ترى الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، نفسها كنموذج للحل السياسي والديمقراطي في سوريا ومفتاح لحل الأزمة العالقة منذ أكثر من 12 عاماً اذت السوريين كثيراً، وتسببت في تشردهم واحداث ضرر كبير في البنية المجتمعية في سوريا.
والإدارة الذاتية او اللامركزية الادارية هي طريقة في الإدارة تعطي الأطراف استقلالية خاصة بإدارة شؤون الموارد والإنماء والإعمار، بعيدا عن تدخلات السلطة المركزية.
تعكس الإدارة الذاتية الوضع المتعدد الأعراق والأديان في شمال وشرق سوريا و بشكل عام الخطة هي بناء نظام ديمقراطي بمعنى الكونفدرالية الديمقراطية ذاتية الحكم .
في العقد الاجتماعي تتعهد الادارة الذاتية باحترام حقوق الإنسان، وتم إقرار المساواة بين الجنسين ( الرجل والمرأة ) والحرية الدينية، وتحريم عقوبة الاعدام، وبذلك تميزت الادارة الذاتية عن القوانين المعمولة بها في مناطق سيطرة النظام السوري وجيوب سيطرة المجموعات المعارضة السورية التابعة للدولة التركية.
لعلَّ الجزء الأعظم من معايير حقوق الانسان والمتعلقة بالمساواة بين الجنسين، والحرية الفكرية والدينية، وتعدد الثقافات، قد تحققت في منطقة الادارة الذاتية، وذلك بفضل القوانين المعمول بها وفق العقد الاجتماعي المنصوص عليه في نظام الادارة الذاتية، والتي تمنح جميع المكونات العيش المشترك على أختلال قومياتهم وأديانهم، وإنتمائاتهم السياسية، والحصول على نفس القدر من الحقوق والواجبات، والتمتع بأكبر قدر من الحريات الفردية والجماعية. ويمكن ملاحظة ذلك في دور التعليم والإعلام والعدالة، وداخل المؤسسات المتعددة. وتنتشر في منطقة الادارة الذاتية الحرية السياسية والانتماء الحزبي، حيث يتواجد عشرات الاحزاب السياسية ، والمنظمات الحقوقية والثقافية والاجتماعية، وممارسة الحريات الفردية والجماعية بعيداً عن قوانين الرقيب والممنوعات سوى ما يخدش حرية الاخرين ويسيء إلى المجتمع ككل أو التي تخالف الرأي والرأي الاخر.
وتتكون هيكلية الإدارة الذاتية من أقاليم وإدارات مدنية، وهي الإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة والإدارة الذاتية في إقليم الفرات وفي مقاطعتي عفرين والشهباء والإدارات المدنية لمنبج والطبقة والرقة ودير الزور، وتتحد هذه الإدارات تحت راسة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والتي تعتبر المشروع الديمقراطي المستقبلي لسوريا وللشعب السوري وفق أسس الديمقراطية والحرية.
ولعل مبادرة الإدارة الذاتية التي طرحتها في حل الأزمة السورية وتصريحات المسؤولين حول استعدادهم للتحاور مع كافة الجهات الوطنية السورية أحد الأمثلة الواضحة على تمثيل هذا المشروع الديمقراطي لتطلعات السوريين.
قراءة في مبادرة الإدارة الذاتية :
أعلنت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا في 8 نيسان 2023 من خلال مؤتمر صحفي ( في مدينة الرقة ) عن مبادرة للحل في سوريا تتألف من تسع بنود أهمها :
– الاعتراف بوحدة الأراضي السورية .
– الاعتراف بالحقوق المشروعة لجميع مكونات المجتمع السوري.
– اعتماد نموذج الإدارة الذاتية في عموم البلاد .
– توزيع عادل للثروات بين كل المناطق السورية .
– استعداد الإدارة الذاتية لاستضافة اللاجئين والنازحين في مناطق سيطرتها .
– إخراج القوات التركية من الأراضي السورية .
من خلال بنود المبادرة يمكن استنتاج مجموعة من النقاط ونشرها مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية:
1 – الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية ” قسد” يؤمنان بوحدة سوريا ويعملان على استعادة المناطق الخارجة عن سلطة الدولة السورية على عكس الإدعاءات التركية التي تزعم أن الإدارة الذاتية تسعى الى إقامة كيان كردي في شرق الفرات والانفصال عن سوريا .
2 – الإدارة الذاتية وقسد يؤكدان على الحقوق المشروعة للمكونات السورية التي قدمت آلاف الضحايا من أجل حقوقها ولا يمكن التنازل بعد اليوم عن تلك الحقوق وإن الوضع في البلاد بعد الأزمة لن يكون كالوضع قبل الأزمة .
3 – أثبتت الإدارة الذاتية نجاحها من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إدارة مجتمع متعدد القوميات والمذاهب والأديان ( يبلغ تعداده أكثر من خمس مليون نسمة يعيشون على ثلث مساحة سوريا , وحاربت داعش بالتعاون مع حلفائها وانتصرت عليه ….الخ كما أثبتت وجودها في أصعب الظروف التي مرت بها سوريا وحافظت على نظامها القائم على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة وحماية حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وعلى هذا الأساس يمكن أن تكون نموذج حكم لكل المناطق في سوريا .
4 – بالرغم من أن معظم الثروة السورية موجودة تحت سلطة الإدارة الذاتية خاصة البترول والغاز ومعظم الموارد الزراعية والمياه ونهري دجلة والفرات وسدي الطبقة وتشرين فإن الإدارة الذاتية ترى أن هذه الثروات جميعها ملك للشعب السوري ولا يجب أن تستأثر فيها فئة سورية دون أخرى ولابد من توزيعها توزيعا عادلا بين كل المناطق السورية .
5 – ترى الإدارة الذاتية وقسد إن وجود اللاجئين السوريين في دول الجوار وخاصة في تركيا يشكل عائقا أمام الحل في سوريا ولهذا تبدي استعدادها لاستضافة جميع اللاجئين والنازحين والمهجرين في مناطق سيطرتها لحين الوصول إلى الحل النهائي . .
6 – ترى الإدارة الذاتية أنه لا يمكن حل الأزمة السورية دون انسحاب تركيا من كل الأراضي السورية وهذا مطلب حق يتوافق مع القانون الدولي .
لا شك أن المبادرة الحالية ليست المبادرة الأولى التي تطلقها الإدارة الذاتية وقسد ولن تكون الأخيرة لحل الأزمة السورية ولكن الوضع مختلف في هذه المرة فالمستجدات التي تظهر هنا وهناك ( حول الأزمة السورية على الصعيدين الإقليمي والدولي) والمؤامرة التي يحيكها أردوغان مع الأطراف الأخرى من أجل القضاء على الإدارة الذاتية ومؤسساتها , وإحساس الإدارة الذاتية بالمسؤولية تجاه حقوق الشعب السوري ومواجهة المؤامرات ( التي تحيكها قوى العدوان على شمال شرق سوريا بشكل خاص وعموم سوريا بشكل عام ) تفرض على القوى الوطنية السورية وخاصة الإدارة الذاتية في شمال و شرق سوريا بوصفها طرف مهم في المعادلة السورية إطلاق مثل هذه المبادرة المتكاملة التي من شأنها حل الأزمة السورية اذا توافقت عليها القوى الدولية مثل أمريكا وروسيا بالإضافة الى القوى الإقليمية مثل السعودية وإيران وتركيا .
خاص/آدار برس