جرائم تركية متنقلة ومكشوفة ومفخخات بقصد خلط الأوراق

كمال حسين
يمر الصراع المتفجر منذ أسابيع حول سد تشرين، وفي ريف مدينة منبج ما بين قوات سوريا الديمقراطية التي تدافع عن مناطقها، وترد على الهجمات عليها من جهة، وبين فصائل ما يسمى بالجيش الوطني المحسوبة على الجيش التركي والمدعومة من قبله من جهة أخرى. يمر بمراحل غير مسبوقة من ضروب العنف، وممارسة أعتى أشكال الإرهاب.
يتجلى ذلك من خلال مشاركة الطيران التركي المُسيَّر والحربي في قصف جسم السد، في خطوة يقصد منها العمل على انهياره، وتقويض حياة القرى والتجمعات السكانية في مناطق مجراه إلى إخلاء المنطقة، والتهجير القسري، أو مواجهة التجريف والموت، وكذلك عبر القصف المباشر لتجمعات المدنيين المحتشدين على جسم السد لحماية المنطقة من كارثة بيئية وفيضانات قد تنجم عن انهيار السد، وكذلك تضامناً مع المقاتلين المدافعين في الخط الأول من جبهة الدفاع عن الأراضي السورية، وحيث تقوم الطائرات والمسيرات التركية باستهدافهم بشكل يومي، وبينهم فنانين ونشطاء بارزين، وقادة سياسيين يرتقون شهداء أمام نظر العالم، ولا يتورع التركي المهووس بالقتل عن الاستمرار بها، وبصنوف حرب الإبادة التي تورط بها.
وفي شأن متصل تتواصل مساعي حكومة العدالة والتنمية الأردوغانية وحلفاءها في حزب الحركة القومية إلى خلط الأوراق في الساحة السورية، وبما يؤدي إلى تقويض الهوية الوطنية السورية بملامحها الفسيفسائية المتنوعة عرقياً ودينياً وثقافياً وذلك لمصلحة بُعدين، أو بقصد تعويم هويتين غالبتين، الأولى، التركمانية، والثانية، الإسلاموية السنية الجهادية، وذلك على حساب ما كرسه الزمن من هويات توارثتها الأجيال، وتعايشت فيما بينها، كما تعاضدت في رسم تاريخ المنطقة، لذا يجري الطمس للهوية العربية بحجة الغيرية على الهوية الإسلامية، وتحت يافطتها؛ عندما يكون الخطاب القومي العربي عائقاً أمام العثمانية الجديدة. وعلى نحو مشابه يجري التعرض للهويات الأقلوية الثقافية والدينية فالعرقية الأخرى عبر إطلاق العنان للغرائز الطائفية، ولأولوية التمترس خلف شعارات الأصولية الإسلامية وخصوصية السلف.
فَتحت غطاء الإسلاموية، يجري التعرض للهوية الكردية أو التحريض عليها واستبعادها، وعلى نفس الخطى تستهدف الأقلية العلوية في وجودها، وقبلها المسيحية والأيزيدية، ونمط الحياة المدنية، وقيم العلمنة والديمقراطية في مكونات المجتمع للسوري.
هذه الأدوار والسياسات التركية المتلونة والمتقلبة، من ضد العروبة، عندما تكون بمواجهة التركية العثمانية، هذا الموقف المشبوه، والذي يشتم من تصريحات بيدقهم “أحمد الشرع” الأخيرة حين استخدم مسمى الدولة السورية، إلى ضد الأقلوية الدينية العرقية والثقافية ذات الملامح المدنية العلمانية، حينما تكون تلك الملامح في مجابهة التطرف والإرهاب الإسلامي.
وفي مُطلق الأحوال لم تتوانَ السياسة التركية؛ ومنذ انطلاق الأزمة السورية، في حرف الثورة السورية عن مساراتها الوطنية والديمقراطية الاجتماعية، وفي الاستثمار في الحرب الأهلية، ولم تدخر جهداً في إنتاج الإرهاب، وفي زرع منظمات الإسلام السياسي الجهادية في عمق النسيج الاجتماعي، كالنصرة وداعش وجيش الإسلام والسلطان مراد والتركستاني والعمشات والحمزات وأنصار الدين وغيرهم الكثير. هذه المنظمات التي دُرِّبَتْ على القتل والاغتصاب والتنكيل بحق من يخالفها الرأي، وثمة أسماء بارزة قد ارتبط اسمها بهذه الممارسات الإجرامية على شاكلة المدعو أبو عمشة وحاتم أبو شقرا والجولاني نفسه ووزير دفاعه، حيث قد برعوا في استخدام المفخخات والسيارات الانتحارية طيلة تاريخ المواجهات، وفي معارك المدن، كما حصل مرات في اعزاز وجنديرس، وكما يتكرر اليوم في مدينة منبج، حيث شهدت حوادث تفجير متكررة بالسيارات المفخخة، وصل عددها إلى سبع حوادث خلال أربعين يوماً، كان آخرها يوم الثالث من شباط الجاري، وقد أودى بحياة خمسة عشر مواطناً غالبيتهم من النساء، كنَّ متوجهات إلى أعمال زراعية في ريف منبج.
الأمر اللافت جداً، والذي ترافق مع تحضير التهمة لقوات سوريا الديمقراطية بالضلوع بالجريمة في كل مرة، ولأن الغاية غير نظيفة فإن إعداد الاتهام بالتصويب على قوات سوريا الديمقراطية كان يأتي على الدوام، ومن جانب ما يسمى بالجيش الوطني وجبهة النصرة، والمشغل التركي صاحب الباع الطويل والمتمرس بهكذا سلوكيات، هذه السلوكيات الإجرامية التي لا يمكن إلباسها لغير من كان جسمه لبوساً وتفضحه ما تقترف يديه يومياً من استهدافات بالطيران المُسير للمدنيين الكرد، المتضامنين في وقفتهم لمنع تهديم جسم السد، وأن من يقتل المدنيين العزل بدم بارد في مشهد مكشوف، لا يثنيه ضمير عن استهداف مجموعة من النسوة العاملات المتجهات إلى أعمالهن.
أما عن المغزى من هكذا تفجيرات والغاية منها في مثل هكذا ظروف، فلا شك بأنها لغايات عدة، يأتي في رأسها في الأجندات الأردوغانية، خلق الشرخ وتعميقه بين المكون العربي والآخر الكردي، وفي إزكاء نار الحرب بينهما، بما يشرعن استمرار التدخل التركي، ويفتح الباب أمام الوصاية التركية في الشأن السوري، كما يغذي الأوهام بلزومها لوقف النشاطات الإرهابية المزعومة.
علاوة على أن توجيه الاتهام لقسد يفتح الباب أمام إدارة الشرع الجديدة لعودة عناصرها الأمنية المتمثلة بعناصر الأمن العام إلى مدينة منبج، بالإضافة إلى توفير حجة للدفع بسلطات الشرع الإسلاموية للانخراط إلى جانب قوات الجيش الوطني، والقوات التركية في المعارك الدائرة في محيط السد في مواجهة قوات قسد، وكذلك للتنصل من موجبات الحوار معها، واستبعادها من ترتيبات المشاركة بالجيش السوري المزمع إنشاؤه، إلى أولوية نزع سلاحها وانخراطها وفق شروط إدارة الشرع.
في كل ما جري ويجري نخلص إلى نتيجة مفادها، أن المراوغة التركية في السعي إلى إلصاق تهمة الإرهاب بقوات سوريا الديمقراطية هي مراوغة مكشوفة، ولا تقنع أحداً في هذا العالم، ليس لأن البرامج السياسية لمشروع قسد تتركز على إشادة المجتمعات الديمقراطية، وتعميق السلم والاستقرار وحقوق الإنسان، وتمكين المرأة، وحماية البيئة، وبما لا يتقاطع مع التكتيكات والمهام الإرهابية؛ بل لأن الكذبة التركية في استبعاد التهمة عن المجرمين الحقيقيين من اتباعها تعد كذبة متناقضة مع الوقائع المثبتة من خلال المراصد الدولية، ومراصد حقوق الإنسان التي تقاطعت معلوماتها الموثقة لناحية تثبيت صفة النزوع الإرهابية على ممارسات أدواتها التركمانية، والمحسوبين عليها في فصائل الإسلام السياسي الإرهابية، حيث جلهم مصنف على قوائم الإرهاب الدولية بما فيهم بيدقهم “الجولاني” أحمد الشرع.