سياسة تركيا المزدوجة اتجاه إخوان تونس
توجهت أنظارهم فورا إلى تركيا لمتابعة تعليقها عما جرى في تونس يوم الخامس والعشرين من الشهر الماضي، ويعود ذلك إلى جملة أسباب، لعل أهمها:
1- العلاقة الشخصية المتينة بين الرئيس التركي وبين رئيس حركة “النهضة” الإخوانية، راشد الغنوشي، وهي علاقة قديمة مرت بالعديد من الأطوار، قبل أن يعود “الغنوشي” إلى تونس عقب ثورة 2011، ويدعو في أول تصريح له إلى الأخذ بنموذج حزب “العدالة والتنمية” التركي في الحكم، ومن ثم يصل إلى رئاسة البرلمان ويقوم بسلسلة زيارات سرية وعلنية إلى تركيا، ويضع الإسلام السياسي في مواجهة القوى الوطنية التونسية، ويجعلها محددا للسياسة الخارجية التونسية، بالمخالفة للدستور والإرادة الوطنية.
2- سابقة الموقف التركي من ثورة “30 يونيو” في مصر ضد حكم الإخوان عام 2013، فحينها رفع الرئيس التركي الصوت عاليا ضد ثورة الشعب المصري، متعهدا بتقديم الدعم اللازم لعودة ما أسماه وقتها بـ”الشرعية” إلى الحكم، أي إعادة الإخوان، كل ذلك قبل أن يغير بوصلته السياسية ويرسل رسائل غزل إلى مصر ويطلب فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
3- الإحساس التركي بخسارة كبيرة وتلقي ضربة قوية، لا لأن حركة “النهضة” كانت الحليف الأقوى بين جماعات الإسلام السياسي لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، ولا لأن “أردوغان” هو الصديق الشخصي لـ”الغنوشي”، بل لأن ما جرى في تونس كان بمثابة النهاية الرسمية لحكم الإخوان في العالم العربي، وهزيمة لمشاريع باقي الجماعات الإخوانية، التي راهنت تركيا عليها طويلا لفرض مشروع وحلم ما يسمى “العثمانية الجديدة” في المنطقة تحت عناوين كثيرة، فما جرى لـ”النهضة” في تونس شكّل ضربة للمشروع الإقليمي التركي.
وأتساءل، ما الموقف الحقيقي لتركيا مما جرى في تونس؟
بداية لا بد من القول إن الموقف التركي اتسم بالحذر الشديد، إذ بدا للخارج كأنه غير مبال كثيرا بما جرى، ولكن من يدقق فيه لا بد أن يقف عند مستويين، على شكل توزيع مدروس للأدوار، والرسائل السياسية المراد إيصالها إلى الجهات المعنية، وهي على النحو التالي:
الأول، وهو المستوى الدبلوماسي، وقد تجسد في موقفي الرئاسية ووزارة الخارجية، إذ كان لافتا بعد صمت الرئيس التركي لأسبوع ذلك الاتصال الذي جرى بينه وبين نظيره التونسي، قيس سعيد، وتأكيده “الشرعية والديمقراطية والاستقرار”، وحديثه عن أهمية استمرار عمل البرلمان، ولعل السبب الرئيسي لصمته قبل هذا الاتصال هو الخشية من الوقوع في خطأ ما حصل خلال ثورة “30 يونيو” في مصر، فالتوقيت حساس جدا له، إذ جاء بالتزامن مع سعيه لتحسين العلاقات مع مصر ودول الخليج العربي، وعليه، فإن حساباته إزاء ما جرى في تونس تبدو حذرة للغاية، وتأخذ مستقبل العلاقة مع العالم العربي بعين الاعتبار، خلافا لسياسته السابقة التي راهنت على دعم الإخوان انطلاقا من البعد الأيديولوجي المشترك.