التغيير الديموغرافي …والإستيطان
أي حديث عن احداث التغيير الديمغرافي في منطقة ما ، يستدعي حكماً الحديث قبل ذلك عن عملية نقل أو تهجير قسري حدثت لمجموعة سكانية من مكان ما والاتيان بمجموعة سكانية اخرى من مكان أخر بغية توطينهم في تلك المنطقة المراد احداث التغيير الديمغرافي فيها
فمن دون حدوث لعمليات التهجير والنقل القسري و الاستيطان لايمكن الحديث معه عن التغيير الديمغرافي الذي عرفه القانون الدولي على انه :
((هو ذاك التحول الذي يطرأ على البنيان والقوام السكاني لرقعة جغرافية ، ناجماً عن فعل أو افعال إرادية من قبل جهة ما تجاه أفراد أو مجموعات تفقد إدارتها في ذلك التحول))
يتضح من خلال التعريف اعلاه بأن التغيير الديمغرافي لايمكن له أن يتم الا إذا سبقه فعل اجرائي آخر من شأنه التمهيد لذلك، من قبيل نقل جماعة أو مجموعة سكانية من مكان ما والاتيان بجماعة أو مجموعة سكانية أخرى لتحل محلها،
وهذا الفعل أو الاجراء يسمي بالتهجير أو النقل القسري الذي عرفه القانون الدولي على النحو التالي :
((بأنه ممارسة ممنهجة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تحاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراضي معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلاً عنها))
ويكون التهجير القسري أما مباشراً أي ترحيل السكان بالقوة من مناطق سكناهم ، أو غير مباشر عن طريق دفع الناس إلى الرحيل والهجرة ، باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد
وهو يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية.
وفق ماورد في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 في المواد (8-7-6)
” ابعاد السكان أو النقل القسري للسكان ، متى ما ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين يشكل جريمة ضد الانسانية “
كما إن المادة 49 من إتفاقية جينيف الرابعة لعام 1949 والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للاشخاص أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراضي أخرى تحت طائلة إرتكاب جرائم حرب
وهذا الاحلال السكاني مكان المهجرين قسراً يسمى في القانون الدولي بالاستيطان والذي تم تعريفه على إنه :
“عملية اسكان واسعة في أرض دون رضى أصحابها ، بغرض تغيير التركيبة الديمغرافية للرقعة الجغرافية المستهدفة “
وتلك المجموعة البشرية التي يتم الاتيان بها وتوطينها في تلك الرقعة الحغرافية المراد إحداث التغيير الديمغرافي فيها تسمى وفقا للقانون الدولي “بالمستوطنين”
وبالتالي فان أي حديث عن التغيير الديمغرافي دون التطرق للتهجير القسري والإقرار بعمليات التوطين والاستيطان فانه لايعتد به قانونياً إضافة أنه يفرغ المصطلح من مضمونه ويفقد المصداقية والغاية من استخدامه
لذلك على المنظمات الحقوقية والمدنية والأحزاب السياسية الكردية بأن تتوخى الدقة والحذر في اختيارها للمصطلحات القانونية وتداولها فيما يخص بتوصيف الحالة القانونية الناجمة عن الاحتلال التركي لمنطقة عفرين وأن تبتعد عن المزاجية والمجاملة السياسية أحيانا والجهل القانوي أحياناً أخرى في اختيارها للمصطلحات السياسية والقانونية.
المحامي حسين نعسو
ADARPRESS #