تقاريرمانشيت

تركيا تـ ـعوّل على “التركمان” في تكـ ـريس سيـ ـطرتها داخل سوريا


دأبت تركيا في اليوم الأول لتدخلها في الأزمة السورية على استخدام مقاتلي الفصائل السورية الموالية لها في تنفيذ أجنداتها في مختلف مناطق العالم، لتتحول أداة بيدها تستخدمها ضد خصومها السياسيين والعسكريين والاقتصاديين، وخاصة في سوريا.
عملت الدولة التركية على التدخل المباشر في سوريا، بعد فشل كل رهاناتها على أدواتها في تمرير مشاريعها على الجغرافيا السورية، فبدأت في عام 2016 بتشكيل ما أطلقت عليه اسم “الجيش الوطني السوري” الذي ضم عدة فصائل معارضة، لتحارب بأمرتها وبموجب تعليماتها، وكانت البداية من خلال عملية ما تسمى “درع الفرات” التي سيطرت فيها على مناطق “جرابلس، الباب، وإعزاز”، بذريعة تحريرها من تنظيم “داعش” الإرهابي، إلا أنها فرضت سيطرتها عليها، واعتبرها العديد من المراقبين أنها “احتلال مباشر للأراضي السورية”، وأقامت فيها مجالس محلية تابعة لها، إضافة إلى إنشاء جهاز أمني سمي “الشرطة العسكرية”، وكذلك رفعت الأعلام التركية فوق مباني المؤسسات التي شكلتها.
إلا أن ديدن الحكومة التركية تمثل في التمييز في فصائل المعارضة السورية التابعة لها، ففضلت الفصائل التركمانية على غيرها من الفصائل، وسلمت قيادة الهياكل العسكرية والأمنية والمدنية التي أنشأتها إلى شخصيات تركمانية ومنحتها كامل الصلاحيات في اتخاذ القرارات التي تناسبها، على غرار ما حصل بتسليم رئاسة ما تسمى “الحكومة المؤقتة” إلى التركماني “عبد الرحمن مصطفى”.
فيما عملت بعد احتلالها لمنطقة عفرين في مارس/ آذار 2018، إلى إنشاء حزام أمني تركماني على حدودها مع عفرين، حيث استقدمت معظم التركمان في سوريا، وتم توطينهم في القرى الحدودية الكردية على الشريط الحدودي مع أراضيها، ما اعتبرته عدة جهات سياسية أن تركيا لا تأمن جانب الفصائل السنية العربية، وتخشى من انقلابها عليها، فيما الفصائل التركمانية مرتبطة حتى العظم بالدولة التركية، وترفع أعلامها وتدين لها بكل شيء وعبرها تم نشر التعليم باللغة التركية، فهي الأداة الضاربة لها في الشمال السوري.
الفصائل التي تطلق على نفسها “فرقة السلطان مراد”، فرقة السلطان سليمان شاه” المسماة بـ”العمشات”، “فرقة الحمزة”، “لواء محمد الفاتح”، غالبيتها تضم عناصر تركمانية تنحدر من مناطق مختلفة من سوريا، وخاصة من ريف حلب الشمالي وجبل التركمان في اللاذقية وريف حمص، وكذلك من دول أوزبكستان، وإقليم الإيغور الصيني. وهي تحمل العقيدة التركية، وتسعى تركيا من خلالها إلى ضم المناطق التي تحتلها في الشمال السوري، وخاصة عفرين، إلى أراضيها، حسب الرئيس المشترك لمقاطعة عفرين “بكر علو” في حديث له مع وكالة “هاوار” للأنباء.
شرعت تركيا منذ اليوم الأول لفرض سيطرتها العسكرية على عفرين، إلى تغيير ديمغرافيتها، عبر نشر الاستيطان وبناء المستوطنات، بالتعاون مع المنظمات والجمعيات التركمانية والإخوانية المنتشرة في عدة دول عربية وأجنبية، وبتمويل من دولة قطر. وتمكنت من توطين العوائل التركمانية في منازل مهجري عفرين القسريين، حيث أنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى لإطباق احتلالها على عفرين، استوطنت /300/ عائلة تركمانية في قرية “كفرجنة” التي تقع شرق مدينة عفرين بمسافة /15/ كم، و/900/ في ناحية “شرّا/ شرّان” شمال شرق عفرين، إضافة إلى /800/ عائلة في ناحية “بلبله/ بلبل” شمال عفرين، وأكثر من /300/ عائلة في مركز ناحية عفرين. وهناك بعض القرى تستوطن فيها عوائل الفصائل التركمانية بالكامل، مثل قرية “برآفا/ بعرافا/ علي بازنلي” التي تسيطر عليها ما تسمى “فرقة السلطان مراد” ووطنت فيها عوائلها، ولم تسمح لأهالي القرية الكرد الأصلاء بالعودة إلى منازلهم.
وتعمل حكومة أردوغان على استخدام ورقة التركمان لاستهداف الكرد، إضافة إلى استخدام المسلحين التركمان كحزام أمني لدرء الخطر الكردي على الجنوب التركي، وفق مزاعمها. فيما قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “جون كيري” في حديث له رداً على المزاعم التركية أن أمنها القومي مهدد من قبل الإدارة الذاتية والكرد بأن “نحو 75 بالمئة من الحدود التركية مع سوريا مؤمنة بسبب سيطرة الأكراد على تلك المنطقة، مما يشكل منطقة عازلة تمنع دخول عناصر تنظيم “داعش”.
وعمدت تركيا على إرسال عناصر الفصائل العربية السنية إلى جبهات قتالها المختلفة في العالم، فزجت بهم في ليبيا لتحارب إلى جانب “حكومة الوفاق” التابعة لجناح حركة “الإخوان المسلمين” في ليبيا، إلى جانب إرسالهم إلى أذربيجان للقتال ضد الحكومة الأرمنية، وفي الآونة الأخيرة أرسلتهم إلى النيجر للقتال إلى جانب قوات “فاغنر” الروسية. وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن تركيا أرسلت نحو /1000/ عنصر من تلك الفصائل للقتال في النيجر، وجلهم من عناصر الفصائل العربية دون التركمانية.  وبحسب “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، فإن شركة “سادات” التركية “مسؤولة عن النقل الجوي الدولي للمرتزقة بمجرّد عبورهم” من سوريا الى الأراضي التركية، إلى كلّ من ليبيا وأذربيجان.
وتستغل تركيا تردي الأوضاع المعيشية ضمن مناطق سيطرتها، لتجنيد الشباب العاطلين عن العمل وتحويلهم إلى “مرتزقة” يشاركون في عمليات عسكرية تخدم مصالحها خارج الحدود السورية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وفي شهادات عديدة للمرصد مع عناصر من “الجيش الوطني السوري” نقلوا للقتال في النيجر، أبدوا تذمرهم من الحال التي أقحموا فيها، وأن تركيا “تتاجر بدمائهم على حساب مصالحها، ولا تهتم بهم بعد وصولهم إلى النيجر، بل يعملون تحت أمرة قوات “فاغنر” الروسية” وأنهم تم إغراؤهم بالأموال، حيث من المفترض أن يستلم كل عنصر نحو /1500/ دولار أمريكي، بعقد يوقعه صاحبه مع شركة “سادات” لمدة ستة أشهر”.
إن هدف تركيا من عمليات تجنيد المقاتلين من الفصائل السورية العربية التابعة لها، هو التخلص منهم، خاصة بعد حالات الفلتان الأمني في مناطق سيطرتها، والاقتتال اليومي بينها على المسروقات وتهريب المخدرات، وازدياد حالات اختطاف المدنيين مقابل تحصيل فدى مالية من ذويهم، وتكريس سيطرة الفصائل التركمانية. وفي حركات الاحتجاج الأخيرة التي اندلعت في الريف الشمالي لحلب، وانحياز بعض الفصائل العربية لحركة الاحتجاج، وقفت الفصائل التركمانية ضد المحتجين واستخدمت الرصاص الحي ضد المتظاهرين الذين أحرقوا الأعلام والسيارات التركية، وأعادت رفع الأعلام التركية فوق المباني والمؤسسات والمعابر في المنطقة.
سياسات تركيا وممارساتها اليومية على الأرض في سوريا، لا تشير إلى نيتها الانسحاب من الأراضي التي تسيطر عليها خلال وقت قريب، بل تسعى بكل قوتها إلى تكريس واقع “الاحتلال”، وفق بعض المراقبين، وتغيير هوية المناطق التي تسيطر عليها، لتعمل في وقت لاحق إلى إلحاق تلك المناطق بأراضيها، ضمن مشروعها المسمى “الميثاق الملّي”.

آداربرس/خاص

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى