ضحالة الخلافات بين المجلس الوطني الكوردي والإدارة الذاتية

لو مارس الطرفين السياسة بدل التحزب، لما تعمقت الخلافات بينهم وبلغت حد التخوين، ولما ضعفت حضورهم بين القوى المتحالفة معهم، ولما أبتعد الشارع الكوردي عنهما يوما بعد آخر.
ممارسة الحزبية سهلت تحكم قوى الاحتلال عليهم، وسهلت تغلغل الانتهازيين والمفسدين بينهم. وهي التي ساعدتهم ليصبحا طرفي الاستقطاب الكوردي، ليس لأنهما يقدمان الأفضل للشعب، بل لأنهما الأنسب للقوى المتربصة بالشعب الكوردي، والذين يعملون المستحيل ليحافظوا على شرخ الخلافات بين المجتمع، علما هناك حراك سياسي وثقافي أوسع معرفة وأدرى منهما، مع ذلك لا صوت لهم، والغريب أن التبريرات لهذه الحالة تنشر حسب متطلبات بعض القوى المخفية والتي لا تريد الخير للقضية الكوردية، وسيأتي يوما، وفيما إذا استمروا على هذه المنهجية، حيث تعميق الخلافات، وتصعيد لغة التخوين بين المجتمع، سيحاسبون عليه بما فعلوه بالشعب والقضية، فالتاريخ لا يرحم.
جدلية المصالح الحزبية، واضحة لدى الشارع الكوردي قبل الحراك الواعي، وعلى الأرجح بين معظم جماهير قطبي الاستقطاب أيضاً (المجلس الوطني الكوردي وأحزاب الإدارة الذاتية وعلى رأسهم الـ ب ي د) المعضلة هي ذاتها بين قطبي جنوب كوردستان والمترسخة منذ عقود دون بلوغ حل يفيد القضية القومية، لكننا هنا بصدد غرب كوردستان، والتي تبرز بشكل واضح سيادة خلافاتهم الحزبية على المصلحة القومية، وحيث غياب الوعي السياسي والذي على أسسه كانت إمبراطوريتي الحرب الباردة أبقت أبواب الحوارات مفتوحة، طوال صراعهم الإيديولوجي. فممارسة السياسة، وخاصة الواعون فيها، ينتقلون بين ليلة وضحاها من أعداء اليوم إلى عقد تحالفات إستراتيجية. وهو ما يتوجب على الطرفين الكورديين ممارسته، وتجاوز المنهجية الحزبية التي تنسيهم سلبياتهم وتنكر إيجابيات الطرف الأخر، ويتطلب منا وعلى هذا المبدأ الحوار بشكل يومي والمطالبة المستمرة، على أمل تغيير المفاهيم وخلق بيئة ملائمة للتحالف، خاصة وأن أغلبية المتسلطين على القطبين نادرا ما يحملون كتابا لتوعية الذات طوال السنة، ونادرا ما يدرسون تجارب تاريخ حركات التحرر القومية.
فالأمثلة التالية، تبين ما نحن بصدده، وهي من الإشكاليات التي يمكن التوقف عندها كبداية لحوارات سياسية، والتي ربما لا ينتبه إليها معظم قيادة وأعضاء الطرفين، وهي أن:
1- الإدارة الذاتية، وتحت منهجية الإيديولوجية الأممية، والتخلي عن البعد القومي الكوردي، والتي نواتهم كتنظيم، قيادة وكوادر، يتكون من أبناء الشعب الكوردي؛ قبل أن تنتشر بين مجتمع الجزيرة بشكل عام، مع ذلك تتعامل مع القوى العربية في المنطقة بكل ديمقراطية، ومن النادر التعدي على تجاوزاتهم، ولا شك هي حالة صحية، لكنها بالمقابل تحاسب الأطراف الكوردية المعارضة على كل هفوة، أو انتقاد، ومعاملتهم لأحزاب المجلس الوطني الكوردي وللمجلس بشكل خاص، تكاد تنعدم فيها المعايير الديمقراطية، لكن وللأسف كثيرا ما تستخدم المنهجية الدكتاتورية معهم.
2- المجلس الوطني الكوردي، رغم أنها تساير الـ ب ي د على إنكارها لبعدها القومي، وتتعامل معها كحراك كوردي في البعد العملي وتطلب منها المعاملة على أسسها، وتنكرها في البعد النظري، تهاجمها أكثر مما تهاجم النظام والمنظمات التكفيرية المدمرة للمناطق الكوردية المحتلة. فمقابل كل نقد بسيط للمنظمات المدعومة من المحتل التركي، يتم التهجم وبشكل منظم وواسع على كلية الإدارة الذاتية ودون دراسة للأبعاد السياسية والظروف الجارية ومؤامرات القوى المحتلة لكوردستان، وتتناسى أن الإدارة ورغم انتقاداتنا المستمرة لها، سمحت لها بفتح مكاتبها في جميع المدن، ولها قاعات لكل المناسبات، وتقيم مؤتمراتها ودون رخص، وتعقد ندوات وحفلات في جميع المدن والقرى ضمن مناطق الإدارة الذاتية، ولا شك بعضها تتعرض إلى الاعتداءات، المرفوضة كليا، في الوقت التي لا نسمع لهم صوت في المناطق المحتلة، كما وأن المنظمات التكفيرية المعارضة تمنع من فتح حتى ولو مكتب وحيد لهم في عفرين أو في غيرها من المدن الكوردية، ويحظرونهم من إقامة أية ندوة عن الكورد أو حتى محاضرة في أي مجال كان، خاصة فيما إذا كان المجلس الوطني عرابها.
من المؤلم القول: بأنه يتبين على أنهما بدأوا يخرجون جيل من الحزبيين مبدعين في التهجم وتوسيع الخلافات وبحجج تكاد تبين من وجهها الأولي على أنها منطقية، لكن في الواقع تعكس بداية ثقافة حزبية غارقة في الضحالة السياسة وتعدم أي أمل في بناء التحالف القومي الوطني الكوردي المطلوب في هذه المرحلة المصيرية.
فكيف لنا أن نتعامل مع هذه المنهجية الضحلة؟
هل بمساندتهم وتوسيع شرخ الخلافات، على بنية الوقوف مع جانب والتهجم على الجانب الأخر تحت منطق عدم السكوت عن الحق؟ وأين هو الحق؟ أليس كلاهما عبثوا به، حتى ولو كانت على سويات مختلفة لكن المقاييس أيضاً مختلفة.
أم البحث عن الوطن، وحاضر أمتنا في خضم مراحل التحرر القومي، والتي من النادر أن تتكرر مثل هذه الفرصة، أم المطلوب هو التركيز على التآلف، من خلال الكتابة اليومية والحوارات، وغيرها، إلى أن ندخل مرحلة تشكيل الدولة؟

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
ADARPRESS #