دوام الحال من المحال، هذا ما تتحدّث به إستراتيجية رئيس النـ ـظام التركي رجب أردوغان، في مقاربته الجديدة للعلاقة بين كلٍّ من إسرائيل وحركة حماس، والتي كشفت تخليه عن الصراخ الأجوف بشعارات الدعم للقضية الفلسطينية، لصالح خطابٍ هادئ يغازل المخاوف الوجودية لإسرائيل، ويوائِم مدّاً من التضامن الغربي معها.
فما قبل الأزمـ ـة الاقتصادية التي عصفت وما تزال بتركيا ليس كما هي الحال عليه اليوم، ولن يكون كما بعدها، والمتاجرة الشعاراتية بدعم حماس ونصرة القضية الفلسطينية، لن تجلب لأنقرة سوى الحنق الإسرائيلي والغربي، في وقتٍ تشعر تل أبيب بتعاظم التهـ ـديد الوجودي، إثر هجوم حماس الأخير، الذي أربك حساباتها الأمنية والسياسية، والاقتصادية في آن معاً.
وبينما يراقب أردوغان على مضض تحوّل ولاء حماس لإيران، وانقضاء صلاحية استثماره فيها كبوابة لمكانة إقليمية، زعزعتها ما أثاره من توتـ ـراتٍ جيوسياسية، تبقى عينه على توطيد العلاقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتحالفه اليميني، طمعاً بدورٍ مهم لبلاده في نقل غاز شرق المتوسط عبر أراضيها، وهو ما ترجمه أردوغان بعد لقائه نتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال إن الطرفين سيبدأان التنقيب عن الطاقة معاً، ويشغلان خطوط نقل الطاقة إلى تركيا وأوروبا.
دون الضجيج الذي يغلف عادة مساعيه الدعائية أو السياسية، يقدم أردوغان نفسه لإسرائيل اليوم وقد انقلب على نفسه، فظهر بموقفٍ مهادن متجنباً المواجهات الكلامية على غير عادته معها، مبتعداً عن حماس ومساوياً بينها وبين تل أبيب، رغم عدم تناسب استخدام القوة العسكرية في المواجهات الأخيرة بين الطرفين، فاقترح أن تتولى بلاده الوساطة لوقف إطلاق النـ ـار، وهو اقتراح تجاهلته إسرائيل تماماً، كما تجاهلت حماس طلب أنقرة إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
والذي يعرف أردوغان جيداً يدرك أن موقفه الأخير من الأوضاع في غزة ليس استدارة عن دعمه المفترض للقضية الفلسطينية، بقدر ما هو انجلاءٌ لحقيقة براغماتيته التي تضعه في موقفٍ أكثرَ دعماً لإسرائيل، وذلك له ما يؤكده من الأرقام والإحصائيات عن حجم التعاون الاقتصادي والأمني بين الطرفين، كما أن تداعيات الأزمـ ـة الاقتصادية بتركيا ولجم خـ ـسائرها يتطلب من أردوغان أن يكون أكثر وضوحاً في إظهار قربه من تل أبيب، دون ترديد المزيد من الشعارات المناهضة لها، والمزايدة السياسية بمآسي الفلسطينيين.
ADARPRESS #
