تُطالب المنظمات الموقعة الأمم المتحدة باتخاذ التدابير اللازمة من أجل إيجاد حلّ عاجل ومستدام لأزمة المياه في شمال شرق سوريا وتحييد الموارد المائية من التجاذبات السياسية والعسكرية
تعاني مناطق شمال شرق سوريا من أسوأ موجة جفاف منذ حوالي 70 عاماً، نتيجة التغير المناخي وقلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، واستخدام المياه كسلاح من قبل أطراف النزاع، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية القائمة، وترك آثار كارثية على المجتمعات المحلية.
يتمثل التحدي الرئيسي في أنّ الموارد المائية السورية مُقحمة بشكل كبير في النزاع المسلح الدائر في البلاد، حيث إنها لا تخضع لإدارة موحدة، بل تدار حسب سياسات الجهة التي تسيطر عليها، ففي حين تعمد الحكومة التركية والفصائل السوريّة التابعة لها إلى حرمان المدنيين في شمال شرق سوريا من حقهم في المياه، تقوم الحكومة السوريّة باستهداف وتعطيل محطات المياه التي تغذي مساحات واسعة من شمال غرب سوريا.
تركت أزمة المياه المتفاقمة والمستمرة في شمال شرق سوريا، آثار كارثية على حياة أكثر من 4 ملايين شخص، بينهم نحو مليون نازح داخلي، يعتمدون على موارد المياه للشرب والاستخدام اليومي والزراعة والصناعة، في ظل استمرار النزاع وتدهور البنى التحتية الأساسية. تقدر الأمم المتحدة أن ثلثَي محطات معالجة المياه في سوريا، ونصف محطات الضخ، وثلث أبراج المياه في سوريا تضررت منذ العام 2011.
أدت عوامل عدة إلى أزمة المياه الحادة التي يعاني منها سكان شمال شرق سوريا بشكل ملحوظ منذ أواخر العام 2020، بما فيها سلسلة الانقطاعات المتكررة في ضخ مياه الشرب من محطة علّوك للمياه في ريف رأس العين/سري كانيه. منذ سيطرة تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” على المنطقة في تشرين الأول/أكتوبر 2019، كنتيجة للعملية العسكرية التي أطلقت عليها اسم “نبع السلام”.
تعد محطة مياه علوك، التي شهدت خدماتها تكرار الانقطاع، المصدر الوحيد لمياه الشرب لحوالي 800 ألف شخص في شمال شرق سوريا، لا سيما سكان مدينة الحسكة وبلدة تل تمر والأرياف المحيطة بهما، بالإضافة إلى كونها المصدر الرئيسي لنقل المياه بالشاحنات لمخيمات الهول و العريشة و واشو كاني و سري كانيه (التي تضم عشرات الآلاف من النازحين داخلياً من محافظات ومناطق سوريّة مختلفة، بالإضافة إلى آلاف العراقيين والأجانب)، ذلك بحسب اللجنة الدولة للصليب الأحمر.
يُضاف إلى ذلك، المستويات المنخفضة بشكل خطير للمياه المتدفقة من تركيا إلى الجزء السوري من نهر الفرات، والذي يعتمد عليه أكثر من 5 ملايين شخص في سوريا بشكل مباشر كمصدر للمياه، وفقاً للأمم المتحدة. يؤثر ذلك على قدرة السلطات التي تتحكم بالمياه على خدمة المجتمعات، كما يؤدي التركيز العالي للملوثات في المياه إلى انتشار الأمراض.
يعد نهر الفرات أهم مصدر للمياه والكهرباء لشمال شرق سوريا وأجزاء أخرى من البلاد، لكن السلطات التركية فرضت قيوداً شديدة على تدفق المياه إلى الجزء السوري من النهر، منذ فبراير/شباط 2021، بأقل بكثير من 500 متر مكعّب، التي نصت عليها اتفاقية 1987 بين تركيا وسوريا.
وفي حين وقّعت الدول اتفاقيات ثنائية، لا توجد معاهدة شاملة أو طويلة الأجل بين تركيا، وسوريا، والعراق بشأن تقاسم المياه. لطالما اتهمت سوريا والعراق تركيا باستخدام هيمنتها على النهر كأداة سياسية، كما أشارت تصرفات تركيا ضمناً في بعض الأحيان إلى أن النهر فعلياً تركي.
تدعو المنظمات الموّقعة على هذا البيان الحكومة التركية إلى تقاسم الموارد المائية لنهر الفرات بشكل منصف مع سوريا والعراق، وضمان استمرار محطة علوك بضخ المياه إلى المجتمعات المحتاجة، بشكل كافِ ودون انقطاع، كما تُطالب جميع أطراف النزاع بالالتزام بواجباتها تجاه حق جميع السوريين/ات في الحصول على مياه كافية ومأمونة.
كما تُطالب الأمم المتحدة باتخاذ التدابير اللازمة من أجل إيجاد حلّ عاجل ومستدام لأزمة المياه في شمال شرق سوريا وعموم البلاد، وتحييد الموارد المائية من التجاذبات السياسية والعسكرية، ذلك من خلال:
إنشاء آلية مراقبة محايدة ومستقلة بشأن نهر الفرات وجميع الموارد المائية العابرة للحدود التي تشترك فيها سوريا وتركيا والعراق، تكون مهمتها مراقبة الالتزام بالاتفاقيات الموّقعة وقواعد القانون الدولي، ودعم حوار بين أصحاب المصلحة الرئيسيين للوصول إلى تسوية مستدامة تضمن استخدام المياه بشكل منصف ومعقول.
دعوة الحكومة التركية وأطراف النزاع الأخرى إلى الالتزام بواجباتها تجاه حقوق الإنسان واحترام حق جميع السوريين/ات في الوصول إلى مياه صالحة للشرب والاستخدام، وتحييد الموارد المائية من التجاذبات السياسية.
تعزيز الرصد والرقابة حول الانتهاكات المتعلقة بالحق في المياه، والسعي لتحقيق العدالة للضحايا: يجب على مجلس حقوق الإنسان ولجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، إدراج انتهاكات الوصول إلى المياه بشكل منهجي في تقاريرهما، وإثارة ذلك مع السلطات المختصة.
وضع استراتيجية للمنطقة بشأن تحديات المياه العابرة للحدود: يجب على الأمم المتحدة اتخاذ التدابير اللازمة لضمان حق المدنيين في شمال شرق سوريا في الحصول على مياه كافية ومأمونة، ومواجهة تحديات النزاع التي تؤثر على المياه السطحية والجوفية ونمو التربة والغطاء النباتي.
ضمان المشاركة الشاملة في إدارة الموارد المائية، والوصول إلى المعلومات، وتدابير الشفافية: يجب إنشاء منصات لإشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين، بما في ذلك المجتمعات المحلية وهيئات المجتمع المدني، في المشاورات أو السياسات ذات الصلة بإدارة موارد المياه، بما في ذلك العابرة للحدود، والعمل في الوقت نفسه على زيادة شفافيتها في الإبلاغ عن القضايا المتعلقة بإدارة الموارد المائية.
إعطاء الأولوية للحفاظ على الموارد المائية الحالية وتجنب نضوبها، الى جانب إعادة تأهيل بناها التحتية والبدء بعملية تنظيف وعلاج جميع الموارد المائية والأنهار الملوثة.
ADARPRESS #