الاعتراف بالإدارة الذاتية
فادي عاكوم-
الاعتراف بالإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا حق شرعي وأمر لا بد من أن يتحقق، وذلك بسبب الدماء التي سالت على الأراضي السورية لتحقيق هذا الحلم والجهود الجارية للمحافظة على هذا المكتسب في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ الشرق الأوسط، إلا أن توقيت الحملة الأخيرة كان من الأفضل أن يتم درسه بعناية أكثر ووضع الأمور بميزان الأرباح السياسية للوقوف على النتائج التي قد تتحقق.
علماً أن الإدارة ومعها قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبر ذراعها العسكرية لها اعتراف دولي كامل، فقوات سوريا الديمقراطية تعتبر جزءاً أساسياً من أكبر تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، أن الاعتراف بها أمر بديهي خصوصاً وأننا نتكلم هنا عن الولايات المتحدة الاميركية ومعظم الدول الأوروبية وبعض الدول العربية، كما أن للإدارة الذاتية مكاتب تمثيل في الخارج وهي موزعة اليوم بعواصم القرار إن كان عربياً أو غربياً، وبالتالي فإن الاعتراف قائم وبأعلى الدرجات؛ إذ يتم التعامل مع هذه المكاتب وممثلي الإدارة الذاتية وكأنهم سفراء يتعاملون مع وزارات الخارجية وباقي المؤسسات الحكومية في الدول التي يتواجدون فيها.
وعليه فإن السؤال عن الجدوى من الحملة الأخيرة، فالجميع في منطقة الشرق الأوسط في مرحلة إعادة تموضع سياسي واستراتيجي وتبديل التحالفات، ومسألة الاعتراف بالإدارة في هذه الفترة تعتبر من الأمور الشائكة التي سيتم التهرب منها كونها ستفتح أبواب جهنم السياسية الداخلية على العديد من الدول، وبالتالي فإن التهرب من هذا الملف هو الحل الأنسب بالنسبة للعديد من السياسيين.
كما أنه وعلى الصعيد السوري وحتى لو كان الحل الشامل لا يزال بعيداً، إلا أن الأمور تسير نحو الهدوء النسبي وأصبح الاتجاه إلى الحلول السياسية أمراً لا بد منه، وتعتبر مناطق الإدارة الذاتية من أكثر الملفات حساسية بالنسبة للحكومة السورية، ويجري التعامل مع هذا الملف ببطء حذر إلى أقصى الدرجات، حتى أن موسكو وهي الحليف الداعم الأساسي للحكومة السورية فتحت الباب قبيل الحملة للمفاوضات بين الطرفين (أي الإدارة والحكومة السورية) وأعقبها تصريحات من الإدارة تتعلق بقوات سوريا الديمقراطية ومستقبلها كجزء من القوات السورية الحكومية بالإضافة إلى طرق إدارة المناطق والكومينات وغيرها، لذا فإن العودة إلى مربع الاعتراف بالإدارة سيحدث إن لم يكن قد أحدث فعلاً شرخاً في مسار المفاوضات التي تجري حالياً خلف الكواليس تمهيداً لإخراجها إلى النور.
الإدارة الذاتية أصبحت واقعاً فرض نفسه وقد تكون هذه التجربة مثالاً قابل للتطبيق على صعيد المناطق السورية كافة في ظل حالة التباعد العسكري والاجتماعي الناتجة عن عقد من الحرب الدموية، وبالتالي فإن الإيحاء ولو من بعيد باستقلالية هذه المنطقة والمطالبة باستقلالية الإدارة الذاتية والاعتراف الدولي الكامل بها سيعيد التفاوض السوري – السوري إلى نقطة البداية إن لم يؤجله في الوقت الحالي على الأقل، كما أنه يضع الدول الداعمة للحل وعلى رأسها روسيا في موقف سياسي محرج يضعف معه أو من جرائه الدعم السياسي للإدارة.
وحتى لا يتم استغلال الكلام هذا واعتباره ضد الإدارة والاعتراف بها، أكرر بأن الاعتراف موجود أساساً وعلى كافة الأصعدة ومن معظم دول القرار، وبالتالي فإنه يجب على مطلقي الحملة التمهل ودراسة موضوعها لا أكثر.