أسبوع حافل لبايدن في أوروبا
رندة تقي الدين
“عادت أميركا” قال الرئيس جو بايدن فور وصوله الى بريطانيا للقاء القادة الأوروبيين في أسبوع حافل بالاجتماعات السياسية تبدأ اليوم الجمعة في كابيس بي Carbis Bay على شاطئ كورنوال Cornouailles في بريطانيا بلقاء قمة قادة مجموعة السبع ثم ينتقل الى بروكسيل للاجتماع بالحلفاء في حلف الناتو ويختتم الجولة الأوروبية يوم الأربعاء القادم بلقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وصفه بايدن علناً في مقابلة تلفزيونية في بداية عهده الرئاسي بأنه “قاتل”.
قمة السبع ستكون قمة اللقاح بامتياز حسب مصادر الرئاسة الفرنسية. فالموضوع المحوري فيها سيكون الاتفاق على توزيع متساوٍ للقاح كورونا على العالم بين الدول الغنية والفقيرة. وقبل وصوله الى بريطانيا أعلن بايدن أن الولايات المتحدة اشترت 500 مليون جرعة من لقاح فايزر وستوزعهم على العالم.
بايدن آتٍ إلى أوروبا للتأكيد من أن كل مواقف سلفه دونالد ترامب التي أبعدته عن حلفائه الأوروبيين قد انتهت. ولقاءاته ستكون مناسبة للقادة الأوروبيين أن يكتشفوا دبلوماسية بايدن الذي عمل طويلاً في ميدان العلاقات الدولية عندما كان في الكونغرس. ورحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالسياسة الأميركية الجديدة للعمل مع حلفائها الأوروبيين، مؤكداً حرصه على استقلال أوروبا في العلاقة مع الصين ومع جيرانها مثل روسيا. فهذه إشارة الى رفض الضغوط الأميركية بالنسبة الى مقاطعة الصين.
وكشف ماكرون أنه سينهي عملية “برخان” في مالي وينشئ اطاراً جديداً في ذلك البلد بالتشاور مع الحلفاء الأوروبيين والاميركيين، كما أشار الى أن مكافحة الإرهاب والإسلام المتطرف ستكون على جدول الأعمال من ضمن إدارة الأزمات. ووصف ماكرون النظام الإيراني بأنه خطر على المنطقة بسبب التهديد النووي الذي يمثله، لذا قال انه ينبغي العودة الى الاتفاق النووي ثم مناقشة دور إيران المخرّب في المنطقة عبر “حزب الله” في لبنان. فقد تكون فرصة لمناقشة الموضوع اللبناني مع بايدن خصوصاً أن ماكرون كشف أن فرنسا تعمل على إنشاء نظام تمويل دولي يضمن استمرار عمل الخدمات العامة اللبنانية في حال حدوث أي اضطراب سياسي في البلد، وأكد استمرار فرنسا بالعمل على خريطة الطريق التي وضعها للطبقة السياسية اللبنانية. فقد يثير ماكرون في لقائه بايدن اليوم الأزمة اللبنانية، علماً أن إدارة بايدن كانت أشارت إلى أن اهتمامها الأولى سيكون في المنطقة الآسيوية ولو أنها اضطرت للتدخل في الحرب بين “حماس” وإسرائيل ودعم مساعي مصر لتهدئة الجبهة، ما أدى الى زيارة وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن لإسرائيل والأردن ومصر. ولكن الشرق الأوسط يشهد حالياً تغييرات قد تكون مهمة. فاحتمال تشكيل إسرائيل حكومة ائتلاف من أغرب التحالفات قد تغير المعطيات اذا خرج منها رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.
ومن الصعب توقع التطورات على الساحة السياسية الإسرائيلية وهل سيخرج منها نتنياهو أم سيتمكن من تشكيل تحالف آخر قد يبقيه على رأس الحكومة. وكيف ستكون العلاقة بين بايدن ونتنياهو اذا بقي، علماً أن رئيس الحكومة الإسرائيلي كان حليفاً وثيقاً لدونالد ترامب وصهره.
ستبقى السياسة الأميركية منحازة لإسرائيل وهو التقليد المعهود لأميركا، ولكن هل سيهتم بايدن مع نظرائه الأوروبيين بالنظر في إعادة إطلاق مفاوضات حقيقية بين إسرائيل والفلسطينيين أو أن الملف سيغيب عن النقاش مع الأوروبيين ويقتصر على حواره مع بوتين؟. فأولوية بايدن في المنطقة هي إنجاح المفاوضات على النووي الإيراني للعودة الى الاتفاق الذي خرج منه ترامب قبل انتخابات الرئاسية الإيرانية في 26 حزيران (يونيو)، حيث من المتوقع ان يتم انتخاب إبراهيم رئيسي المقرب من المرشد خامنئي. إدارة بايدن مستعجلة للعودة الى الاتفاق النووي مع إيران كونها تتخوف من قدرة إيران على الإسراع بتطوير القنبلة الذرية، و”الحرس الثوري” الإيراني يريد ضمان رفع جميع العقوبات الأميركية عبر هذه المفاوضات المعقدة. فموضوع النووي الإيراني سيكون بالتأكيد على جدول أعمال بايدن مع نظرائه الأوروبيين وأيضاً مع بوتين ولكنه لن يحسم قبل الانتخابات الإيرانية اذا بقي الطرفان الإيراني والولايات المتحدة على موقفيهما من رفع كل العقوبات.
في 6 حزيران (يونيو) 2004، تكللت المصالحة الأميركية – الفرنسية بعد حرب العراق بين الرئيسين جورج دبليو بوش وجاك شيراك في النورماندي باتفاق حول لبنان لإخراج السوريين منه وإجراء انتخابات حرة فيه وتجريد “حزب الله” من سلاحه، أي على مضمون القرار 1559. قد يطلب ماكرون من بايدن العمل على دفع حلفائه الخليجيين على المساعدة في هذا النظام المالي الدولي الذي لم يكشف عن تفاصيله وقد يتناول معه الدعم للجيش اللبناني. اما بالنسبة للقاء بايدن بوتين فيقول دبلوماسي فرنسي مخضرم عمل في واشنطن وموسكو إن بايدن سيكون حذراً في تعامله مع بوتين وسيتحاور معه بمزيج من الحزم ورغبة بالتحاور، وهي حسب الدبلوماسي الفرنسي أفضل وصفة للتعامل مع الرئيس الروسي الذي يولد إحباطاً لدى محاوره، خصوصاً حول عدد من الملفات. فمن المتوقع أن تكون هناك إعادة انطلاق الحوار حول السلاح الاستراتيجي بعدما قرر الجانبان تمديد اتفاق ستارت لمدة خمس سنوات، ومناقشة المشاكل بينهما حول علاقتهما المرتبطة بالسلاح النووي الاستراتيجي، خصوصاً أن ترامب كان انسحب من كل الاتفاقات ولم يبقِ الا على اتفاق ستارت، وحول السلاح النووي المنتشر في أوروبا.
وكان ترامب انسحب من اتفاقية الأجواء المفتوحة، لذلك يتوقع أن يبحث الرئيسان في إمكان العودة اليها. وهذه المسائل ستكون أول المواضيع لأنها مرتبطة بالسلام والحرب بين الدولتين.
ويشكك الدبلوماسي الفرنسي بحصول أي تقدم على صعيد هذه المواضيع، مضيفاً انهما سيجريان جولة حول عدد من التوترات في مناطق عدة في الشرق الأوسط حيث الولايات المتحدة غير مهتمة في مناقشة الموضوع السوري، وروسيا تتمنى لعب دور في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الذي قد يتطرقان إليه.إن اللقاء بين بايدن وبوتين لن يسفر عن نتائج خارقة بحسب الدبلوماسي الفرنسي المخضرم لأن الثقة بين الطرفين مفقودة.
النهار العربي