بعد أحكام مشـ ـدّدة ضد قيادات كردية.. صيف سـ ـاخن تنتظره تركيا
أكراد يحملون صورة الزعيم الكردي المسـ ـجون صلاح الدين دميرتاش الذي صدر ضـ ـده حكم بالسـ ـجن لمدة 42 سنة (الفرنسية)
الأحكام المشددة التي أصدرتها محكمة أنقرة مؤخرًا بحقّ عدد من السياسيين، والبرلمانيين، والناشطين الأكراد تمثل نقطة النهاية لمسار تحقيق الأمن والسلام في الداخل التركي الذي بدأه الرئيس أردوغان في عام 2009، لتنهي بذلك آمال الأكراد في إمكانية الوصول إلى نقاط توافق مع الحكومة التركية، يتم بموجبها إغلاق ملف المواجهات المـ ـسلحة الدائرة بين الطرفين منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، مما أدّى إلى مقـ ـتل عشرات الآلاف من المواطنين.
47 اتـ ـهامًا !
ففي مفاجأة لم يتوقّعها حتى أكثر المتشائمين من السياسيين الأكراد، قررت المحكمة معاقبة السياسي والبرلماني الكردي والرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش بالحبس لمدة 42 سنة، بعد اتهامه بـ 47 اتهامًا، من بينها الارتباط بحزب العـ ـمال الكردسـ ـتاني، وإهـ ـانة الرئيس، إضافة لعشرات الجنح والجـ ـرائم الأخرى.
والحكم بحبس شريكته في رئاسة الحزب فيغين يوكسكداغ لمدة 30 عامًا، و3 أشهر، بتهم السعي لزعـ ـزعة وحدة الدولة، والتـ ـحريض على أعمال إجرامـ ـية وتـ ـخريبية، والمشاركة في الدعاية لمنظمة إرهـ ـابية.
بينما حكم على أحمد تورك رئيس بلدية ماردين السابق بالحبس 10 سنوات، بتهـ ـمة الانتماء لمنظمة إرهابـ ـية مسـ ـلّحة، في إشارة إلى حزب العـ ـمال الكردسـ ـتاني الذي تصنّفه تركيا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي منظمة إرهـ ـابيّة.
وتجنّبًا لخروج تظاهرات شعبية للتـ ـنديد بالأحكام، فرضت السلطات المحلية حظرًا على التجمّعات والتـ ـظاهرات لمدّة أربعة أيام في كل من ديار بكر، ماردين، سيرت، بيتليس، فان، آغري، شيرناق، باتمان، هكاري، قارص، وهي المناطق ذات الأغلبية الكردية في شرق وجنوب شرق تركيا.
ردود فعل داخلية وخارجية
منع التـ ـظاهرات ضـ ـد الأحكام لم يمنع ردود الفعل الواسعة النطاق على الصعيدَين: الداخلي والخارجي، والتي اتّسمت في معظمها بالغـ ـضب الشديد المشوب بالدهشة والرفض، واتّفق الجميع على أن الحكم لا يستند إلى دوافع قانونية حقيقية، وأن دوافعه سياسية بحتة.
ووصف سياسيون وناشطون أكراد الأحكام الصادرة من محكمة أنقرة بأنها وصمة عـ ـار سوداء ستظلّ تلاحق مسيرة النظـ ـام القضائي التركي مدى الحياة، بينما أعرب الرئيسان المشاركان لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب، وريث حزب الشعوب الديمقراطي، في بيان لهما عن رفضهما هذه الأحكام، حيث اعتبراها “مذبـ ـحة قانونية” تستهدف محو السياسيّين والثوريين والديمقراطيين الأكراد من المشهد السياسيّ للدولة التركية.
أوزغور أوزيل رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكثر السياسيين الأتراك تأييدًا للقضية الكردية، انتقد بشدة الحكم الصادر بحق كل من دميرتاش ويوكسكداغ، مؤكدًا أن قضية “كوباني” التي حوكما بسببها هي قضية سياسية بامتياز.
وعلى الصعيد الخارجي، توافقت وجهة نظر غونول تول مديرة برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط بواشنطن مع ما ذهب إليه أوزيل، إذ أكدت أن القضية سياسية، وأن دميرتاش يدفع ثمنًا باهظًا لتصريحات سبق أن أدلى بها ضد أردوغان عام 2015، حينما أعلن:” لن نجعل منك رئيسًا مرة أخرى”، مدللة على هذا الطرح بأنّ القضية التي يعـ ـاقب عليها دميرتاش في 2024 وقعت أحداثها في 2014، وتم فتح تحقيق بشأنها بعد ذلك بستّ سنوات كاملة، أي في 2020!!.
التشكيك في منـ ـظومة العدالة
بينما أكّد مقرّر تركيا في الاتحاد الأوروبي ناتشو سانشيز أنّ تأثير هذه الأحكام سيكون سلبيًا على الملف الاقتصادي لأنقرة، وإضعاف مصداقية القضاء التركي، بل ومصداقية الدولة التركية نفسها، مما سيؤدّي حتمًا إلى إحجام رؤوس الأموال عن التواجد في بيئة تدور الشكوك حول منظـ ـومة العدالة فيها.
مشيرًا إلى ضياع الجهد الذي بذله مؤخرًا وزير المالية والخزانة التركي محمد شيمشك خلال اجتماعاته مع اقتصاديين من دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل؛ بهدف الترويج لاقتصاد بلاده، وإقناع المستثمرين الأوروبيين بضخّ المزيد من أموالهم فيه.
قد تبدو المسألة أكثر تعقيدًا مما أشار إليه المسؤول الأوروبي، فتداعيات صدور مثل هذه الأحكام المشددة، وبهذا العدد الهائل من سنوات الحبس، ستتخطى – دون شك – الملف الاقتصادي إلى ملفات لا تقلّ عنه أهمية، خاصة أنها جاءت في سياق سياسة جديدة، أعلن عنها الرئيس أردوغان، تنطلق من مبدأ المصالحة، وإعادة ترميم الجبهة الداخلية للبلاد التي تضرّرت بشدة جراء الدعايات العـ ـدائية التي تم انتهاجها خلال الاستحقاقات الانتخابية التي مرّت بها البلاد مؤخرًا.
المصالحة التي بدأها أردوغان باستقبال زعيم المعارضة أوزغور أوزيل في مقر حزب العـ ـدالة والتنمية، وإعلانه عن نيّته القيام بزيارة مقرّ حزب الشعب الجمهوري، الأمر الذي أشاع حالة من التفاؤل والأمل داخل الأوساط السياسية التركية، بمن فيهم السياسيون الأكراد، في إمكانية التوصل إلى حلول منطقية للقضايا العالقة في المجتمع، التي لا تزال تهـ ـدد أمنه وسلامته.
ADARPRESS #