ضرورات الحوار الكردي في سوريا وأهميته: نحو توافق وشراكة فعّالة
الأستاذ أكرم حسين عضو المجلس الوطني الكوردي
يُعدُّ الحوار أداةً حيويّةً لتحقيقِ التفاهمِ وحلّ النزاعات في المجتمعات المتنوعة، وخاصّةً في البيئات التي تتّسمُ بتعدّد الأعراق والأديان والانقسامات السياسية، وفي سوريا، حيثُ يتقاطع الوضع الكردي مع معادلات سياسية محلية وإقليمية معقدة، يُصبحُ الحوار الكردي ذا أهميةٍ قصوى. فهو لا يعزّز فقط التفاهم بين الأطراف الكردية المختلفة، بل يلعب أيضاً دوراً أساسياً في استقرار المنطقة وتعزّيز الحلول السياسية الشاملة للأزمة السورية، حيثُ يسعى الكرد إلى تحقيق حقوقهم وتعزّيز دورهم ضمن إطار سوري شامل، مما ينعكس إيجابياً على الاستقرار والتلاحم الوطني.
لقدْ واجهتْ عملية الحوار الكردي في سوريا تحدّياتٍ كثيرةً كان من أبرزها عدمْ تنفيذ ب ي د للاتفاقات الموقعة مع المجلس الوطني الكوردي برعاية الرئيس مسعود بارزاني رغم دعمه لها آنذاك، مثل اتفاقات هولير ودهوك والمرجعية الكردية العليا، والسبب في ذلك يعود إلى سياسة الهيمنة والإقصاء والتفرد، حيث سعى ب ي د لفرض سيطرته الكاملة على الشؤون الكردية في سوريا دون مشاركة الأطراف الأخرى، ممّا حال دون استمرار الاتفاقْ والتعاونْ الذي كان من شأنه أن يُسهمٓ في وحدة الصف الكردي، ويُعزّز من فُرصٍ التفاهمٍ بين القوى الكردية السورية.
ورغمٓ المحاولاتِ المتكرّرةِ والحديثِ عن الحوار الكردي وضٓروراتهِ فقد أسفرتْ ممارسات ب ي د عن صعوبةِ استئنافِ الحوار الكردي تالياً، ومن بين هذه الممارسات، حرق مكاتبِ المجلس الوطني الكوردي، واعتقال أعضائه بما فيهم النساء مثل بيريفان اسماعيل، ومحاولات منع نشاطاته بالقوّة كما جرى في ١-٧-٢٠٢٤ وغيرها، هذه الأفعال زادت من حِدّة التوتر بينه وبين المجلس الوطني الكوردي رغم توقيع ورقة الضمانات من قبل ممثل الولايات المتحدة الأمريكية وقائد قسد مظلوم عبدي، فقد عطلت هذه التصرفات القمعية بشكلٍ علني أي جهود حقيقية لاستئناف الحوار، وزادتْ من عدمِ الثقةِ بين الطرفين.
مُؤخراً، لمْ تُثْمِرْ حتى الآن جهود الولايات المتحدة الأمريكية للبدء بالمباحثات، رغم إعلان المجلس الوطني الكوردي وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية عن استعدادهما البدء بالحوار وإعلان قائد قسد عن ترجيحه في آب – في تحقيق أي تقدّم ملموس، وهذا يَعكس صعوبة التوصل إلى توافقات حقيقية نظراً لاستمرار الخلافات والصراعات الداخلية التي تعيق التقدم، وتمنع الوصول إلى تفاهمات شاملة ومستدامة.
سيشجع نجاح الحوار الكردي، ومشاركة المكونات السياسية والقومية الأخرى في إدارة الشؤون الذاتية من شرعية “الإدارة الذاتية” على الصعيدين الشعبي والدولي. كما سيساعد في منع استهداف “الإدارة الذاتية” من قبل تركيا أو أي قوى أخرى معارضة، مما يساهم في تحقيق السلام والاستقرار على مستوى أوسع.
تُعَدْ إعادة حوكمة “الإدارة الذاتية” ومشاركة مختلف مكونات المنطقة فيها خطوة حاسمة نحو تحقيق استقرار طويل الأمد، وتعاون فعّال من شأنه أن يعزّز التفاهم والتنمية في المنطقة، وان يلعب دوراً أساسياً في تحقيق الحلول السياسية الشاملة في سوريا وتجاوز معاناة سكانها، وبناء مجتمع أكثر انسجاماً وتعاوناً واستقراراً.
وأخيراً فإن نجاح الحوار الكردي وإعادة هيكلة “الإدارة الذاتية” سيشكلان نموذجاً إيجابياً لكيفية إدارة التعددية في السياقات السياسية المعقدة وأوقات الشدة، وقد يساهم في تجاوز الأزمة السورية وتحقيق السلام والتنمية المستدامة.