القواسم المشتركة بين النظامين التركي والسوري لحدوث التقارب
رياض درار/ الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية
يعتبر التقارب التركي باتجاه النظام السوري نهاية 2022 بعد عشر سنوات من تدخلها السافر في الأزمة السورية واحتلالها أجزاء واسعة من الشمال السوري، محور اهتمام وسائل الإعلام ومراكز الدراسات في الآونة الأخيرة. فبعد وصول النظام التركي إلى طريق مسدود بما يتعلق بأطماعه الاستعمارية في الشمال السوري وعدم تمكنه من الحصول على الضوء الأخضر من روسيا والولايات المتحدة لاحتلال أجزاء جديدة من مناطق الإدارة الذاتية خاصة كوباني ومنبج وتل رفعت وبغض النظر على عدم منح كلا الدولتين الضوء الأخضر لدولة الاحتلال التركي لتنفيذ عدوانها؟ بدا النظام التركي في مأزق كبير مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية ومن بين الملفات التي باتت تشكل مأزقاً له:
ملف اللاجئين السوريين في تركيا: فبعد استثماره في ابتزاز الدول الأوروبية والحصول على مساعدات مالية ضخمة والتي كانت تدخل في تمويل عملياتها العسكرية في الخارج “سوريا وليبيا وأذربيجان” أصبح هذا الملف يؤرق النظام التركي نتيجة الرفض الشعبي لتواجد اللاجئين السوريين وتأثيرهم على اقتصادهم ومستوى معيشتهم لذا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية يخشى أردوغان من خسارة الكثير من الأصوات.فشل أردوغان بإرسال اللاجئين إلى المستوطنات التي تم إنشاؤها في الشمال السوري وبالأخص في عفرين ضمن عملية التغيير الديمغرافي التي يمارسها دولة الاحتلال التركي. فالكثير من اللاجئين يرفضون السكن في تلك المستوطنات لأسباب أمنية واقتصادية واجتماعية.عدم تمكن أردوغان بتنفيذ عدوانه على مناطق الإدارة الذاتية “كوباني ومنبج وتل رفعت” قد يؤثر في استقطاب أصوات القوميين الأتراك “العنصريين” في الانتخابات الرئاسية.فشل سياسة أردوغان الاقتصادية التي أدت إلى تدهور الليرة التركية لمستويات قياسية.
أما النظام السوري فهو يعيش في مأزق اقتصادي واجتماعي وسياسي لعل أبرزها.
الحرب الروسية الأوكرانية والاحتجاجات المستمرة في إيران حيث أثرت على مصادر تمويله مما أدى إلى تدهور الليرة السورية ووصولها إلى مستويات قياسية كبيرة 7000 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد خلال فترة زمنية وجيزة بعد أن كانت تتراوح بين 3400-3500 للدولار الواحد قبل ثلاثة أشهر.اندلاع احتجاجات في السويداء ودرعا نتيجة الأوضاع الاقتصادية والأمنية والخشية من اندلاعها في مناطق أخرى كالساحل السوري.العزلة السياسية التي يعيشها النظام السوري.عدم قدرته على تحرير الشمال السوري المحتل ووصوله إلى طريق مسدود.
أردوغان الذي فشل في الإطاحة ببشار الأسد وإقامة نظام إخواني موالي له وفشل تنظيمه الإرهابي “داعش” في احتلال مناطق الإدارة الذاتية، ودعم الولايات المتحدة المستمر عسكرياً لقوات سوريا الديمقراطية وجعل المنطقة أكثر أمناً واستقراراً، جعل أردوغان يتجه نحو النظام السوري في خطوة جديدة يمكن له تحقيق مالم يستطع القيام به. على الرغم من العوائق الكثيرة التي تمنع من حصول تقارب أو مصالحة مع النظام، كون الأخير يشترط لإنجاح هذا التقارب انسحاب الاحتلال التركي الكامل من الشمال السوري وتسليم ملف التنظيمات الإرهابية أوما يسمى بالمعارضة “الائتلاف السوري” الذي تدعمه تركيا، إلى جانب تسليم المعابر للنظام. إلا أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية الحالية خلقت قواسم مشتركة بين النظامين قد تساعد على حدوث تقارب بينهما.
إن رفض تركيا الانسحاب من الشمال السوري كشرط أساسي وضعه النظام لحدوث التقارب لا يعني الوصول إلى طريق مسدود فقد يقومان مثلا بوضع جدول زمني للانسحاب من الشمال السوري في حال تحققت الأهداف التركية تجاه الإدارة الذاتية، وكمرحلة أولى قد يقوم النظام التركي بالانسحاب من شمال خط M4 “سراقب أريحا جسر الشغور ” للنظام السوري وتسليم بعض المعابر لعودة النشاط التجاري سواء في الداخل السوري أو مع تركيا مما قد يؤثر بشكل إيجابي على الاقتصاد السوري والتركي.تعنت النظام السوري وسياسته الشوفينية تجاه قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في الاعتراف بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، تتلاءم مع الأهداف التركية لضرب الإدارة الذاتية خاصة في ظل النجاحات الاقتصادية والأمنية والعسكرية التي حققتها مقارنة مع مناطق النظام ومناطق الاحتلال التركي اللذان يخشان من هذه النجاحات ويحاولان بشتى الوسائل تشويه صورة الإدارة الذاتية ويهدفان لتعزيز تعاونهم ضدها.مساعي كلٍ من تركيا وروسيا والنظام التخلص من الفصائل أو حتى الشخصيات السياسية التي تشكل تهديداً على النظام السوري وترفض أي تقارب بين النظامين التركي والسوري. حيث باتت هذه الفصائل عائقاً أمام أردوغان لتنفيذ سياسته الجديدة وقد تشكل تهديداً لها لذا لابد من التخلص منهم بتسليم ملفاتهم للنظام السوري مقابل وقوف النظام إلى جانبها ضد قوات سوريا الديمقراطية في حال حصل تقارب مع النظام السوري. لذا نجد تكالب القادة العسكريين والسياسيين في الائتلاف السوري المعارض بتبرير السياسة التركية الجديدة على أنها تخدم مصالح الشعب السوري خشية من تسليمهم للنظام السوري.رفض النظامين التركي والسوري لتواجد القوات الأمريكية والدولية شريكة قوات سوريا الديمقراطية في محاربة الإرهاب في شرقي الفرات ومطالبتهم من الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا.القرار الدولي 2254 المتعلق بحل الأزمة السورية بدعم عملية سياسية انتقالية ضمن فترة انتقالية مدتها ستة أشهر فجميع محاولات الدول الضامنة روسيا وتركيا وإيران تهدف للالتفاف على قرار 2254 عن طريق اجتماعات آستانا وسوتشي، ومع إصرار الغرب وبالأخص الولايات المتحدة على تطبيق هذا القرار كحل أساسي ينهي الأزمة السورية بات هذا القرار يشكل كابوساً لأردوغان فمن مصلحته الآن إفراغ هذا القرار من مضمونه من خلال التقرب من النظام والتطبيع معه، كما أنه من مصلحة النظام السوري إفراغ هذا القرار من مضمونه، والتقرب من النظام التركي وتكون بداية للتطبيع الدولي معه.رفض النظام لأعمال اللجنة الدستورية واستمرارها في وضع العراقيل لإفشاله، بات من مصلحة النظام التركي الآن إلغاء اجتماعات اللجنة الدستورية والحفاظ على الدستور الحالي لسوريا، كون هناك مطالب من بعض الدول في ضم مجلس سوريا الديمقراطية “مسد” إلى اجتماعات اللجنة الدستورية مما قد يعني ضربة للأهداف التركية في ضرب الإدارة الذاتية.
هذا ولإفراغ القرار الدولي 2254 وأعمال اللجنة الدستورية يتطلب من تركيا القيام ببعض الإجراءات التي تخدم النظام السوري وتؤدي لحدوث تقارب أو مصالحة بين الطرفين إنهاء أو وقف دعم الائتلاف السوري المعارض وإغلاق مكاتبهم أو حتى طردهم من الأراضي التركية وهو ما يخدم النظام السوري. حيث قام النظام التركي بوقف الدعم المالي للائتلاف السوري وتقييد تحركاتهم في الآونة الأخيرة. كما يتطلب من النظام الالتزام بموقفهم تجاه الإدارة الذاتية والسماح بوصول دفعة أولى من اللاجئين السوريين إلى مناطقهم التي نزحوا من مناطق النظام وعدم ملاحقتهم أمنياً لدفع اللاجئين “إيهامهم” للعودة الآمنة إلى مناطقهم وهو ما سيخدم أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي من المفترض إجرائها في شهر حزيران.
في هذا السياق فإن الرابح الأكبر من هذا التقارب، هي روسيا كونها تزيد من الفجوة بين تركيا والولايات المتحدة الرافضة لأي تقارب أو تطبيع مع النظام، وحصر حل الأزمة السورية بالدول الضامنة الثلاث “روسيا وإيران وتركيا”، إلى جانب الالتفاف على القرار الدولي 2254 والتخلص من التنظيمات المسلحة التي تشكل تهديداً لها. والنظام التركي الذي سيعمل على استغلال هذا التقارب كورقة انتخابية لفوز أردوغان بولاية جديدة والعمل مع النظام وإيران وروسيا لمحاربة الإدارة الذاتية معه ولتحقيق أطماعه الاستعمارية التي عجز عن استكمالها في الآونة الأخيرة. أما النظام يرى في هذا التقارب فرصة للحفاظ على أركان نظامه وتخفيف من تبعات قانون قيصر وبداية التطبيع.
أما الخاسر الأكبر دولياً الولايات المتحدة الأمريكية كون هذا التقارب برعاية روسية ولا تخدم سياستها في المنطقة وتعمق الفجوة مع حليفتها تركيا وتجعل الأخيرة أقرب إلى روسيا منها. أما داخلياً فإن الفصائل المسلحة الرافضة لأي تقارب مع النظام السوري فهي الخاسر الأكبر، وأن تصريحات المسؤولين الأتراك بأن تركيا لن تتخلي عنهم تبقى تصريحات لكسب الوقت كما حدث مع تنظيم الإخوان في تركيا عند بدء النظام التركي بالتقرب من مصر لذا فالحقيقة أن التطبيع مع نظام الأسد هو بمثابة طعنة في الظهر لهم وللشعب السوري”، وعلى المعارضة السورية في تركيا خفض توقعاتها من مواقف أردوغان، وأخذ العبرة من تجربته السابقة مع القاهرة وكيف غيّر نبرته إزاء المعارضة المصرية في تركيا.
أما الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية فهي تقاوم وتدافع عن مشروعها الديمقراطي في وجه الأطماع التركية وبالتالي فهي تشكل عقبة أمام مطامع الروسية والتركية والنظام في سوريا وأن التقارب بين النظامين التركي والسوري هو تهديد للشعب السوري وللإدارة الذاتية. لذا فإن تقارب النظامين سيجعل الأزمة السورية تدخل مرحلة جديدة تزيد من تعقيدها ومليئة بالفتن والاقتتال. ويبقى الحوار السوري – السوري خاصة بين القوى المعارضة لهذا التقارب الحل الأمثل للوقوف في وجه المؤامرات التي تحاك من قبل الدول الضامنة على سوريا وعلى الشعب السوري وقد أطلقت مسد بخصوص هذا المسألة مبادرة لتقريب وجهات نظر المعارضة السورية بخصوص حل الأزمة السورية والمحادثات والتقاربات التي تحدث بين النظامين التركي والسوري في الوقت الحالي.