اللاجئون السوريون … الحلقة الأضعف
تحوّل اللاجئون السوريون، وتحديداً في دول الجوار السوري التي لجأوا إليها هرباً من بطش النظام، إلى ورقة سياسية داخلية وخارجية تلعب بها الأنظمة في محاولةٍ لابتزاز الدول الغربية أو لتهدئة غضب الداخل من الأزمات الاقتصادية التي تمرّ بها هذه الدول.
المثال الأبرز حالياً على اللعب بهذه الورقة تركيا، التي تشن حملة تضييق غير مسبوقة على اللاجئين السوريين تحديداً، والذين بات معظمهم مهدّداً بالترحيل إلى الداخل السوري، رغم تحذيرات منظمّات حقوقية كثيرة بأن هذه العودة “غير آمنة”. ولا تحتاج الأجهزة الأمنية التركية إلى ذرائع كثيرة للقيام بعمليات الترحيل هذه، فمهما كانت الأوراق التي يمتلكها اللاجئ السوري، سواء بطاقة حماية مؤقتة أو إقامة سياحية أو إقامة عمل، لن تغلبَ الأجهزة في اختلاق أي سبب للترحيل.
الأكثر استفزازاً في الممارسات التركية الحالية تسريب الفيديوهات من مراكز الترحيل، حيث يُعامل السوريون الموقوفون هناك بقسوة، ويتم في بعض الأحيان الاعتداء عليهم. ويبدو أن هناك قصداً من هذه التسريبات موجّهاً إلى الداخل التركي وإلى السوريين الباقين في البلاد، فالرسالة إلى الداخل تفيد بأن النظام ورئيسه ينفّذان وعودهما الانتخابية التي أطلقاها قبل الانتخابات الرئاسية، وهي إعادة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم، بغضّ النظر عن المصير الذي يمكن أن ينتظرهم، وبصرف النظر عن قدرة المناطق المرحّلين إليها على استيعابهم. والرسالة إلى السوريين الباقين هي خلق حالة من عدم الأمان، وهو فعلاً ما يحصل، وجعلهم يحاولون الفرار من البلاد إلى وجهاتٍ أوروبيةٍ قبل أن تطاولهم حملات اعتقال الأمن في تركيا، وترحيلهم إلى الداخل السوري عبر معبر باب الهوى، حيث يجبرون على توقيع وثائق “العودة الطوعية”، ما يمنعهم كلياً من العودة مجدّداً إلى تركيا.
ورقة اللاجئين تلعب اليوم في تركيا تمهيداً للانتخابات المحلية المقرّرة العام المقبل. اللعب لا يأتي فقط من النظام، رغم أنه هو فعلياً من يقوم بعمليات الترحيل، بل من المعارضة أيضاً بدرجة أقلّ، فالسلطات المحلية في بعض المدن والبلدات التي تسيطر عليها المعارضة عمدت أيضاً إلى التضييق على اللاجئين السوريين، وإن لم تصل إلى الطرد أو الترحيل، فأزالت بعض المدن كل الكلمات العربية المكتوبة على لافتات المحلات التي يمتلكها سوريون، أيضاً في إطار التحضير للانتخابات المحلية، وإرضاء للحملات الشعبية العنصرية التي تطاول اللاجئين، والتي ازدادت كثيراً في الآونة الأخيرة.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يتم فيها استغلال اللاجئين السوريين في السياسة الداخلية التركية، فسبق أن جرى استخدامهم كورقة ضغط على أوروبا في ملفّات التفاوض العالقة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي. وفتح النظام حينها، قبل نحو أربع سنوات، الحدود مع اليونان، حيث تدفق آلاف اللاجئين السوريين والعرب والأفارقة في محاولة للدخول إلى الاتحاد الأوروبي، غير أن محاولتهم فشلت بسبب القمع الذي مارسته قوات الأمن اليونانية، وبقوا فترة طويلة عالقين في المنطقة العازلة الفاصلة بين البلدين، إذ منعهم الأمن التركي من العودة إلى تركيا.
ليست تركيا فريدة في استغلال ورقة اللاجئين، إلا أنها صاحبة التأثير الأكبر بفعل احتضانها، وفق الأرقام الرسمية، أكثر من ثلاثة ملايين سوري. وهذا الرقم بالمناسبة لا يمكن الركون إليه، خصوصاً أن السلطات هناك لا تشطب أعداد المهاجرين إلى أوروبا ولا حالات الوفاة التي تحصل بين اللاجئين السوريين في تركيا، وتشير التقديرات إلى أن الرقم أقلّ من ذلك بكثير. إلا أنه مهما كان هذا الرقم، لا يمكن تحويل اللاجئ السوري أينما حلّ وجعله كالحلقة الأضعف في السياسات المحلية والخارجية، في تركيا وغيرها، واستخدامه كبيدق، وتجاهل حقوقه الإنسانية، والمفترض أنها محميةٌ بمواثيق أممية وقعت عليها غالبية الدول.
حسام كنفاني
ADARPRESS #