق الوهم السياسي، هذه التصريحات، ربما يتمّ نسفها جزئياً أو بصورة كبيرة، إذا ما حدث اختراق جدي في العلاقات الروسية الأمريكية، بعد لقاء بوتين بـ بايدن في جنيف بعد أيام.
اللقاء القادم بين الزعيمين الأمريكي والروسي سيكون لقاء ضرورة، فالطرفان مضطران للجلوس مع بعضهما وجهاً لوجه، رغم الهوّة الكبيرة التي تفصل بينهما نتيجة قضايا خلاف وصراع كثيرة.
لقاء بايدن ببوتين لن يُخرج (الزير من البير)، بما يتعلق بالوضع السوري، فالأمريكيون يريدون من الروس أن يكونوا حياديين بصورة ما، حيال صراعهم الاقتصادي مع الصين، ولهذا، فهم سيكونون أشد مرونة، بما يخص مشروع سيل الشمال الخاص بنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، وسيحاولون إيجاد مربعات تفاهم تتعلق بقضايا المناخ وأوكرانيا، وتخفيف العقوبات الاقتصادية على روسيا.
كذلك سيطلب الأمريكيون من الروس تعاوناً ملموساً بالضغط على إيران، لوقف برنامجها النووي العسكري، وبرنامج صواريخها الباليستية، وهذا الأمر سيرتبط بدرجة ما مع الوضع السوري وطريقة الحل السياسي.
ولكن، هل سيتفق الطرفان الروسي والأمريكي على حزمة واسعة من التعاون بينهما؟ أم أن الأمور ستبقى قيد إدارة النزاع بينهما، وليس إدارة التوافقات المشتركة.
الروس يريدون أن يعترف الأمريكيون بدور دولي كبير لهم، رغم أن الفارق الاقتصادي والعسكري بينهما يشكل هوة كبيرة، وبما أن الأمريكيين يريدون حشد القدرات لمواجهة الخطر الصيني المهدّد لهيمنتهم العالمية، فهم سيضطرون لتقديم تنازلات جزئية محسوبة بطريقة دقيقة، فهم سيميلون لحل الملف النووي مع إيران وفق هذه القاعدة، ويمكن أن يتساهلوا بنسبة ما حيال ملف الصراع في سوريا، وحيال موضوع الطاقة، وسيخففون الاحتقان في الوضع الأوكراني.
إن تصريحات بوغدانوف حول انتخابات مبكرة لا تعدو أن تكون تسويق وهمٍ، بانتظار تغيّر قواعد الصراع لمصلحة حلٍ سياسي في سوريا جديد.
فهل سيحدث اختراق في العلاقات الروسية الأمريكية المتوترة، والتي وصلت إلى حدّ وصف بايدن لنظيره الروسي بوتين بالقاتل؟.
ننتظر أياماً قليلة لتظهر نتائج لقاء القمة الروسية الأمريكية، وقتذاك ستكون تصريحات بوغدانوف إما مجرد تصريحات لتسويق الوهم، أو تصريحات سيكنسها ما سينتج من اتفاقات بين الطرفين الروسي والأمريكي.
اداربرس