معـ ـضلة المصالحة بين أنقرة ودمشق
بعد سلسلة من التصريحات الصادرة من الجانب التركي، التي نوّنت مؤخراً بالمزيد من الاصرار على تطبيع العلاقات مع دمشق، جاء الرد السوري مشروطاً بانسحاب القوات التركية من شمال البلاد. لكن الرد تضمن أيضاً فقرة مهمة للغاية وتعمدت وزارة الخارجية في ختام نص بيانها بتقسيمه إلى شطرين لتوضح فيها رسالة جادة لتركيا وهو “مكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سوريا فقط، بل أمن تركيا أيضاً”، هذا في حد ذاته يبدو أنه سيكون جزء من اتفاق متوقع ليس غريباً من حيث المبدأ عن اتفاقية اضنة 1998.
لكن مع ذلك، هل سيكون ثمة اتفاق بالفعل؟، بمعنى آخر، هل سيرى النور في خضم وحجم اللاعبين الدوليين في الملف السوري بشكل خاص وأزمة المصالح في الشرق الأوسط بشكل عام؟ هذا ما قد يتضح نسبياً استنتاجاً من المعطيات المتوفرة على أرض الواقع.
أن أي تقارب تركي سوري يجب أن يلقى ترحيباً روسياً بالدرجة الأولى وإيرانياً بالدرجة الثانية، إذ أن موسكو لها أهداف واضحة وهي لا تتعلق ببقاء النظام السائد أو زواله بحجم ما تتعلق في مصالحها الاستراتيجية ولا سيما الاقتصادية والعسكرية المنافسة للولايات المتحدة في المنطقة، وهي ذات المصالح التي تدعمها الصين وإيران، و بالتالي فأن الأخيرة (طهران) تدرس مدى تأثير التطبيع بين أنقرة ودمشق على جبهتها خارج الحدود والتيارات الموالية لها وأبرزها حزب الله اللبناني المجاور لاسرائيل.
إذاً ما تفكر به إيران هو مدى امكانية الوثوق بحليف استراتيجي في الناتو ( تركيا) بالرغم من التقاء خطوط المصالح في عدة نقاط من ضمنها القضاء على الحراك الكردي بالمنطقة أو على الأقل تحجيمها و التقليل من تأثيرها.
هنا يأتي الحديث عن دور الولايات المتحدة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف من الممكن أن تجتمع دمشق مع أنقرة بمباركة إيرانية وروسية، دون أن تصطدم بالجدار الذي تشكله الولايات المتحدة لفصل إيران عن البحر المتوسط؟، وكان الشريط المناسب لهذا الجدار الافتراضي يمتد على طول الحدود العراقية السورية، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية.
قد نقرأ تحليلات بأن تركيا وباعتبارها عضو استراتيجي في الناتو على مستوى الشرق الأوسط ، ربما يصب اتفاقها مع دمشق لمصالح الحلف والأميركان، لكن ذلك ليس امراً يتعلق بإذربيجان ضد أرمينيا، ولا في ليبيا للوقوف ضد قوات خليفة حفتر المدعومة روسياً. بل يحدث في سوريا البلد الذي تضاربت فيها مصالح واشنطن وأنقرة، ما يعني المزيد من التعقيد. إذاً ما الحل لتركيا ذات الغاية الجهورة وهي “استمرارية تصدير ازمتها الداخلية مع العمال الكردستاني والفوبيا التي تلاحقها جراء بناء كيان كردي” ؟ فهل بامكان تركيا اقناع الولايات المتحدة؟ كيف ستقنعها مع وجود مصالح روسية وإيرانية من هذا التقارب، هل ستتخلى الولايات المتحدة بكل سهولة عن المنطقة لصالح الدولتين اللتا سبق وحققتها تقدم سياسي ملحوظ خلال الاعوام القليلة الماضية كالذي شهدناه في دول الخليج على حساب ضعف ادارة بادين؟.
ما يمكن جزمه أن الخطوات التركية لا تأتي مدعومة من الدول الغربية، بل تأتي من منطلق مشروع قومي تركي بحت، لذا تبحث في حلول ترضي الطرفين الأميركي والإيراني في نفس الوقت، وهنا المعضلة.
أمام تركيا أن تقنع النظام السوري وإيران بالسيطرة الكلية على شمال وشرق سوريا وهي خطوة ستواجه رفض أميركي قاطع، حيث كما ذُكر أعلاه الاهمية الاستراتيجية للجغرافية المستهدفة بالنسبة للولايات المتحدة على الصعيدين الاقتصادي والعسكري الاستراتيجي بعيد المدى. أما إذا جاءت المخططات التركية بضوء أخضر أميركي فهذا تلقائياً سيغضب إيران و ستراها بمثابة عصاً غربياً ضدها و ضد فروعها في سوريا و لبنان،و بالتالي لن تقدم دمشق على مصالحة مع تركيا، مصالحة من شأنها أن توفر المزيد من الاوراق للولايات المتحدة.
أما السيناريو الذي من الممكن أن يحظى بدعم أميركي وهو نفسه سيمثل الجواب الأميركي من تحت الطاولة للخطوات التركية الحديثة أزاء سوريا، هو أنه إذا جرت مصالحة يجب أن تكون شاملة وترضيها بالدرجة الأولى، وهو أمر صعب المنال من دون الإبقاء على مشروع إدارة ذاتية في شمال وشرق سوريا تحتفط فيها الولايات المتحدة بمصالحها وقواعدها ، وحينها سيقع على عاتقها( الولايات المتحدة) مهمة وساطة صعبة بين تركيا و شمال شرق سوريا، وهو الوقت الأنسب لكي تحرك تركيا أوراقها المتبقية “المجلس الوطني الكردي السوري ” كقوة سياسية تفرضها وتعومها كشريك واقع في المنطقة ليكون محرك لاجنداتها في مستقبل الشمال السوري، علماً أن الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا ومنظومتها الدفاعية المتمثلة بـ”قسد” قالت في عدة مناسبات ومحافل وتصريحات إعلامية أن ليس لديها مشكلة مع تركيا كدولة جوار مالم تتدخل في شؤونها، وشددت أن الإدارة هو مشروع وطني سوري غير انفصالي و لا يستهدف الداخل التركي، وهذه الفكرة بالذات قد تحتاج إلى ضخ إعلامي دولي تقدمها الولايات المتحدة كمادة تسكت تركيا نفسها بها من دون حرج.
هوزان زبير محمد
ADARPRESS #