حوارات

فادي عاكوم لـ “آداربرس : ” من الطبيعي أن يكون الملف السوري حاضراً على طاولة المفاوضات الأميركية الروسية، فالأمور في سوريا ليست كما كانت خلال السنوات الماضية”

*أن لقاء القمة بين الرئيس جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقدمة لتغيرات عديدة سيشهدها العالم خلال العقود المقبلة، خاصة وإن العلاقات بينهما اتسمت بالتوتر الشديد وصل إلى حد التشابك اللفظي المباشر بن الكرملين والبيت الأبيض.

* يعتبر وزير الخارجية الروسي لافروف صقر الدبلوماسية الروسية ومن أقوى القدرات الدبلوماسية حول العالم، لذا كان من الطبيعي بأن تقوم موسكو بإرسال رسائل ايجابية من خلاله قبل المفاوضات لترطيب الأجواء بعد التوتر الذي شاب العلاقة بين موسكو وواشنطن.

* إن كلا من روسيا والولايات المتحدة أعتبر في وقت من الأوقات تركيا أداة لتنفيذ عمليات للضغط على الأخر، ووقعت تركيا بالفخ ونفذت هذه المخططات التي لم تأت بنتيجة إلا بعزلتها عن محيطها الإقليمي وسبب لها العديد من المشاكل مع العديد من الدول العربية والغربية.

* ميزان القوى في مسألة الملف السوري يميل إلى الروس وتحديداً إذا ما قدمت موسكو تعهدات بالاستمرار بتحجيم النفوذ الإيراني، وأما مناطق شمال وشرق سوريا تعتبر المسمار الأميركي بالنسبة للروس، خصوصاً بعد النجاحات بإدارة المنطقة من قبل مجلس سوريا الديمقراطية والقوة العسكرية التي قلبت ميزان القوى، وهي بالطبع قوات سوريا الديمقراطية، وأصبحت الإدارة مسألة لا يمكن الاستغناء عنها وواقعاً لا يمكن تخطيه.

جاء ذلك في حوار خاص أجراه موقع “آداربرس” مع ” الكاتب والصحفي السوري” فادي عاكوم” وذلك حول اللقاءالمرتقب الذي سيجمع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الروسي بوتن في الـ 16 من الشهر الحالي، على هامش لقاء القمة لزعماء دول حلف الشمال الأطلسي، وأهم المحاورالتي سيتم التحدث فيها، ولا سيما الملف السوري، وخاصة  بعد أن وصلت الخلافات بينهما ذروتها في السابق.

فيما يلي نص الحوار كاملاً:

السؤال الأول: هناك لقاء مرتقب في 16 من الشهر الحالي،  يجمع كل من الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس الروسي بوتن، في جنيف، ما الذي تتوقعونه من هذه المباحثات؟

يعتبر لقاء القمة بين الرئيس جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقدمة لتغيرات عديدة سيشهدها العالم خلال العقود المقبلة، ورسم الخطوط العريضة لسياسة كل من الدولتين التي ستكون أسس العلاقة بين الطرفين، وذلك بعد خلط معظم الأوراق السياسية والعسكرية حول العالم وظهور ملفات جديدة وأمر واقع ينبغي إدارة ملفاته، فكلا البلدين مارس الضغط على الطرف الأخر بقوة منذ وصول الإدارة الجديدة غلى البيت الأبيض، واتسمت العلاقات بالتوتر الشديد وصل إلى حد التشابك اللفظي المباشر بن الكرملين والبيت الأبيض، وهذا التشابك كان الإشارة الأولى إلى إن الأمور وصلت إلى حد ضرورة تحديد موعد للقاء القمة المرتقب.

العديد من الملفات ستكون مطروحة بين الطرفين، وسيكون اللقاء مجرد افتتاح للمفاوضات بين البلدين، ولا اتوقع البت بأي من الملفات خلال اللقاء، بل ستشهد المباحثات شداًوجذباً سيستمر لا شهر إلى حين التخلص من الملفات، وبالتتالي طبقاً للأهمية، وبالطبع وبالنسبة للطرفين فإن المصالح العليا ستكون المعيار الأساسي لتحديد أهمية الملفات، فبنسبة لروسيا فإن الملف الأهم الوضع في أوروبا ومنطقة القرم، وبالنسبة للولايات المتحدة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وتهديد المصالح الأميركية السياسية والاستراتيجية، ومن بعدها سيتم الانتقال إلى الملفات الأخرى من خلال العديد من اللجان التي ستتولى كل ملف على حدة.

إلا إنه من الواضح فإن كلا الطرفين يتفقان مثلاً على ضرورة وضع حد للطموحات الإيرانية، وحتى لو كانت مفاتيح الحل مختلفة بين الطرفين، فروسيا تريد تحجيم هذه الطموحات مع ابقاء التواجد الإيراني بحده الأدنى بسبب التحالفات القوية بين الطرفين، بعكس الولايات المتحدة الأميركية التي تريد التخلص منه لكنها في نفس الوقت تعي تماماً بأن هذا الأمر مستحيل، كما إن ما يتحكم بهذه المفاوضات هو الطاقة والنفط والغاز، وستحاول روسيا الضغط بكل قوتها في هذا الملف لما ما يشكله هذا الملف من قوة اقتصادية وقوة سياسية ناتجة عن التحكم بورقة الغاز المصدر لأوروبا والذي إن فقدته موسكو تفقد العديد من قدرات الضغط السياسي.

وستشهد المفاوضات ما يمكن تسميته بإعادة رسم الخارطة السياسية العالمية ومعها التحالفات الكبرى والصغرى، في العديد من الاقاليم العالمية، ولكل من البلدين أداوته التي قد يستغني عنها مقابل مكاسب في بقعة أخرى، والخسارة لن تكون لأي منهما بل ستكون للأطراف الحليفة الضعيفة التي لم تثبت فعالية قدراتها ووجودها طيلة الفترة الماضية، والكثير من المشاريع السياسية إن كان على صعيد الحركات السياسية أو على صعيد بعض الدول سينتهي دورها مما سيغير الوجه السياسي للعديد من الدول أو على الأقل تغيير طريقة إدارة الملفات.

السؤال الثاني: وصف وزير الخارجية الروسية لافروف في تصريح له، باللقاء التي سيجري بين الرئيسين بالإيجابية، ماهي قراتكم لهذه التصريحات؟

وزير الخارجية الروسي يعتبر صقر الدبلوماسية الروسية ومن أقوى القدرات الدبلوماسية حول العالم، لذا كان من الطبيعي بأن تقوم موسكو بإرسال رسائل ايجابية من خلاله قبل المفاوضات لترطيب الأجواء بعد التوتر الذي شاب العلاقة بين موسكو وواشنطن، وموسكو كانت تعي جيداًبأن هذه المفاوضات كانت ستحصل عاجلاً أم أجلاً بعد وصول الإدارة الاميركية الجديدة إلى الحكم، ووصول التوتر بين البلدين إلى درجة اختفت منذ فترة طويلة واصبحت كأجواء الحرب الباردة، وذلك في العديد من المناطق كالشرق الاوسط وأوروبا، ولا يجب أن ننسى بأن الضغط الدبلوماسي الذي قاده لافروف نفسه كان له أثر كبير على إدارة بايدن، كالضغط بورقة الخليج حين زار لافروف الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والأمارات العربية المتحدة لمد اليد إذا ما سحبت الولايات المتحدة الأميركية يدها من منطقة الخليج وتخلت عن تأمينه سياسياً وعسكرياً تجاه التهديدات التي يتعرض لها وعلى راسها التهديدات الصادرة من الحرس الثوري الإيراني واذرعه في منطقة الشرق الاوسط.

السؤال الثالث: ونتابع في نفس السياق، كان قد أعلن وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو اليوم الأربعاء، بأننا متفائلون من اللقاء في قمة حلف الشمال الأطلسي والتي ستجمع بوتن وبايدن، ما هي قراتكم لذلك أيضا؟ 

يبدو بأن الاحلام التركية في سوريا لا تزال تراود أردوغانوفريقه السياسي، فالمتغيرات السياسية الإقليمية والعالمية غيرت الوضع السياسي العام بالنسبة للتواجد التركي في سوريا خصوصاً ومنطقة الشرق الأوسط ككل، فتركيا كانت تتصرف خلال الفترة الماضية وكأنها الحاكم بأمره وتخطت العديد من الخطوط الحمراء المرسومة من قبل الدول الكبرى، وبعضها يمس الأمن القومي للعديد من الدول كالدول الأوروبية ومصر والسعودية وغيرها، وبالتالي فإن بقاء الأمور على ما هو عليه يعتبر من المستحيلات، علماً إن كلا من روسيا والولايات المتحدة أعتبر في وقت من الأوقات تركيا أداة لتنفيذ عمليات للضغط على الأخر، ووقعت تركيا بالفخ ونفذت هذه المخططات التي لم تأت بنتيجة إلا بعزلتها عن محيطها الإقليمي وسبب لها العديد من المشاكل مع العديد من الدول العربية والغربية.

وبالتالي فإن تحجيم التمدد التركي هو الأساس بالنسبةللملف التركي خلال المفاوضات الأميركية الروسية، وسيكون الاحتلال التركي لأجزاء من سوريا هو الأساس بالنسبة للجانب الروسي، لكن للأسف فإن هذا الأمر مرتبط بملف الجماعات الإرهابية المتبقية في سوريا ومن بينها جبهة النصرة التي تسيطر على إدلب وتلقى الدعم وتأمين الظهير من الاتراك، وقد يتم تأجيل البت بهذا الملف في الوقت الحالي وترحيله إلى مرحلة أخرى بعكس الملف التركي في ليبيا وشرق المتوسط والعلاقات مع الدول العربية التي سيتم البت بها بشكل جذري.

السؤال الرابع: وأيضا صرح  المستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان إن الرئيس الأميركي سيبحث القضايا المتعلقة بسوريا، خلال القمة المزمعة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، ما تعليقكم على ذلك؟

من الطبيعي أن يكون الملف السوري حاضراً على طاولة المفاوضات الأميركية الروسية، فالأمور في سوريا في الوقت الحالي ليست كما كانت خلال السنوات الماضية، مع انحسار المناطق التي خارجة عن سيطرة دمشق وحلفائها، وبالتالي فإن رسم الخطوط العريضة للتعاطي مع الواقع الجديد هو أمر أساسي، خاصة وإن كلا الطرفين يجتمعان حول مصلحة واحدة وهي التخلص من النفوذ الإيراني أو على الاقل العمل على إضعاف الحرس الثوري الإيراني وأذرعه في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في سوريا، كما إن بقاء الرئيس الأسد على رأس السلطة ورقة أساسية تفرضها موسكو على طاولة المفاوضات للحصول على القدر الاكبر من حصص ما بعد الحرب كإعادة الإعمار والموارد الطبيعية كالنفط والفوسفات وغيرها، وهنا تعتبر موسكو نفسها رابحة او متقدمة بأشواط على الجانب الأميركي بسبب السيطرة الروسية العسكرية والسياسية والاقتصادية على نسبة كبيرة من المتاح حالياً، كما إن موسكو تقدم نفسها كبديل أساسي للإيراني وواشنطن تعي هذا الأمر جيداً، لذا فإن ميزان القوى في مسألة الملف السوري يميل إلى الروس وتحديداً إذا ما قدمت موسكو تعهدات بالاستمرار بتحجيم النفوذ الإيراني.

إلا إن مناطق شمال وشرق سوريا تعتبر المسمار الأميركي بالنسبة للروس، خصوصاً بعد النجاحات بإدارة المنطقة من قبل مجلس سوريا الديمقراطية والقوة العسكرية التي قلبت ميزان القوى، وهي بالطبع قوات سوريا الديمقراطية، وأصبحت الإدارة مسألة لا يمكن الاستغناء عنها وواقعاً لا يمكن تخطيه، وهو ما لا تريده دمشق ومعها موسكو أي إن ملف هذه المنطقة سيكون رأس الحربة بالملف السوري دون منازع، وربما الفرصة مواتية بالوقت الحالي للفريق السياسي في مسد للحصول على القدر الأكبر من المكاسب السياسية والضمانات للحفاظ على المكتسبات، إن كان ذلك من خلال الحلفاء الأميركيين في قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب أو من خلال القنوات المفتوحة أصلاًمع الجانب الروسي، وربما تسير الأمور إلى إيجاد صيغة وسطية لتبقى هذه المنطقة كنموذج قد يجري تعميمه بالاتفاق مع الحكومة السورية لإنهاء حالة الحرب في أي وقت من الأوقات، لكن الأمور متروكة بالطبع إلى مستقبل العلاقات الروسية أو الأميركية مع تركيا وتحديد مصير الاحتلال التركي للمناطق السورية.

آداربرس/حوار خاص

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى