واشنطن وإدارة الصراع بين الحليفين التركي والكردي
خورشيد دلي / العين
تجد الإدارة الأمريكية نفسها في تحدي كيفية الحفاظ على العلاقة الجيدة بحليفيها التركي والكردي السوري،
تحديدا قوات سورية الديمقراطية “قسد” التي دخلت معها في تحالف لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي. وقد تجلى هذا التحدي بشكل واضح في التصريحات الأمريكية الصادرة عن البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية خلال التصعيد التركي الأخير ضد مناطق شمال شرقي سوريا، والتلويح الدائم بعملية برية هناك. وحرصت هذه التصريحات على مسك العصا من المنتصف، بالقول إن لتركيا الحق في الدفاع عن أمنها من جهة، ومن جهة ثانية إعلان رفض أي عملية برية تركية تؤدي إلى ضرب حليفتها “قسد”، لطالما أن ذلك سيؤثر على جهود محاربة داعش ونسف ما أنجز في هذا السياق خلال السنوات الماضية.
كما أن هذا التحدي يتجلى في نظرة كل من الأكراد وتركيا إلى إدارة الرئيس جو بايدن، منذ وصول الأخير إلى سدة البيت الأبيض، إذ نظر الأكراد بكثير من الارتياح لوصوله انطلاقا من تصريحاته السابقة المؤيدة لحقوق الأكراد في سوريا والعراق، فيما نظرت تركيا إليه بحذر شديد، لا سيما أن بايدن قبل وصوله إلى السلطة وعد بدعم المعارضة التركية لإسقاط حكم الرئيس أردوغان في الانتخابات المقبلة، دون أن يعني هذا الأمر المس بالعلاقة التاريخية الأمريكية – التركية، انطلاقا من أهمية موقع تركيا الجيوسياسي للاستراتيجية الأمريكية، وقد زادت هذه الأهمية مع تطورات الأزمة الأوكرانية، وبروز دور تركي حيوي في هذه الأزمة، بحكم علاقة تركيا الجيدة بكل من روسيا وأوكرانيا، وموقعها الحيوي لجهة نقل الغاز والحبوب، كما تجسد في اتفاقية الحبوب، ومشاريع جعل تركيا خزانا لموارد الطاقة الواردة من البلدين إلى العالم.
تركيا العضو في الحلف الأطلسي تجد هي الأخرى نفسها في مأزق العلاقة مع إدارة بايدن بخصوص أكراد سوريا، ويأتي ذلك خلافا للعلاقة السابقة التي كانت تجمع الرئيس أردوغان، والرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، التي عرفت بعلاقة دبلوماسية الهاتف، حيث كانت هذه الدبلوماسية كفيلة بحل أي مشكلة بين البلدين، كما حصل عندما أعطى ترامب الضوء الأخضر لتركيا ببدء عملية (نبع السلام) العسكرية التي انتهت بسيطرة تركيا على المنطقة الممتدة من تل أبيض إلى رأس العين، بعد أن أمر ترامب قواته بالانسحاب من هذه المنطقة.
ويجد الرئيس أردوغان صعوبة في إيجاد مثل هذه الدبلوماسية في العلاقة مع بايدن الذي وصف وقتها قرار ترامب بخيانة أمريكا لقوات سورية الديمقراطية، الشجعان الكرد والعرب الذين قاتلوا إلى جانب القوات الأمريكية وألحقوا أكبر هزيمة بداعش بحسب وصفه، ويبدو أن الرئيس أردوغان ما زال مرتابا من سياسة بايدن تجاه الأكراد، وليس أدل من ذلك تصريحاته الهجومية المنتقدة لإدارة بايدن، واتهامها بدعم (الجماعات الإرهابية) في إشارة إلى “قسد”. ويذهب أردوغان أبعد من ذلك بالقول إن أمريكا تعمل على تقسيم المنطقة وإقامة دولة كردية فيها، حيث ينسب للرئيس بايدن أنه وعد الزعيم الكردي، مسعود البارزاني، بدعم إقامة دولة كردية مستقلة. وقد زار بايدن كردستان العراق مرارا قبل وصوله إلى السلطة، ومن هناك أكد أن للأكراد أصدقاء غير الجبال أيضاً، في إشارة إلى دعمه لحقوقهم وتطلعاتهم القومية، والأمر نفسه ينطبق على أكراد سوريا، وموقفه الإيجابي الداعم لـ”قسد”، وتأكيده الدائم على ديمومة التحالف معهم في الحرب ضد داعش.
وهذا هو ما يسبب توترا في العلاقات التركية – الأمريكية، إذ إن تركيا ترى أنها المستهدفة الأساسية من كل هذه السياسة، في وقت تحمل العلاقة بين البلدين مصالح استراتيجية تاريخية، إذ رغم ذهاب تركيا بعيدا في علاقاتها مع موسكو وطهران، وإتمامها صفقة المنظومة الصاروخية الدفاعية الروسية إس – 400 إلا أن كل ذلك لم ينل من هذه العلاقة التاريخية بين الحليفين العضوين في الحلف الأطلسي.
في المقابل هذه العلاقة مرشحة للمزيد من الاهتمام في ظل أهمية الدور التركي المتزايد في الأزمة الأوكرانية التي باتت أولوية في سياسة واشنطن والغرب عموما.
أزمة الثقة في العلاقة التركية – الأمريكية تنسحب أيضا على العلاقة الكردية – الأمريكية، فالأكراد الذين يعيشون في محيط إقليمي يفتقر إلى الأمن والاستقرار، ويعانون من تهديدات وجودية، يرون أن الحليف الأمريكي لا يتعامل معهم كما ينبغي، إذ كثيرا ما يستخدمهم في إطار أولوياته الأمنية وليس كقضية شعب يعاني من تهديد دائم ويتطلع إلى نيل حقوقه القومية،
حيث كثيرا ما ضحى ويضحي بهم هذا الحليف على مذبح مصالحة وعلاقاته مع دول التواجد الكردي.
وبناء على ما سبق تبقى هذه العلاقة محكومة كرديا بكثير من الهواجس التي تتراوح بين الأمل والخيبة والخيانة، خاصة أن سياسات الدول تقوم على المصالح، لا على التصريحات التي تطلَق بهذه المناسبة أو تلك، لا سيما أن تصريحات القادة قبيل الانتخابات تأتي في سياق الحملات الانتخابية. فقد كان بايدن يرى في علاقة ترامب – أردوغان مادة انتخابية لفضح سياسات خصمه ترامب.
وعليه ثمة من يؤكد أنه ينبغي النظر دوما إلى أهمية مكانة تركيا في الاستراتيجية الأمريكية، دون أن يعني ما سبق أن الإدارة الأمريكية لا تنظر بعين الأهمية إلى الأكراد، خاصة أنهم أصبحوا لاعبا إقليميا مهما في منطقة جيوسياسية تتجاذبها الصراعات والمصالح الاقتصادية، ومن هنا يرى كثيرون أن واشنطن ستبذل كل ما هو ممكن للحفاظ على العلاقة الجيدة بالحليفين التركي والكردي من خلال إدارة الصراع بينهما وفق معادلة تقدر دور الطرفين في الاستراتيجية الأمريكية، عبر تقدير المصالح التركية أولا، وأهمية تصاعد دور الأكراد في المنطقة ثانيا.
ويبقى التحدي الحقيقي أمام الأكراد والأتراك هو كيفية طي صفحة الصراع الدموي المدمر بينهما، والجنوح نحو السلام والتعايش السلمي، خاصة أن التجربة التاريخية لهذا الصراع أثبتت فشل النهج العسكري في إيجاد حلول سياسية مناسبة لهذا الصراع الدامي الذي أهدر من أجله آلاف الأرواح ومليارات الدولارات، كل ذلك على حساب النمو، والتنمية، والاستقرار، والسلام.
ADARPRESS #