العلاقات الكردية – العربية في سورياــ الأستاذ نصر الدين إبراهيم
الأستاذ نصرالدين إبراهيم
سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا(البارتي)
اعتمدت معظم الأنظمة المتعاقبة على سدة الحكم في سوريا سياسة ” فرق تسد ” من خلال زرع بذور الشقاق و نثر الأحقاد ونشر النعرات القومية و الدينية والفكرية , وذلك بغية ايجاد مسببات وهمية لخلق صراع عرقي و ديني و طائفي وحتى عشائري بين المكونات الوطنية في سوريا .
” بداية الدولة السورية ” كانت استمراراً لحالة التعايش السلمي بين شعوبها وأديانها و معتقداتها دون وجود أية حساسيات مبنية على اختلاف القومية والدين و الفكر . .. فكان أول شهيد سوري في وجه الانتداب الفرنسي كردياً , وكذلك أول رئيس لسوريا كان كردياً , كما كان هناك مسؤولون بارزون في الدولة السورية مسيحيين كفارس الخوري ” المسيحي البروتستانتي ” والذي تسلم لفترة وزارة الأوقاف في سوريا ناهيكم عن تسلمه رئاسة البرلمان و الوزراء في سوريا .
التفريق كانت سياسة تتبعها معظم الأنظمة للاستمرارية في الحكم , وليس لقناعتها بوجود خطر كردي أو غيره على كيان الدولة ,بل على العكس كانوا يرون في وحدة المكونات خطراً وجودياً بالنسبة لسلطتهم .
الفطرة السليمة كانت كفيلة بديمومة التعايش السلمي في المنطقة بكردها وعربها ومسلميها ومسيحييها وإيزيدييها بل وحتى يهودييها .
العلاقات الكردية – العربية ليست مسألة بهذه السهولة للإحاطة بها في دقائق معدودة , فهي باب له تشعبات وأرضية تاريخية وسياسية وسيكولوجية .
إلا أنه وللتبسيط بإمكاننا تقسيم العلاقات الكردية – العربية في سوريا إلى المراحل التالية التي مرت بها :
1- المرحلة العثمانية :
شهدت المنطقة تعايشاً طبيعاً بين مكونات المنطقة عموماً خلال مئات السنين من الحكم العثماني للمنطقة ” ذو الطابع القومي والمتخفي برداء الخلافة الإسلامية ” فمع عدم تمكن شعوب المنطقة ومكوناتها من التمتع بأي شكل من أشكال التمايز القومي السياسي ” كمفهوم الدولة العصرية أو الإمارات ذات الطابع السياسي ” لجأ العثمانيون إلى منح نوع من الحكم ” الإمارات ” هنا وهناك , والتي لجأت إليها السلطات العثمانية للحد من تنامي الثورات التي كانت تندلع ضدها بين الفينة والأخرى , فكانت في العهد العثماني نوع من الفيدراليات الإقطاعية أكثر من كونها متسمة بطابعها الجيوسياسي .
حينها تعايش الكرد والعرب في تلك المرحلة بعيداً عن الحساسيات العرقية فجمعهما الدين والجوار الجغرافي , ونتيجة للدين الاسلامي باتت اللغة العربية عاملاً محورياً في تعميق تلك العلاقة ولا سيما بين الكرد ذوو النفوذ ” الاقتصادي الاقطاعي أو البرجوازي أو العسكري أو الديني ” في العهد العثماني في مختلف مناطق سوريا كدمشق وحلب و حماه وغيرها , والذين استقروا هناك منذ العهد الأيوبي وإلى يومنا هذا .
في هذا العهد حدث تقارب واضح بين الكرد والعرب ” أو على الأقل لم تحدث أية حساسيات قومية ” نتيجة للضغوطات التي مورست بحقهم من قبل العثمانيين , في سياق التمييز العنصري .
2- مرحلة الانتداب الفرنسي :
إبان الثورة الصناعية في أوربا وما رافقتها في عصر النهضة من تطورات هائلة برز مفهوم الدولة القومية بشكلها الحديث , فبدأت القوميات والشعوب بتنظيم نفسها في دول مستقلة بذاتها , لها سيادتها الوطنية ولها عضويتها في عصبة الأمم , ونتيجة صراع الاستعمار الغربي في تلك المرحلة لجأت القوى العظمى حينها إلى وضع خرائط للمنطقة وفق معاهدات واتفاقيات دولية ملزمة لأطرافها , وذلك بالاستناد إلى مصالحها القومية … ونتيجة لذلك الواقع فقد تم تقسيم جغرافية كردستان بين أربع دول بما فيها سوريا بمعزل عن إرادة الشعب الكردي , فتم تشكيل سوريا الحديثة وفق معاهدة ” سايكس – بيكو ” الاستعمارية و المجحفة بحق الكرد , ولكن وكأمرٍ واقع اندمجت مكونات المنطقة في إطار هذه الدولة الحديثة , دون وجود أية أرضية تاريخية للصراع بين الشعبين العربي والكردي , بل على العكس فقد كانا في وحدة حال بآلامهم وآمالهم .
ففي ظل الانتداب الفرنسي كان أول قائد مدافع عن سوريا كردياً , و لم يلتفت إلى أية فروقات عرقية .
وكذلك في بياندور و عامودا , وفي جبل الكرد عفرين , والغوطة وفي ثورة هنانو ..
فلا تكاد تخلو مرحلة تاريخية من التاريخ السوري الحديث إلا وللكرد دور ايجابي ملموس فيه , ضاربين مثلاً رائعاً للوطنية وإيثار لذاتهم ولهويتهم القومية .
في هذه المرحلة بدأت بوادر التطرف القومي تظهر في سوريا مع تأثر النخب السياسية بالمد العروبي , و تأسيسها أحزاباً عربية بهذا المفهوم و رغم محاولتها خلق صراع كردي – عربي في المناطق الكردية , كما حدث إبان تحريضها لبعض العشائر بالهجوم على القرى الكردية عام 1945 م . إلا أنها فشلت في ذلك المسعى فلم تأخذ تلك المحاولة طابعاً قومياً , بل أخذت طابعاً عشائرياً في صراعها على النفوذ في المنطقة , فالتحالفات حينها ٍ كانت تحالفات عشائرية , فالكيكان والشمر والشرابيين, تحالفوا معاً ضد البكارة, وتحالفت (البينارعلي) مع (الجبور) ضد المرسينية … لذلك لم تتمكن تلك القوى الشوفينية من التأثير الحقيقي على العلاقات الوطيدة بين الكرد والعرب .
3- مرحلة الاستقلال :
كانت بداية الاستقلال عن الانتداب الفرنسي مبشرة بالوصول إلى دولة يتمتع الجميع فيها بالحرية والعدالة والمساواة بعيداً عن أية اعتبارات أخرى .
وفي هذا السياق قام الرئيس السوري ” شكري القوتلي ” برفقة وفد رفيع المستوى من دمشق ضم العديد من الوزراء وكبار مسؤولي الدولة السورية (فخري بك البارودي) ومحافظ الحسكة عبد القادر الميداني, وعدد من النواب العرب, والكرد , (حسن حاجو , سعيد آغا الدقوري, دهام الهادي, عبد الباقي نظام الدين, وسعيد اسحاق ) , وذلك بعد الاستقلال مباشرة عام 1947م بزيارة تاريخية للمناطق الكردية وبالتحديد لقرية جرنك وذلك تقديراً للكرد ودورهم الوطني في مرحلة الاستقلال , ولتقديم الشكر للشخصية الوطنية حسين أسعد ودوره البارز في دعم القوى الوطنية حينها .
إلى أن جاءت المرحلة المظلمة من تاريخ سوريا , وذلك ببروز دور القوى الشوفينية وتسلمهم لسدة الحكم في سوريا وسعيهم اللامحدود لصهر المكونات الوطنية السورية وفي مقدمتهم الشعب الكردي في بوتقة القومية العربية .
فوضعت لذلك أجندات مدروسة للوصول إلى أهدافها .
إلا أن الوعي القومي الكردي بمفهومه السياسي كان قد نضج حينها انطلاقا من حق الكرد الطبيعي بالتمتع بحقوقهم القومية في هذه الدولة الحديثة , و أيضاً كان للمناخ الديمقراطي والحريات النسبية دوراً في الدفع لتأسيس أول تنظيم سياسي كردي في سوريا عام 1957م .
فخاض الكرد نضالاً مريراً لنيلهم لحقوقهم المشروعة دون أية إساءة للعلاقة الأخوية بين الكرد والعرب وباقي المكونات , لا بل رفع شعار الأخوة العربية الكردية .
تعرض الكرد لضغوطات وملاحقات واعتقالات كبيرة في زمن الوحدة بين سوريا ومصر … وكان هناك نوع من التوجهات الرسمية للمكون العربي لخلق مضايقات للسكان الكرد من حيث رفع تقارير كيدية وغيرها .
لكن هذه الحالات لم تعمم بل بقيت في خانة الحالات الفردية أو الفئوية .
4- مرحلة البعث :
البلورة الحقيقية للعقلية العنصرية تجاه الكرد في سوريا كان بعد انقلاب حزب البعث عام 1963م وتسلمه السلطة , فقد كان برنامج البعث يستند بالأساس على العنصرية و الشوفينية كما هو واضح في دستور الحزب و مخطط محمد طلب هلال , والذي كان يعكس بالحقيقة جوهر هذا الحزب , فكان يتحرك على عدة محاور أهمها و أخطرها زرع الأحقاد في فكر المكون العربي بخطورة الشعب الكردي وارتباطاته مع الأعداء و مع اسرائيل وغيرها, ومن جهة أخرى التشكيك به دينياً وربطه بالإلحاد و غير ذلك , و سعى بكل جد إلى نشر هذه الأفكار من خلال منابره الرسمية في مخيلة أجيال متلاحقة , والتي كبرت وفي فكرها هذه الأفكار الخطيرة , وسعت بعد ذلك إلى تنفيذ مخططاتها العنصرية على أمل أن تلقى دعماً شعبياً من لدن هذه الأجيال التي زرع في مخيلتها الخطر الكردي المزعوم .
فكان تنفيذ الاحصاء الاستثنائي الجائز عام 1962م , والذي جرد بموجبه مئات آلاف الكرد من هويتهم الوطنية , بغية تغيير ديمغرافية المنطقة لاحقاً , ومن ثم التحضير لتنفيذ مشروع الحزام العربي الذي كان من أحد أهم أهدافه خلق شرخ كبير بين هذين المكونين الوطنيين .
قام النظام السوري خلال الأعوام 1973-1974م بتطبيق مشروع الحزام العربي , و شدد الخناق بكل الوسائل على الكرد , رغم كل ذلك لم ينجح النظام في مهمته هذه بالمعنى الحرفي بل فقط تمكن من ايجاد بعض المرتزقة حوله من خلال الكثير من الاغراءات المقدمة لهم , حتى هؤلاء كانوا يدركون لعبة النظام و هم يعلمون علم اليقين مدى إخلاص الشعب الكردي لوطنهم , ولكن كان ذلك مدخلاً لمصالحهم . وكان ذلك واضحاً في استثمارهم لأحداث قامشلو عام 2004م .و ما رافقتها من أعمال سلب ونهب وتخريب بإشراف وأوامر أمنية .
في الأزمة السورية حاول النظام التودد للشعب الكردي فقام بدعوة الأحزاب الكردية بشكل رسمي , كما قام بإلغاء المرسوم التشريعي 49 , أيضاً أصدر قراراً بتجنيس المجردين من الجنسية .
مخططات النظام خلقت الأرضية لإيجاد نوع من التشاحن بين فئات من الشعبين العربي والكردي , وذلك باستثماره لعاملين مساعدين في تلك المرحلة ” مرحلة الأسد الأب ” الأول هو اندلاع أحداث حماة , و نتيجة الفكر الديني والعروبي المتطرف لهذه الجماعة لم تقف الحركة السياسية الكردية إلى جانبها , فحاول النظام حينها الايحاء للرأي العام السوري تأييد الكرد له في حربهم ضد الإخوان المسلمين , فخلق ذلك ردود فعل سلبية للغاية لدى جماهير هذا التنظيم الراديكالي تجاه الكرد , الذين اعتبروا وجود مجندين كرد يؤدون الخدمة الالزامية في الجيش السوري بمثابة تأييد للنظام ضدهم .
أما العامل الثاني فكان استخدام النظام العراقي البائد الأسلحة الكيميائية ضد الكرد في حلبجة و خلال حملة الأنفال الوحشية والتي راح ضحيتها أكثر من 182 ألف شهيد …فتضامن الكرد في سوريا مع كرد العراق في تلك المحنة ومن بعدها في حرب الخليج إبان اندلاع انتفاضة آذار … حاول النظام الإيحاء للشارع العربي بأن الكرد خانوا العرب وساندوا احتلال العراق و محاولتهم اسقاط نظام صدام حسين … مستغلاً محبة عرب المنطقة لشخص صدام حسين .
هذه الخطوات ساهمت في الاساءة بدرجة محدودة للعلاقات العربية – الكردية حينها .
إلا أنه خلال تلك المرحلة كانت هناك أمثلة تعكس عمق العلاقة التاريخية بين الشعبين الكردي والعربي , حيث اشتركت عشيرة طي بممثلها محمد الفارس في قائمة الحركة السياسية الكردية والمتمثلة حينها بالبارتي في انتخابات الادارة المحلية عام 1972م .
كما تكرر ذلك في انتخابات عام 1998م حيث شارك ممثلون عن العشائر العربية في قوائم الأحزاب الكردية وكذلك بالنسبة لممثلي الشعب السرياني الآشوري .
كما أن المرة الوحيدة التي أتيح المجال للكرد لخوض الانتخابات بشكل ديمقراطي كان عام 1990م , حيث كانت القائمة الكردية تضم أيضاً ممثلاً عن المكون العربي … وحينها و بتلاحم الشعبين الكردي والعربي تمكن ممثلو الشعب الكردي من الفوز في الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب .
بعد وفاة الأسد الأب ومجيء الأسد الابن للسلطة حاول بشكل ما تخفيف الضغط تجاه الحراك السياسي عموماً بما فيه الحركة السياسية الكردية . إلا أن سقوط النظام العراقي و انتفاضة قامشلو كانتا نقطتين هامتين في سياسة النظام السوري .
5- مرحلة 2004م :
بمؤامرة مخطط لها وعقب مباراة لكرة القدم بين فريقي الجهاد والفتوة القادم من ديرالزور اندلعت انتفاضة قامشلو لتمتد خلال ساعات إلى كامل الجغرافية الكردية في سوريا لتصل لمناطق التواجد الكردي في حلب و دمشق , وحيث يتواجد الطلبة الكرد في الجامعات السورية .
دخل النظام السوري في حالة ارتباك كبيرة نتيجة هذا التلاحم المنقطع النظير للشعب الكردي على اختلاف مشاربهم السياسية , فحاول النظام التهدئة ولكن بدأ يعد لبرنامج خبيث يجهض من خلاله مفرزات انتفاضة قامشلو . وكان ذلك عقب مسيرة دعت إليها أطراف كردية إبان اغتيال الشيخ محمد معشوق الخزنوي , ليستثمر النظام هذه الفرصة ويأمر أتباعه من العشائر العربية و أعضاء حزب البعث بالهجوم على المحلات الكردية وسلب ونهب محتوياتها , فكانت تلك النقطة بداية لجملة من الممارسات العنصرية التي مورست بحق الشعب الكردي في سوريا في عهد الرئيس السوري الجديد بشار الأسد ومنها إصدار المرسوم التشريعي 49 الخاص بالعقارات , وكذلك الهجوم على المحتفلين بعيد نوروز بشكل ممنهج مما تسبب في استشهاد العديد من أبناء شعبنا الكردي .
6- مرحلة الثورة السورية 2011م :
مع انطلاق الثورة السورية الشعبية عام 2011م حاول النظام السوري التودد للكرد ومحاولة ابعادهم عن أية تحالفات مع المعارضة السورية , حيث أن القوى السياسية الكردية كانت الرائدة على مستوى سوريا من حيث الجماهيرية والتنظيم … فسارع النظام إلى إعادة الجنسية للمجردين منها وفق الاحصاء الاستثنائي الجائر عام 1962م , وإلغاء المرسوم التشريعي 49 , ووجه دعوة للأحزاب الكردية للقاء به في دمشق بشكل علني ورسمي .
كما كانت المعارضة تعمل في نفس الاتجاه على كسب الموقف الكردي لجانبه .
عموماً رغم ذلك كان أهم شعار للسوريين في خضم ثورتهم المسروقة ” واحد واحد واحد الشعب السوري واحد ” ليعلنوا بذلك فشل كل المحاولات الرامية من النظام أو القوى العروبية المتطرفة بخلق شقاق بين الشعبين الكردي والعربي … وبقي كذلك إلى أن تم تغيير مسار الثورة وتحول إلى صراع مسلح ذو طابع ديني طائفي للوصول إلى السلطة لا من أجل التغيير الديمقراطي الحقيقي في البلاد .
وكان الكرد ضحية لكل من النظام والمعارضة المختلفان في كل شيء إلا في عدائهما للكرد , وأثر ذلك على سلوك قطاع لا بأس به من الشارع العربي , ولا سيما في المناطق الكردية المحتلة من قبل تركيا , حيث يعاني الكرد الأمرين على أيدي مرتزقة الفصائل الارهابية المسلحة وجزء كبير من عوائلهم التي استوطنت في مساكن الكرد في عفرين وكري سبي وسري كانيه .
7- مرحلة الإدارة الذاتية :
كانت هذه المرحلة من المراحل الاستثنائية التي ساهمت في ترسيخ التآخي بين مختلف مكونات شمال وشرق سوريا ولا سيما بين الشعبين الكردي والعربي , حيث أن أهم مبادئ و أركان الإدارة الذاتية كانت أخوة الشعوب , وما المشاركة الواسعة من قبل مختلف مكونات المنطقة في مؤسسات الإدارة المدنية والعسكرية سوى ترسيخ لحالة الوفاق والوئام بين شعوب المنطقة .
موقف الحركة السياسية العربية من الشعب الكردي :
لم تعترف أية حركة سياسية عربية بوجود الشعب الكردي في سوريا على أرضه التاريخية , وكان أكثرها ايجابية الاعتراف بالوجود الكردي وحل القضية الكردية في سوريا حلاً ديمقراطياً عادلاً كما كان موقف حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي وكذلك هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي , فالعديد من هذه القوى كانت دائماً لديها مخاوف أو أوهام من وجود خطر كردي محدق , وربما كان للنظام يد في ذلك من حيث تحويلها إلى أحزاب ولائية في العديد من القضايا من بينها القضية الكردية … كما كانت هناك أحزاب تحاورنا سراً في الخفاء , وأكثر ما كان في مقدور تلك الأحزاب هو الدعوة الخجولة للمطالبة ببعض الحقوق الثقافية للكرد .
رغم أن بعضها في مرحلة ما دعمت الكرد بشكل ما في حق التظاهر كما حدث عام 1955م حيث خرج الكرد في تظاهرة جماهيرية أما مبنى مديرية المنطقة , وذلك بدعم مباشر من الحزب الشيوعي السوري مطالبين فيها بحقوق الكرد الثقافية .
فوجود مثل هذه الأحزاب وبالرغم من محدودية تضامنها مع الكرد وحقوقهم إلا أنها كانت بشكل ما عامل تقارب بين الشعبين الكردي والعربي .
إلا أن الموقف الأبرز كان لحزب العمل الشيوعي الذي أكد صراحة على حق الشعب الكردي في تقرير مصيره , و دعا إلى أن يكون الشعب الكردي منطلقاً لإحداث التغيير الجذري في البلاد … وربما كانت هذه المواقف وغيرها سبباً في قمع هذا التنظيم بيدٍ من حديد .
أما الأخوان المسلمين كتنظيم و بسبب عقيدته السياسية ونظراً لعلاقته بالنظام العراقي الأسبق و استنادً إلى تخطيط النظام السوري إلى جانب تطرفه الديني … كانت مواقفه متشددة جداً تجاه الشعب الكردي .
موقف الحركة السياسية الكردية من الشعب العربي :
الحركة السياسية الكردية وفي أحلك الظروف لم تنادِ سوى بشعارها الأوحد ” النضال من أجل تعزيز التآخي بين الشعبين الكردي و العربي وباقي المكونات ” , أي أن الشعب الكردي وحركته السياسية لم يدخلوا في ردود فعل تجاه ما يمليه النظام السوري على بعض فئات الشعب العربي لخلق حالة من القطيعة بينهما .
موقف العشائر الكردية والعربية من العلاقات الكردية – العربية:
لعل أهم صورة واقعية تعكس حقيقة العيش المشترك و تآخي الشعبين الكردي والعربي هي تلك العلاقات التي لا يشوبها شائبة بين العشائر العربية والكردية , وكان ذلك جلياً في العديد من التجارب التي مرت بها المنطقة , آخرها أحداث دير الزور وفتنتها المفتعلة , حيث أثبتت العشائر أنها أكبر من أن تقع في مصيدة النظام وأعوانه بخلق شرخ بين الكرد والعرب وما حدث لم يغد أكثر من كونه تصرف من قبل بعض المأمورين .
الخلاصة :
ونتيجة لما سبق نصل إلى نتيجة مفادها ان العلاقات الكردية – العربية في سوريا , ورغم كل تلك الأيادي الآثمة بقيت راسخة و وطيدة , لتعلن بذلك فشل كل المحاولات الرامية لضربها و خلق شرخ عنصري بين الشعبين الكردي والعربي .
العلاقات الكردية – العربية وباقي المكونات والمبنية على الاحترام المتبادل واعتراف كل طرف بحقوق الطرف الآخر … كل ذلك يعتبر صمام أمان للسلم الأهلي و التعايش الأخوي في المنطقة وعموم البلاد .