لاختيار
يبدو أن عداء الأتراك ليس محصورًا باللاجئين السوريين، الذين يُحمّلونهم مسألة مُقاسمتهم لقمة العيش، والتسبّب بالانهيار الاقتصادي، والتضخّم، بل ذلك عداءٌ أوسع وأكبر، ويتعلّق بعداء تركي مُتأصّل ضد كُل ما هو عربي مع وجود استثناءات وصفت نفسها بالأتراك العُقلاء الذين يُحبّون أشقاءهم العرب.
هذا العداء بدأ من عدم تحمّل اللوحات المكتوبة باللغة العربيّة ومن قبلها باللغة الكردية، وإزالتها، وصولاً لدعوات لمنع رفع الأذان بالعربيّة، والعودة لرفعه باللغة التركيّة، ومُرورًا بترحيل حتى المُقيمين الشرعيين العرب في البلاد، وأخيرًا حوادث الاعتداء المُتفرّقة ضد لاجئين عرب، يُحاول حزب “العدالة والتنمية” الحاكم عدم تبنّيها، ومُواصلة رفع شعار “المُهاجرين والأنصار”، وتحميل أحزاب المُعارضة التركيّة مسؤوليّتها، ومن خلال التركيز أن حملات ترحيل اللاجئين الحكوميّة تُسمّى حملات ترحيل طوعيّة وليست قسريّة، وإلقاء القبض عليهم وتسجيل انتهاكات بحقّهم، ما هي إلا تصرّفات فرديّة من رجال أمن سيُحاسبوا عليها، وليست أوامر عُليا، وذلك وفقاً للرئيس التركي ووزير داخليّته.
ركّزت وسائل الإعلام التركيّة مؤخراً، مثلاً على إبراز تعيين الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الجنرال متين غوراك رئيساً لهيئة الأركان، وتحديدًا تصدير مسألة إتقانه اللغة العربيّة، ومُشاركته العسكريّة في البُلدن العربيّة، في سياق عدّه البعض تخفيفاً أو ردًّا على الحملات التي تقول بأن الحزب الحاكم يتبنّى حملات العداء ضدّ العرب، ولكن ما يُميّز غوراك أيضاً بأنه كان مُوالياً لأردوغان ليلة الانقلاب الفاشل 15 تموز، وجرى القبض عليه بعد سيطرة “الانقلابيين” على مبنى هيئة الأركان، لذلك تعيينه قد يخدم توسيع دائرة الولاء للرئيس التركي في الجيش.
والي إسطنبول داود غل من جهته أكّد على ترحيل الأجانب المُنخرطين في الجرائم دون النظر في جنسيّاتهم، وأكّد بأن مُعدّل “تورّط الأجانب” في الجرائم في إسطنبول أقل بستّة أضعاف ممّا هو عليه بين المواطنين الأتراك، وفي مُحاولةٍ منه للتخفيف من تحميل اللاجئين والمُهاجرين اتّهامات مُتناسلة للفوضى، والجريمة، وانعدام الأمن، وأن سُلطات بلاده لا تُفرّق بين مُرتكبي الجرائم حسب جنسيّاتهم.
أمام هذا الخطاب الرسمي، عاملٌ وحيد ويتيم، قد يدفع الحكومة التركيّة لمُواصلة تبنّي خطاب عصري إنساني مع اللاجئين، والمُهاجرين العرب، مع الاعتراف الرسمي بتكثيف التحرّكات ضد “غير النظاميين” منهم، وهو الحِرص التركي على الموسم السياحي، والسيّاح العرب، وفي ذلك السّياق قال الرئيس أردوغان: “ليست لدينا أيّ مواقف سلبيّة تُجاه الذين يزورون بلادنا بغرض السياحة والاستثمار والتعليم والعلاج أو تُجاه الخاضعين لقانون الحماية المُؤقّتة”، وهو ذاته القائل: “موقف المُعارضة في بلادنا تُجاه السوريين الذين فرّوا من الموت ولجأوا إلينا وتطلّعوا إلينا كأنصار، ليس إنسانيّاً ولا إسلاميّاً”.
وما قبل الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة التركيّة، كان ثمّة اعتقاد بأن خسارة الرئيس أردوغان، وحدها من ستكون الطامّة للاجئين السوريين وترحيلهم واضّطهادهم، خاصّةً أن خطاب أحزاب المُعارضة الستّة المُنافسة للحزب الحاكم، كان شعارها صريحاً، وهو طرد اللاجئين من تركيا، ولكن بعد فوز أردوغان، ومع بدء حملات التفتيش على اللاجئين، والمُهاجرين، وتزايد انتهاكات الشرطة بحقّهم، يضع علامات استفهام حول تبنّي الحكومة التركيّة ذات الخطاب المُعادي ضد اللاجئين والمُهاجرين، بل كان لافتاً مُؤخّرًا خُروج حملة “إخوانيّة” على لسان رموز منسوبة لجماعة الإخوان المُسلمين منهم المذيع أحمد منصور والنائب الكويتي السابق وليد الطبطبائي وغيرهم، طالبت الرئيس أردوغان بالتدخّل، ووضع حدٍّ للانتهاكات التي تطال اللاجئين، وإلا سيهدم سمعته في العالمين العربي، والإسلامي، ويبدو بأن تلك الدعوات لم تجد آذاناً صاغية، خاصّةً أن حكومة الرئيس أردوغان لن تكون عاجزة عن وضع حدٍّ للانتهاكات التي تطال الإساءة للعرب، واللاجئين، حتى وإن كانت هذه الإساءات والحملات كما تقول محصورة بحملات دعائيّة مُعارضة لا تتبنّاها السلطات، وها هي تتخلى عن انصارهامن الاخوان السوريين كما تخلت من قبلها عن الاخوان في مصر وتونس.
لذلك فلماذا تحتجز السلطات التركيّة اللاجئين العرب في مراكز ترحيل وثّقها نشطاء بمقاطع فيديو، بأنها سيّئة السّمعة، ولا تصلح لاحتجاز حيوانات، ولماذا لم تتّخذ إجراءات صارمة بحق عرض مسرحيّة تضمّنت إساءات جنسيّة للخليجيين، جرى عرضها في ولاية تابعة للحزب الجمهوري المُعارض، واكتفت بتحريك شكوى من باب الالتزام بحق حريّة التعبير، على عكس مثلاً مُعارضين تطاولوا على شخص الرئيس أردوغان، وانتهى به الأمر مُعتَقلين بتهمة الإساءة للرئيس، تساؤلات مطروحة.
وما يُعزّز حالة تبنّي حكومة الرئيس أردوغان لحالة العداء السياسي للاجئين العرب تحديدًا، هو استناد البلديّات التركيّة دون استثناء لقانون البلديّات التركي الذي يحظر استعمال لافتات مكتوبة بغير التركيّة بنسبة تصل إلى 75%، ولكن القانون كان في الأدراج مُنذ سنوات طويلة ومع حالة الاستغلال السياسي للوضع التي كانت قائمة ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، وجرى نفض الغبار عنه الآن، كما أن القانون بشكلٍ لافت يشمل جميع اللغات غير التركيّة وليس العربيّة فقط، ومع ذلك لم يُطبّق إلا على اللافتات بالعربيّة التي جرى إزالتها، ما قد يُشير إلى استهدافٍ رسميٍّ واضحٍ للمُهاجرين العرب.
وفي حين لا يقبل الأتراك بقاء لوحات المحال باللغة العربيّة في بلادهم، يُريدون فرض لغتهم على الشمال السوري “المُحـ ـتل” والخاضع لفصائل مُوالية لتركيا والتي تُواصل الحكومة السوريّة التأكيد على ضرورة الانسحاب التركي منه، حيث أقدمت تلك الفصائل على تغيير اسم مدرسة ابتدائيّة من آمنة بن وهب، إلى “الشهيد التركي دوران كسكين”، وهو أمر أغضب السوريين، ودفعهم لإزالة الاسم، وأدّى لغضب شعبي سوري ضد حملة مجالس محليّة مُعينّة تركيّاً لتغيير أسماء والأماكن العامّة في الشّمال السوري.
يُذكر أن أرقام مُفوضيّة الأمم المتحدة السامية لشُؤون اللاجئين أشارت إلى أن تركيا تستضيف نحو 3.7 مليون سوري يتمتعون بـ ” الحماية المؤقتة” في تركيا، علاوة على 230 ألفاً آخرين حاصلين على الجنسية التركية، وتستضيف مدينة اسطنبول العدد الأكبر من اللاجئين، بمن فيهم أكثر من 530 ألف لاجئ سوري، وفق إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية.
آداربرس/خاص
ADARPRESS #