أنقرة ودمشق.. حسابات معقدة
محمد نورالدين
لا تفتأ تركيا تذكّر روسيا بأن العملية العسكرية البرية التركية داخل سوريا لتنظيف «الإرهابيين» قائمة ولم تتخلّ عنها. وآخر التطورات اتصال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام بنظيره الروسي فلاديمير بوتين ودعوته له بالعمل معاً لإقامة منطقة آمنة بعمق ثلاثين كيلومتراً.
لكن هذا ليس سوى جزء من المشهد السوري الذي يتحرك من حين لآخر. تارة برفع مستوى التوقعات السلمية، وطوراً برفع منسوب القيام بعملية عسكرية برية بعدما نفذت الطائرات التركية غارات واسعة قبل أسبوعين في شمال سوريا وشمال العراق.
تختلف العلاقة التركية مع سوريا عن علاقة أنقرة بكل الدول الأخرى التي بدأت التطبيع معها مثل السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل. سوريا هي الجار الأطول حدوداً مع تركيا. وعبر هذه الحدود الجغرافية الطويلة (911 كلم) لعبت تركيا دوراً مؤثراً جداً في مسار الحرب في سوريا عبر دعمها المفتوح للمعارضة السورية بالمال والسلاح والمقاتلين. ومن ثم الانتقال إلى التدخلات العسكرية المباشرة منذ العام 2016 واحتلال أقسام واسعة من الشمال السوري.
لكن أيضاً في سوريا يتعدد اللاعبون. اللاعبون السوريون وهم: الدولة السورية، والقوات الكردية، والجيش السوري الحر، وعشرات الآلاف من المسلحين في إدلب والآلاف من عناصر «داعش» في أكثر من مكان. وهناك لاعبون إقليميون وهم: تركيا وإيران وحلفاؤهما. بالموازاة هناك اللاعبان الأقوى في العالم وهما الولايات المتحدة وروسيا.
تحكم العلاقة بين هذه العوامل المؤثرة التوازنات السورية. بحيث لم يعد لأحد أن يتفرد بالتصرف والحركة من دون القيام بحسابات استباقية معقدة إلى حد كبير.
التهديد بالعملية العسكرية البرية من جانب تركيا بالطبع ليس جديداً. التهديد يتكرر. والتهديد الأكبر كان في الربيع الماضي. غير أن تركيا لا تستطيع أن تنفذ تهديداتها بمجرد اعتقادها أن العملية ضرورية.
هناك منطقتان توجد فيهما عناصر الوحدات الكردية وهما منطقة عين العرب/ كوباني وتل رفعت ومنبج وهي المنطقة التي توجد فيها قوات كردية وسورية وروسية. أما المنطقة الثانية فهي تلك التي توجد فيها العناصر الكردية جنباً إلى جنب مع القوات الأمريكية في مناطق شرق الفرات وصولاً إلى الحدود العراقية.
تركيا من أجل القيام بعمليتها العسكرية ستصطدم تلقائياً إما بالقوات الأمريكية أو بالقوات الروسية، وذلك تبعاً لمسرح العمليات. وهي لن تغامر بتنفيذ العملية في ظل معارضة أمريكية أو روسية. والمعارضة حتى الآن قائمة ولم تسقط؛ فأنقرة رغم خلافاتها مع واشنطن حول الموقف من قوات الحماية الكردية وهو خلاف حقيقي وليس تفصيلاً، فهي لن تقوم بالعملية مع معارضة الأمريكيين لها. كذلك فإن العلاقات المتطورة بين أنقرة وموسكو وتشابك المصالح الكبير بينهما لا يسمح بعملية تركية في ظل معارضة روسية.
المسعى الروسي لتنفيس الانسداد في المواقف والتموضعات يلحظ انسحاب القوات الكردية من مناطق عين العرب وتل رفعت ومنبج، على أن تحل محلها قوات الجيش السوري. لكن معارضة الأكراد الانسحاب الكامل وطرح المشاركة كقوات حماية كردية ولو تحت اسم «أسايش» مع القوات السورية في الوجود في تلك المناطق، استجلب معارضة حكومية سوريّة رسمية، حيث ترى دمشق أنه لا يجب أن يشارك الجيشَ السوري أحدٌ من أي ميليشيات أخرى في السيادة على الأراضي السورية.
من هنا فإن التساؤل هو عن المخرج الممكن من هذا الانسداد، وهل يكون ذلك عبر قيام تركيا بعملية عسكرية جزئية ومحدودة تحفظ لأردوغان ماء الوجه وتظهره على أنه يفي بوعوده وتهديداته، ولا تفجر الوضع بشكل واسع؟.
كائناً ما تكون مآلات التحركات العسكرية، فإن الحل النهائي والمستدام في سوريا مرتبط بمسار المفاوضات ومحاولات المصالحة بين أنقرة ودمشق. وعلى الرغم من كل المواقف والتصريحات لا يبدو أن احتمالات اللقاء بين أردوغان والأسد قريبة وربما تذهب إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في تركيا وإلى ذاك الوقت يخلق الله ما لا تعلمون على الصعيدين العسكري والسياسي.
ADARPRESS#