أين تقف المعارضة واللاجئون السوريون في حال المصالحة بين الأسد وأردوغان؟
إبراهيم مراد/ الدرج
يطرح الحديث المتكرر عن مصالحة مرتقبة بين أنقرة ودمشق، السؤال حول مصير المعارضة واللاجئين السوريين، فأنقرة التي دعمت المعارضة على مدى سنوات، ولجأ إلى أراضيها أكثر من ثلاثة ملايين سوري، لا يمكنها أن تجمع بين نقيضين: التصالح مع النظام السوري، ومواصلة دعمها المعارضة بشقيها “السياسي” والمسلح.
مؤخراً التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره السوري بشار الأسد في موسكو، كانت زيارة مفاجئة تفتقر إلى أدنى مستويات البروتوكول الدبلوماسي، وتوقيتها يثير الكثير من التساؤلات المتعلقة بمسار المصالحة التركية- السورية، إذ تصر روسيا جمع أردوغان والأسد على طاولة واحدة. الإصرار الروسي يشكل عامل ضغط كبير على الأسد، ويقلل من خياراته وشروطه، فالرغبة الروسية في “قضية” معنية بالشأن السوري يجب أن يأخذها الأسد على محمل الجد.
في الأثناء، تبعث تركيا رسائل غير مباشرة للمعارضين السوريين، مفادها أن التصالح ينسجم مع مصالح الدولة التركية وعليهم مراعاتها، وهي تتقدّم على أي مصلحة أخرى، وأي رفض لهذه العملية من قبلهم سيواجه بوضعهم في خانة “داعمي الإرهاب “.
بعد ثلاثة أيام من تصريح الرئيس التركي أردوغان، عن نيته دعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد للقاء يجمعهما في مكانٍ وزمان غير محددين، قال المتحدث باسم الحزب الحاكم في تركيا عمر تشليك إنه: “لا توجد دعوة حالياً للأسد”، وأكد “عدم وضوح مكان وزمان أيّ لقاء قد يحصل في المستقبل”.
بعد تصريح أردوغان في الخامس من يوليو/تموز والمتحدث باسم حزبه في الثامن منه، قال رئيس النظام السوري بشار الأسد في تصريحات للصحافيين: “إن مبادرة التقارب بين دمشق وأنقرة تفتقد لـ”الجوهر”، وهو الضمانات التركية بالانسحاب من البلاد ووقف دعم المعارضة المسلّحة”، لكن تصريحات الأسد كانت أقرب هذه المرة من أي فترة مضت إلى نية المصالحة المشروطة، بقوله: “إذا كان اللقاء بالرئيس أردوغان يؤدي إلى نتائج تحقق مصلحة البلد فأنا سأقوم به ” .
رابحون وخاسرون
أثار تصريح أردوغان عن نيته دعوة الأسد للقاء به، بعد عام من أول تصريح مباشر له، فيما يخصُّ المصالحة التركية- السورية قبيل الانتخابات التركية نهاية عام 2023، قلق ملايين السوريين في الداخل والخارِج، وخاصةً أطراف المعارضة المدعومة من أنقرة، في الوقت عينه، حاول الكثيرون من المعارضين المدعومين من أنقرة، تسويغ الأمر بشكل خجول وتبريره على أنه يستهدف مناطق قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ونحى آخرون باللوم على أطراف المعارضة السورية لفشلها في إدارة مسار حل الأزمة مع النظام السوري.
على أي حال لا يمكن التغاضي عن حقيقة الفرضيتين، فمن المستحيل إنكار العداوة التي تنتهجها الحكومة التركية في التعامل مع الإدارة الذاتية، وكثيراً ما أكد المسؤولون الأتراك نيتهم “تدمير” أي كيان في تِلك المنطقة، وللحقيقة هددت تركيا حياة خمسة ملايين سوري يعيشون هناك، وأسفرت هجماتها المتكررة وآخرها في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عن تدمير نسبة كبيرة من البنية التحتية ومصادر الطاقة في شمال سوريا وشرقها.
يمكن القول إن أنقرة تتحكم فعلياً بمفاصل المعارضة، وبذلك فهي أقل من توضع في محل اللوم على فشلها، تبعاً لقراءة واقع المعارضة غير القادرة على كبح جموح أردوغان نحو المصالحة.
هذه المصالحة إن تمت، وتم تجاوز العوائق شبه المستحيلة لتحقيقها، فإنّها تلقي بنتائجها الكارثية على اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا، وحتى المقيمين في الدول الأوروبية، وستتذرع الحكومات الأوروبية بعودة اللاجئين من تركيا لبدء عمليات ترحيل إلى تركيا، ورغم أن أنقرة عارضت سابقاً مثل هذه العمليات، فإنها ستنقص الفرصة لإبرام اتفاقيات بهذا الخصوص واستثمار ملف اللاجئين السوريين مجدداً.
من جهة أخرى فإن أي عملية تطبيع تركية مع النظام السوري، يجب أن تسبقها بوادر حُسن نية من قبل الطرفين، ولطالما يرى النظام السوري أن على تركيا تقديم الكثير قبل الحديث عن أي مصالحة، وبالتالي فإن المعارضة السورية ستكون “كبش فداء” قبل أي جهة أخرى، وهي الهِبة الوحيدة التي يمكن لأنقرة تقديمها لدمشق بدون عناء، أي برفع الغطاء عنها.
الأسد يوجه المصالحة إلى “سوريا ما قبل 2011”
بالعودة إلى إمكانية المضي في عملية المصالحة ما بين النظامين السوري والتركي، على رغم الشكوك حول نية أردوغان بالمضي في المسار التصالحي، إلا أن لا شيء مستحيل في السياسة الأردوغانية التي تعرف بـ”الاستدارات”، وبالتالي فإن أنقرة قد ترجح مصالحها على تأزيم أحوال المعارضة ومعاناة اللاجئين السوريين، وكل ذلك في ظل استمرار ضغط المعارضة التركية، ممثلة بحزب “الشعب الجمهوري” لإيجاد حل نهائي لمسألة اللاجئين والتطبيع مع دمشق.
عوامل كثيرة يمكن اعتبارها تحديات كبيرة قد تعيق مسار التصالح، منها اشتراط النظام السوري انسحاب تركيا من كامل الأراضي السورية. في الواقع لم يقتنع أردوغان بعد من أن الأسد على رغم ما يعتري نظامه من ضعف واضح، إلا أن الظروف الإقليمية والدولية الراهنة تصب في مصلحته أكثر من أي وقت مضى، خاصة أن الظروف الداخلية التركية وتراجع الزخم الدولي تجاه ما يجري في سوريا، تقدم له الفرص التي ينتظرها، ليخرج “بنصر” على حساب تراجع أنقرة عن دعم المعارضة.
أما السؤال الذي يطرح نفسه، هو كيف يمكن لتركيا أن تتعامل مع المناطق الخاضعة لسيطرة “هيئة تحرير الشام – النصرة”، خاصة مع وجود آلاف الجِهاديين من مختلف الجنسيات في تِلك الرقعة من البِلاد؟ .
على الرغم من المصالح المُشتركة بين الطرفين، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن الهيئة والفصائل المتعاونة معها، لا يمكن السيطرة عليها كما تريد أنقرة، لا بل إن أي خطوة “جدية” نحو عملية المصالحة، قد تؤدي إلى إحداث مرحلة جديدة من القتال والفوضى بين الهيئة وممن يمكن أن ينضموا إليها ضد الطرف التركي، إذ لا يمكن المراهنة على تِلك التنظيمات بأنها ستستلم لعودة النظام.
على الصعيد الشعبي، ظهرت جلياً ردود فعل قوية رافضة لأي عملية بهذا الاتجاه، وهذا ما أثبتته الأحداث مؤخراً في المناطق التي تسيطر عليها تركيا بشكل مباشر أو غير مباشر في شمال غربي سوريا، والتي أدت إلى قيام الأهالي بالخروج في تظاهرات رافضة أُحرقت خلالها الأعلام التركية.
وعلى رغم عدم وضوح الموقف الأميركي من عملية التطبيع، إلا أن وقائع الأحداث تدل على أن الإدارة الأميركية، لن تسمح لتركيا بالتصرف بدون أن تأخذ مصالحها بعين الاعتبار، لا سيما وأن المصالحة التركية مبنية في جزء منها على التشبيك مع الروس والإيرانيين في سوريا، ولا يمكن الحديث حتى عن انسحاب تركي كامل في مقابل تجاهل انسحاب إيران من سوريا، فوجود القوتين على الأراضي السورية مرتبط ببعضهما بعضاً.
ومن المحتمل أن تشترط الولايات المتحدة على تركيا بأن تُقابل أي خطوة تقوم بها، بخطوة من الجانب الإيراني، وبذلك يحصل التوازن والتوافق بين المصالح الروسية والأميركية في سوريا. ثمة احتمال أيضاً أن استعجال أردوغان للمصالحة، يأتي في سياق استباق نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية نهاية العام الجاري، ولعله يسعى بإنتاجه مقاربة جديدة للتعامل مع دمشق، ليدفع ترامب الذي يُتوقع فوزه على تقديم تنازلات كبيرة لصالح تركيا.
الحاجة إلى توازنات جديدة
عملية المصالحة التي تُكثر تركيا الحديث عنها، ستعيد الوضع السوري إلى أسوأ مما كان عليه، وتتوافق بالنهاية مع مصلحة النظام السوري، وستكون على حساب السوريين عامة، وأطراف المعارضة المحسوبة على أنقرة خاصة، وليس فقط مناطق “قسد” التي تُسرع تركيا لإنهاء وجودها بأي ثمن.
وإذا كان صحيحاً أن التصالح بين دول الجوار هو غاية مثلى لكل دول العالم، طبقاً لحقائق الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد، إلا أنه حين يأتي التصالح على حساب الشعوب ومصيرها، وعبر الحسابات الأمنية فحسب، فإنه يترك خلفه مشكلات يتعذّر حلها أيضاً، ولأجل ذلك تفرضُ عملية المصالحة بين أنقرة ودمشق على المعارضة السورية قراءة جديدة وأكثر توسعاً، تأخذ بعين الاعتبار بأنها الحلقة الأضعف أمام باقي الأطراف،
ربما على المعارضة السورية أخذ العبرة من المصالحة التركية ـ- المصرية، وتخلي أنقرة عن المعارضة المصرية، لا سيما الإخوان المسلمون، وإغلاق وسائل إعلامها وسحب الجنسيات من أبرز شخصياتها، ولكي تتجنب المعارضة السورية هذا المصير، عليها تغيير استراتيجيتها في التعامل مع مجمل الأزمة والأطراف السورية، وبخاصةٍ قوات سوريا الديمقراطية التي تعاديها استجابة لرغبة أنقرة.
في المحصلة، يحتاج حل الأزمة السورية إلى توازنات جديدة لأجل مسابقة قطار المصالحة التركي- السوري ولعل الوقت بات أقرب لإنتاج مقاربة مختلفة للمعارضة تجاه “قسد”، وإعادة تموضعها وفق المعطيات الراهنة، ومغادرة موقع العداء لها، ليكون ذلك مدخلاً لكسب دعم أميركي، واستعادة التوازن في الداخل السوري، وإنجاز حل سياسي شامل للأزمة السورية على هدي القرار 2254.