مقاربات السـ ـلطة للواقع السياسي والسوريون بين اليأس والاستنـ ـزاف
لم تكن حالة الانفتاح السياسي على السلطة في دمشق، إلا كـ مسرحية هزلية، لعبت من خلالها السلطة دور المنتصر، ولم تُسارع لاستغلال حالة الانفتاح وتعديل المسارات، لترميم واقع السوريين المعيشي والاقتصادي، بل اكتفت عبر أبواقها بسرد أوهام سياسية، ومقاربات عجائبية، تتعلق بـ ” عودة العرب إلى الحضن السوري”، وما أن أطلت الوفود السياسية العربية منها والخليجية، حتى أماطت السلطة اللثام عن وجهها، لتنسج أوهاماً وتُهندس الانتصارات، على حساب مصالحها السياسية، ليبقى السوريون في مناطق سيطرتها، بين اليأس والاستنزاف.
قلنا في تقارير سابقة، أن العرب والخليجيين يدركون بأن السلطة لا أمل في حذوها المسار السياسي، للوصول إلى حل لأزمات السوريين بالمستويات كافة، لكن عودتهم كانت على أقل تقدير، وفق قاعدة أن الابتعاد عن سوريا وأزماتها، لن يُحقق للسوريين تطلعاتهم وأمانيهم، وبذات التوقيت فإن حالة الانفتاح السياسي على السلطة، جاءت في أطارين، أحدهما لمنع إيران من وضع يدها على المجتمع السوري، على الرغم من مما يُشاع عن تفاهمات “مؤقتة” خليجية إيرانية، ونحن هنا لسنا بصدد تفنيد تلك العلاقات. والأمر الأخر المتعلق بحالة الانفتاح على السلطة، والذي يأتي في أطر إيقاف تصدير الكبتاغون والمخدرات من سوريا إلى دول الجوار، وهو ما ألمح إليه ضمناً وزير الخارجية الأردني في زيارته الأخيرة إلى دمشق.
واقع الحال يؤكد وبعد ما يقارب الشهرين من عودة العلاقات العربية والخليجية مع السلطة، أن السلطة لا تزال تعيش في عالمها الخاص. هو عالم أثبتت من خلاله السلطة، بأنها غير جديرة بالعودة إلى العالم العربي، فالواقع السوري لا يزال ينحدر أكثر فأكثر، ولا تزال أحوال السوريين تسير في نفق مظلم لا نهاية له، جراء سياسات السلطة، وذلك تترجمه حالة هذه السلطة، العاجزة قولاً وفعلاً، عن الدخول في أي حل سياسي، لإيمانها المطلق بأنها “انتصرت”، وبانتصارها يمكن أن تُخضع السوريين.
من السرديات التي تسوقها السلطة، هي معادلات الانتصار، لكن في ذات التوقيت، تُلحّ تساؤلات غاية في الأهمية. فحوى تلك التساؤلات، على من انتصرت السلطة، والجغرافية السورية ممزقة وخمس جيوش تتواجد على الأراضي السورية ؟، ما مقومات الانتصار الذي تتحدث عنه السلطة، والاقتصاد السوري في بئر لا قرار له، والسوريون غارقون في الأزمات؟. والأهم من هذا وذاك، ثمة حقيقة يدركها السوريون، أن أمل في المدى المنظور، لأي تطور سياسي يكون فاعلاً ومؤثراً، وسبيلاً لحلول اقتصادية.
وربطاً بما سبق، فإن كل ما في الأمر، أن هناك رفضاً تُصر عليه السلطة، لجهة منع أي حل سياسي، وبذات الإطار، فإن السلطة لا ترغب بعودة المهجرين في الخارج، ولا ترغب حتى بعودة المهجرين في الداخل الى مناطقهم التي هُجروا منها قسراً، من هنا كانت العودة العربية والخليجية الى سوريا، لإدراكهم بـ مخاطر بقاء الوضع السوري على حاله، خصوصاً في ظل حالة التجاذب التي يُعاني منها الداخل السوري، الأمر الذي يُحتم على تلك الدول المُسارعة لوضع حدّ لحالة التردي المستمرة، سواء لجهة واقع السوريين، أو حيال تعاطي السلطة مع تلك المبادرات، الرامية للتوصل إلى حل سياسي.
لعل النوايا العربية والخليجية كانت حسنة، عندما وافقت على عودة السلطة إلى شغل مقعدها في الجامعة العربية، ومن باب الواقعية السياسية، فإن العرب قدموا وبشكل عملي، كل ما من شأنه التخفيف من معاناة السوريين، لكن الواضح وبعد مرور ما يقارب الشهرين، على الخطوة العربية تُجاه السلطة، أن هذه السلطة ترفض القيام بأي مبادرة في سبيل وضع حد لمعاناة السوريين، وأكثر من ذلك، فإن هذه السلطة تعتبر أن انتصارها المزعوم، يُجيز لها ترجمة حالة الانفتاح عليها، بما يتوافق مع أهوائها، دون العمل على تعديل واقع السوريين في مناطقها. كل ذلك يؤكد بأن هذه السلطة لديها تفسيرها الخاص لجهة العودة الى المحيط العربي، ولا ضير ضمن ذلك، من بقاء أزمات السوريين دون حلول.
إذاً، لهذه السلطة تفسيرها الخاص لِما أسمته عودة العرب والخليجيون الى حضنها. هذا التفسير ترجمة أبواق السلطة، لجهة أن العرب والخليجيين رضخوا لإرادة السلطة الحاكمة في دمشق، وكأنّهم لا يعرفون شيئا عن العلاقة العضوية بين السلطة وإيران، فالأخيرة تُهندس سياسات السلطة، مع تقويم مستمر لسياساتها في الداخل والخارج، وهنا يبدو بأن السلطة تُراهن بأنها ستكون جُزءاً من اتفاق إيراني أمريكي، وهنا الطامة الكُبرى.
في العمق، فإن السلطة في دمشق، غاب عن ذهنها أن العودة إلى المحيط العربي، تقابله معادلة خطوة بـ خطوة، لتُثبت من خلالها أنها جديرة بالعودة إلى المنظومة العربية، وبمعنى أخر، فإن المطلوب من هذه السلطة، الرد بخطوات سياسية واقتصادية تصب في مصلحة السوريين أولاً وأخيراً، مع خطوات أُخرى تتعلق بـ وقف تهريب الكبتاغون والأسلحة إلى دول الجوار، ومن دون تلك الخطوات، لن يحصل أي تقدم سياسي بأهداف ومعاني واضحة، في العلاقة العربية والخليجية مع السلطة.
من خلال ما سبق، نُدرك بأن السلطة عاجزة تماماً عن مقاربات الوقائع الجديدة، فهي محاصرة سياسياً واقتصادياً، ويحكمها طوق من القرارات الأممية والتي لا مناص من التهرب منها، أو الاستعانة بالحلفاء للالتفاف عليها، وما يؤكد هذه المقاربة، ما قاله جوزيف بوريل الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، “أن عودة العلاقات مع سوريا دون إحراز تقدم في العملية السياسية ليس خيارا مطروحا أمام الإتحاد الأوروبي”.
أضاف بوريل، أنه على الرغم من ذلك، فإن الإتحاد الأوروبي سيواصل العمل عن كثب مع الشركاء العرب والدوليين لتحقيق الأهداف المشتركة، مشيرا إلى أن “الظروف لم تتهيأ بعد لإعادة العلاقات مع دمشق”.
شاهد/ي: الاقتصاد السوري بيد حلفاء السلطة.. والفُتات للسوريين
إلى ذلك، أوضح المسؤول الأوروبي أن هذا موقف دول الاتحاد الأوروبي كلّها، مضيفاً أنه بالنسبة إلى الدول الأعضاء، فإن شروط العلاقات مع سوريا باتت بعيدة المنال “وسنكون مستعدين للمساعدة في إعادة إعمار سوريا فقط عندما تجري عملية انتقال سياسي شاملة وذات صدقية”.
على السلطة أن تدرك وتعي، أن العرب والخليجيين والأوروبيين، وضمناً الولايات المتحدة، مصممون على جُملة من الوقائع، عِمادها أن لا علاقات سياسية واقتصادية بأهداف ثابتة، ولا إعادة إعمار، ولا رفع للعقوبات، دون قبول السلطة للحل السياسي، والشروع بخطوات سياسية عبر تنفيذ القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن.
رغم ما سبق، تبقى مأساة السوريين ضمن إطار “انتصار السلطة”، لكن غالبية السوريين باتوا اليوم بحاجة ماسة إلى معادلات سياسية واقتصادية جديدة، تُنقذهم أولاً من رداءة معيشتهم، وتعمل ثانياً على بلورة واقع سياسي تشاركي يجمع السوريين على اختلاف توجهاتهم. فالسوريين اليوم يحاولون تحقيق إنسانيتهم في الحرية والكرامة والعمل والعدالة الحقيقة، والتي تُحقق مجتمعة قاعدة لإيقاف نزيف الواقع السوري.
عمار المعتوق- دمشق