هجـ ـمات متبادلة تسـ ـقط قـ ـتلى وجـ ـرحى بين صفوف المدنيين والعسـ ـكريين
شهدت مناطق شمال غربي سوريا أسبوعاً دامياً راح ضحيته عشرات المدنيين والعسكريين بين قتيل وجريح جراء قصف جوي وبري متبادل بين القوات السورية وسلاح الجو الروسي من جهة، وهجمات لفصائل من المعارضة السورية المسلحة من جهة أخرى.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان في سوريا فمنذ الـ 21 من يونيو (حزيران) الجاري قتل 32 شخصاً بينهم 22 مدنياً، وجرح ما لا يقل عن 40 آخرين بينهم نساء وأطفال.
وفي مناطق سيطرة المعارضة التي تركزت فيها الهجمات الجوية للطيران الروسي والقذائف البرية لقوات النظام السوري قتل 29 شخصاً بينهم 16 مدنياً، فيما قتل سبعة آخرون في مناطق النظام بينهم عسكري واحد فقط.
وأكبر هذه الهجمات كانت في بلدة جسر الشغور الأحد الماضي عندما استهدفت طائرات يرجح أنها روسية مركبة تقل مسلحين يحتمل أنها كان تحمل أسلحة ومواد متفجرة، بحسب جهات حقوقية سورية وسط سوق شعبي لبيع الخضراوات في البلدة، مما أسفر عن مقتل 11 شخصاً بينهم ستة مسلحين وجرح عشرات المدنيين.
كما شهدت أماكن أخرى من المناطق التي تسيطر عليها حركة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) استهدافاً بهجمات جوية وبرية، في حين وقعت ثلاث هجمات في مناطق النظام نفذتها الفصائل المعارضة، بحسب المرصد السوري.
لكن وزارة الدفاع السورية قالت في بيان إنها قامت بالتعاون مع القوات الروسية وتنفيذ ضربات جوية وصاروخية دقيقة ونوعية استهدفت من خلالها المقار المحصنة “للتنظيمات الإرهابية” في منطقة جبل الأربعين بريف إدلب، بما فيها من أسلحة وذخائر وأدوات توجيه وطائرات مسيرة استطلاعية وضاربة ومعدات تنصت وتشويش، وأدت هذه الضربات إلى تدمير المقار الإرهابية بالكامل ومقتل وإصابة العشرات بعضهم من زعماء تلك المجموعات، بحسب وزارة الدفاع السورية.
إلى ذلك نقلت وكالة “إنترفاكس” للأنباء أمس الأربعاء عن نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا أوليغ غورينوف قوله إن “قوات روسية نفذت ضربات دقيقة على أهداف عدة قرب مدينة إدلب شمال غربي سوريا”.
وبحسب غورينوف فإن “الضربات كانت بمثابة رد على مهاجمة المسلحين أهدافاً في الأراضي السورية التي تسيطر عليها الحكومة باستخدام طائرات مسيرة”.
وقال شهود ومنقذون الأسبوع الماضي إن طائرات روسية قصفت قرى وبلدات قرب إدلب مما أدى إلى مقتل تسعة مدنيين في الأقل وإصابة العشرات، ضمن تصعيد كبير للعنف داخل آخر معقل للمعارضة في البلاد. وذكر غورينوف أمس الأربعاء أن الضربات أدت إلى تدمير نقطة مراقبة ومستودع أسلحة وذخائر ومقتل 18 مسلحاً.
رسائل الضامنين
بدوره قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن في حديثه إلى “اندبندنت عربية” إن “تصعيد العمليات العسكرية ارتبط بانتهاء ’مسار أستانا‘ إذ شهدت المنطقة تصعيداً من هيئة تحرير الشام وقوات النظام السوري لريف حلب الغربي أدت إلى مقتل مدنيين”.
لكن “هيئة تحرير الشام” صعدت هجماتها عقب رفض النظام السوري لقاء بين بشار الأسد ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وأدت تلك الهجمات إلى مقتل عدد كبير من عناصر النظام إلا أن هذا التصعيد توقف مع وقوع الزلزال في السادس من فبراير (شباط) الماضي لتعود الهيئة بعد شهر من الزلزال وتستأنف عملياتها، وفقاً لعبدالرحمن.
ونوه إلى أنه مع دخول الطيران الروسي على خط الهجمات أصبح التصعيد أكثر دموية خلال الأسبوع الأخير، مستبعداً وجود عملية عسكرية برية إذ إن ما يحدث “رسائل متبادلة” بين الروس والأتراك حول السيطرة على طريق M4 الدولي الذي وعد أردوغان بوتين بعودته للعمل في ديسمبر (كانون الأول) 2019.
وفي مقابل ذلك وعد النظام السوري بالانسحاب من الطريق الدولي الآخرM5 حول بلدة سراقب ومعرة النعمان وإبقاء الشرطة المدنية مع القوات الروسية فقط، بحسب مدير المرصد.
الاحتكام إلى الميدان
من جهته أرجع المتخصص العسكري والاستراتيجي السوري العميد أحمد رحال التجمع العسكري والهجمات البرية والجوية التي تشنها كل من قوات النظام والطيران الروسي لحاجة “أطراف أستانا” إلى تثبيت الخرائط شمال غربي سوريا، إذ يطالب الروس بإعادة طريق M4 الدولي في حين تتمسك تركيا بالسيطرة على مناطق في شرق الفرات.
وتعارض الولايات المتحدة تنفيذ تركيا أي عمل عسكري ضد قوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد)، فيما تعترض إيران أي تماس مباشر بين الفصائل السورية المعارضة المدعومة من أنقرة مع مناطق نبل والزهراء ذات الغالبية الشيعية بريف حلب الشمالي، ولذلك بدأت الأطراف تلجأ إلى الميدان، على حد وصف عبدالرحمن.
إدانات واسعة وصمت تركي
وخلف القصف الروسي على بلدة جسر الشغور إدانات محلية ودولية حين راح ضحيته تسعة أشخاص في الأقل، فيما طالبت الفيدرالية السورية لحقوق الإنسان التي تضم 96 منظمة وجهة حقوقية بوقف التصعيد العسكري من قبل النظام السوري وروسيا الذي يهدف إلى “سد الطريق على أي حراك سياسي”.
وطالبت بضرورة “تحرك دولي جاد لإيقاف هذا التصعيد وتفعيل مسار العملية السياسية لتطبيق القرارات الدولية وفي مقدمها بيان جنيف والقراران (2118) و (2254)”. واستنكر مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) الهجوم على سوق شعبية، مهيباً بمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا والفاعلين الدوليين لإدانة استمرار هذه الأعمال والعمل على حماية المدنيين والانخراط أكثر في إيجاد حل لما وصفها بـ “المقتلة السورية”.
وتقدمت فرنسا بتعازيها لأسر الضحايا وذويهم، مؤكدة دعمها لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص إلى وقف الأعمال القتالية في جميع الأراضي السورية والتوصل إلى حل سياسي يتماشى مع القرار (2254)، وجددت حرصها على الاحترام الصارم للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، ودعمها مكافحة الإفلات من العقاب وفق بيان صادر من الخارجية الفرنسية.
ولم يصدر عن تركيا التي تعتبر الطرف الدولي الضامن في “مسار أستانا” عن مناطق المعارضة السورية أي رد فعل أو إدانة، وسجل ناشطون وقوع هجمات روسية على قرب نقاط عسكرية تركية بريف إدلب، مما أثار تساؤل مراقبين عن إمكان استمرار الهجمات وارتفاع التصعيد العسكري خصوصاً في مناطق شمال غربي سوريا.
عبدالحليم سليمان/ اندبندنت العربية
ADARPRESS #