تبادلت قوات التحالف الدولي، بقيادة أميركا، ومليشيات إيرانية القصـ ـف مجدداً في أقصى الشرق السوري، الذي بات ميداناً لبعث الرسائل بين طهران وواشنطن.
وذكرت شبكات إخبارية محلية أن قوات التحالف، بقيادة أميركا، ردت مساء أمس الأول الإثنين، على قـ ـصف تعرضت له من قبل المليشيات التابعة إلى إيران، في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، مؤكدة مقـ ـتل وإصـ ـابة عدد من عناصر الميلشيات بالقصف.
وكانت المليشيات قصـ ـفت الإثنين الماضي قاعدتين للتحالف في حقلي “كونيكو” للغاز و”العمر” النفطي، وفق مصادر محلية، أكدت لـ”العربي الجديد” أن المليشيات الإيرانية المتمركزة في بادية بلدة جديد عكيدات هي من شن الهـ ـجوم على القاعدتين.
تعد قاعدة العمر، أهم قواعد التحالف في المنطقة التي باتت تُعرف بشرق الفرات، والتي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد). وفي مقابل “العمر”، هناك قاعدة كبرى للإيرانيين شرقي دير الزور هي “الإمام علي”، التي أقامها “الحرس الثوري” في العام 2019 عقب طرد تنظيم “داعـ ـش” من المنطقة.
إيران تحشد قواتها
وبيّن الناشط الإعلامي فواز المرسومي، وهو من أبناء ريف دير الزور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الجانب الإيراني “يحشد قواته في شرقي سورية”. وأوضح أنه يومياً يدخل عـ ـناصر وخبراء إيرانيون من معبر البوكمال مع العراق إلى ريف دير الزور.
ولفت إلى أن “الحرس الـ ـثوري” الإيراني “يجهز قواعد للدفاعات الجوية في مدن المحافظة الثلاث، وهي دير الزور، والميادين، والبوكمال”.
وأعرب المرسومي عن اعتقاده أن أي تصعيد واسع النطاق شرقي سورية “ليس بصالح الإيرانيين”، موضحاً أن أي رشقة صواريخ من قبل المليشـ ـيات على قواعد تابعة للتحالف تقابلها هجـ ـمات رادعة وقوية، تصل أحياناً إلى تدمير مقرات لهذه المليشيات في ريف دير الزور، واستهداف شاحنات تابعة لها تدخل من العراق إلى سورية عبر معبر البوكمال الذي يسيطر الإيرانيون عليه بشكل كامل. وأضاف: أعتقد أن الإيرانيين غير قادرين على مواجهة مفتوحة مع الأميركيين في محافظة دير الزور.
تبادل التـ ـصعيد بين أميركا وإيران
وكان الطرفان الأميركي والإيراني تبادلا التصعيد أواخر الشهر الماضي، عقب مـ ـقتل متعاقد أميركي، وإصابة 5 جنود ومتعاقد أميركي آخر، “بعد أن ضـ ـربت طائرة مسيـ ـرة منشأة صيانة في قاعدة للتحالف قرب الحسكة في شمال شرق سورية”.
وأشارت وزارة الدفاع الأميركية، في بيان وقتها، إلى أن الاستخبارات تقول إن الطائرة “من أصل إيراني”. وأعلن البنتاغون مقتـ ـل 14 مقاتلاً موالياً لإيران جراء ضـ ـربات جوية “دقيقة” نفذها الجيش الأميركي، رداً على هـ ـجوم المليشيات الإيرانية.
وتسيطر هذه المليشيات على عدة قرى شمال نهر الفرات، هي: حطلة، الزغيّر، مرّاط، الحسينية، مظلوم، طابية جزيرة، وخشام، وتتخذ منها منصات لإطلاق رشقات الـ ـصواريخ على حقل “كونيكو” القريب من هذه القرى.
وفي جنوب نهر الفرات، تسيطر المليشيات التابعة إلى إيران على كامل ريف دير الزور، أو ما يُعرف محلياً بـ”الشامية”، من البوكمال على الحدود السورية العراقية شرقاً، إلى منطقة التبني غرباً عند الحدود الإدارية بين دير الزور والرقة.
وتضم دير الزور، ثاني أكبر المحافظات السورية مساحة (33 ألف كيلومتر مربع)، أغلب الفاعلين في الملف السوري، كالإيرانيين والروس والأميركيين والنظام و”قسد” وتنظيم “داعـ ـش”. وتخوض هذه الأطراف صـ ـراعاً على المحافظة التي تضم أكبر حقول وآبار النفط والغاز في سورية، أبرزها “العمر” الذي تحول إلى قاعدة مهمة للتحالف شرقي نهر الفرات.
ومع مطلع عام 2019 سيطر التحالف، عبر “قسد”، على ريف دير الزور شمال نهر الفرات وهو الأغنى بالثروات النفطية. وجرت منذ ذلك العام مناوشات بين الإيرانيين والتحالف، الذي لطالما شن هجمات على مواقع وقواعد المليشيات، بما فيها “الإمام علي” التي تعرضت لأكثر من هجوم. لكن الإيرانيين عززوا وجودهم في شرقي دير الزور، من خلال المليشيات لخلق واقع لا يمكن تجاوزه.
تجنب الصدام واسع النطاق
وتشي الوقائع الميدانية بأن واشنطن وطهران تتجنبان حتى اللحظة صداماً واسع النطاق في الشرق السوري من شأنه تغيير قواعد الاشـ ـتباك المعمول بها حالياً، التي تقتصر على قصـ ـف إيراني “محدود”، ورد أميركي على مصادر النيران.
وتعليقاً على التصـ ـعيد المتجدد في ريف دير الزور الشرقي، قال النقيب المنشق عن قوات النـ ـظام والباحث السياسي في مركز “جسور” للدراسات رشيد حوراني، لـ”العربي الجديد”، إن المليشيات الإيرانية هي من بدأت الاثنين باستهداف القواعد الأميركية في منطقة شرقي الفرات.
وأضاف: طهران تحاول من خلال هذا التصعيد جس نبض رد الفعل الأميركي، حيال هذا القصف. وأعرب حوراني عن اعتقاده أن “إيران تعرف أين تطلق صواريخـ ـها عندما تشـ ـن هـ ـجمات على قواعد وأهداف للتحالف الدولي”، موضحاً أن القصـ ـف الأخير لم يؤد إلى وقوع إصـ ـابات بين الأميركيين وكانت أضـ ـراره مادية فقط.
ورأى أن “إيران لا تريد إيقاع خسائر في صفوف القوات الأميركية الموجودة في شرقي نهر الفرات لأنها تعلم أن ردة فعل واشنطن ستكون قوية ورادعة ضد المليشيات الإيرانية المنتشرة في ريف دير الزور”.
وأوضح أن التصـ ـعيد في ريف دير الزور الشرقي “لن يتسع نطاقه بين الإيرانيين والأميركيين”، مضيفاً: سيبقى ضمن حدود التصعيد المنضبط لتحقيق أهداف سياسية. ورأى أن إيران “يمكن أن تطور هذا التـ ـصعيد وتنتقل إلى مرحلة تؤثر أكثر، لجهة إحداث أضرار وخسائر في صفوف الجيش الأميركي في حال تهاون واشنطن مع التصـ ـعيد الحالي”.
ADARPRESS #