آفاق الحوار الكردي في روج آفا
قاسم عمر
لعل من ضروريات الواجب الوطني إزاء القضية الكردية هي وحدة الصف الكردي. فالمرحلة التي تمر بها المنطقة ككل وروج ٱفا بشكل خاص، تتطلب جهوداً حثيثة من قبل كافة القوى والأحزاب والفعاليات السياسية لتوحيد الرؤى بعيداً عن المصالح الحزبية الضيقة. إن تطلعات الشعب الكردي نحو الحرية يُلزم هذه الأطراف في تحقيق هذه التطلعات المشروعة التي لطالما كافح لأجلها، ودفع أثماناً باهظة مُضحية بخيرة شبابها وشاباتها، حتى وصل به المطاف إلى تحقيق ثورة روج ٱفا، والتي تعتبر من منجزات الشعب الكردي.
استطاع هذا الشعب من خلالها إيصال صوته للعالم بأسره، والتعريف بقضيته وحقوقه التي كانت مسلوبة منذ عقود خلت. فقد قدَّمَ مع مكونات المنطقة أروع آيات التآخي والتعاضد والتكاتف فيما بينهم. وما زالوا مُصرين على أنهم يد واحدة ضد كل مُعتدٍ يحاول العبث بأمن وأمان هذه المنطقة. هذا يعني أن الشعب الكردي لم يكن قط منقسماً فيما بينه. ويحبذ أن يطبق الأحزاب والحركات السياسية هذا النموذج، باعتبارهم قادة هذا المجتمع والشعب. وعندما تتوحد هذه الأحزاب والحركات مع بعضهم البعض، يتشكل بذلك جدران صلبة أو أسواراً شائكة في وجه كل المؤامرات الدنيئة التي تُحاك لطمس هوية هذا الشعب، وإخماد ثورته، وإنهاء مشروعه الديمقراطي.
التقارب الكردي-الكردي في روج آفا مر بالعديد من المراحل الشائكة. فكل المحاولات التي كانت تهدف للتقارب بين أحزابه باءت بالفشل، بسبب إصرار طرف معين على عدم حلحلة المشاكل والعقبات، وإيجاد الذرائع غير المنطقية التي تُعَقِّدُ من إمكانية الوصول لأي اتفاق، وبذلك تُغلق جميع الأبواب والنوافذ أمام أي حوار يفضي إلى هذه الوحدة.
عندما يبتعد أي طرف عن المصلحة الوطنية، ويقلل من أهمية المرحلة؛ لا بل يسعى خلف مصالحه الحزبية أو الشخصية، أو يراهن على طرف إقليمي أو دولي للتوسط، أو أن يضع نفسه تحت خدمة أجندات أطراف أخرى، حينها يصعب التوصل إلى حل جذري وجامع بين هذه الأطراف.
سعت أحزاب الوحدة الوطنية الكردية PYNK في الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا مراراً وتكراراً لتقريب وجهات النظر بينها وبين المجلس الوطني الكردي، عبر إبداء استعدادها التام للجلوس على طاولة الحوار، ولكن ما كان على هذا المجلس إلا العزوف عن تلك المبادرات ونسفها بتقديمها ذرائع وحجج واهية. فالمجلس الوطني تارة يَدّعي بأن الإدارة الذاتية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، وتارة أخرى يتهمها بالعمالة لصالح النظام السوري. وهذا محض افتراءٍ لا أساس له من الصحة. فقد صرح أكثر من قيادي عسكري ومسؤول سياسي ولأكثر من مرة بعدم وجود علاقة عضوية بينهم، ولكن علاقتهم متبادلة ككرد، مشتركون بالدم والمصير، وعدوهم واحد. أما بالنسبة للعمالة، فأقرب مثال على تفنيد هذه المقولة هي رفض الإدارة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجراها النظام في مناطقه، فأي (عميل) يرفض انتخابات رئيسه وبرلمانه؟.
أما بالنسبة للمجلس الوطني فهو مرتبط بالحزب الديمقراطي الكردستاني – العراق، وهو جزءٌ منمً يسمى بالائتلاف السوري التي تشغله دولة الاحتلال التركي ضد الكرد، والذي شارك عبر مجاميعه المرتزقة المأجورين باحتلال عفرين وسري كانيه وكري سبي، بمباركة ومشاركة مجاميع المجلس الوطني. كل الانتهاكات التي تمارس بحق الكرد في المناطق المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتها هم ضليعون فيها أيضاً، والأنكى من ذلك أنهم يبررون تلك الأفعال الشنيعة، وسياسات التصفية الممنهجة، والتغيير الديموغرافي الذي تتعرض لها المناطق الآنفة الذكر، ويقفون موقف المتفرج دون أن يحركوا ساكنين. من جهة يطالبون الإدارة الذاتية بالمحاصصة أو كما يقولون فيفتي – فيفتي، ومن جهة أخرى يَدَّعون بأن هذه الإدارة غير شرعية، ولا يتنازلون عن طلب الترخيص من القوى الأمنية لإقامة نشاطاتهم. يضعون شروطاً تعجيزية من شأنها أن تجهض أي تقارب محتمل قبل نضوجه. من هذه الشروط إلغاء مناهج التعليم باللغة الأم، والعودة للعمل بمنهاج النظام، وإلغاء نظام الرئاسة المشتركة لحرمان المرأة من أبسط حقوقها، وغيرها من الشروط التي لا تدخل في خدمة الكرد في جميع المستويات.
فنظام الرئاسة المشتركة كان من أحد إنجازات الإدارة الذاتية التي حررت المرأة من قيود الأسر المجتمعي الطبقي الذكوري، وأصبحت لها دوراً بارزاً في كافة المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والعسكرية. ومن جانب آخر قدم الشعب الكردي الغالي والنفيس من أجل التعلم بلغته الأم، التي حُرِّمَ منها لعقود. فلا أحد بمقدوره نزع هذه المكتسبات التي تحققت بفعل التضحيات الجِسام التي قدمها الشعب.
عندما يطلب المجلس الوطني باعتماد مناهج النظام وبالمقابل يتهم الإدارة الذاتية بأنها ألغت أي شعار أو اسم يعبر عن الكردياتية، فهو متناقض مع نفسه. فكل الخطابات المسمومة التي يدلي بها قادات المجلس خطابات تركية بحتة، ولا تعبر عن نية المجلس للوصول إلى حل توافقي يرضي الجميع.
المشكلة الرئيسية في عدم نضوج أي تقارب كردي – كردي هي عناد المجلس الوطني، وإصراره الدائم بالمضيِّ قُدُمَاً في سياساته الخاطئة، واستمرار علاقته بالائتلاف السوري الذي لطالما لا يعتبره جزءاً من كيانها. فحالة الازدواجية السياسية هي التي تقف للحلول دون أي تقارب. وبالتوازي مع ذلك هناك عدة أسباب تقف أمام أي بادرة تقارب ومنها: تدخل الحزب الديمقراطي الكردستاني في قرارات المجلس الوطني والتحكم بها، وتوجيهها حسب سياساته. والتدخل التركي ومنعه حدوث أي تقارب خشية من تطبيق هذا النموذج على الصعيد الكردستاني. وهناك الائتلاف السوري أيضاً الذي هو نسخة من النظام السوري. الهدف الذي يجمع الائتلاف السوري وتركيا ليس إسقاط النظام، لا بل الوقوف في وجه المشروع الديمقراطي، ولكن ما لا يتحمله العقل هو تواطؤ البعض من الكرد (الجيدين) حسب رؤية المشغل التركي.
والذي يهدف بالدرجة الأولى إلى عدم التوصل إلى أي اتفاق أو تقارب من شأنه أن يصل بالكرد إلى حالة من الوحدة. لذا من الأهمية بمكان أن يرى المجلس الوطني هذه السياسات ويعيها ويدرك مخاطرها المستقبلية، وأن يضع نصب عينه مصلحة الشعب الكردي، وأن لا يغلب المصلحة الحزبية الضيقة على مصير شعبه.