العفو العام: ضغط أم تلبية للمطالب
قاسم عمر
في الوقت الذي لم تصمد جيوش مدججة بكافة أنواع التكنولوجيا الحديثة لدقائق معدودة أمام أعتى تنظيم إرهابي في العالم، والمعروف بداعش، وكانت تترك مواقعها دون مقاومة أو حتى لم تجرؤ على إطلاق رصاصة واحدة بوجهه، استطاعت وحدات حماية الشعب والمرأة التصدي لهذا التنظيم الإرهابي بكل قوة وإيمان دون خوف، وسطروا أروع البطولات، حتى أن هذه الوحدات أدخلت الذعر بين صفوف التنظيم الإرهابي. فمن كوياني إلى دير الزور مروراً بمدينة الرقة دحرت هذه القوات إرهابيي داعش. وقضت على وجودهم العسكري، ودمرت كل معاقلهم وخلافتهم في عاصمتهم المزعومة.
هذه الانتصارات المتتالية التي قضت على أحلام داعش كانت بمثابة ضربة قاضية لداعميهم ومموليهم. حيث أن صنع داعش كان بهدف تدمير الأخوة والتعايش بين الشعوب، وإثارة النعرات الطائفية والقلاقل. وكان الهدف أيضاً أسر المجتمعات ووضعها في بوتقة أيديولوجية متطرفة لتعيث في البلاد والعباد خراباً ودماراً فكرياً وأخلاقياً واجتماعياً. لكن كل هذه المخططات التي كانت تقف خلفها دول إقليمية ودولية باءت بالفشل، بفضل التضحيات الجِسام التي قدمتها شعوب المنطقة من الكرد والعرب والآشوريين السريانيين والتركمان والشركس وغيرهم، حيث أثبتت مقاومتهم الجبارة ضد هذا التنظيم الإرهابي ومن يقف خلفهم إن فكرة التآخي والتلاحم أقوى بكثير من أن تفنى على يد عصابة حاولت تشويه حقيقة الإسلام وجوهره. وأن الإرادة والعزيمة التي تمتلكها هذه الشعوب لا يمكن القضاء عليها بهذه السهولة. كما أثبتت أن مناطق شمال وشرق سوريا مكونة من موزاييك من الشعوب والثقافات والأديان تعايشوا فيما بينهم تحت سقف واحد دون أي تفرقة، ولا يمكن لحفنة من تجار الدماء تشويه هذا التعاضد القديم قِدم التاريخ.
تسعى الإدارة الذاتية لإيجاد حل بشأن معتقلي داعش. فبادرت إلى اتخاذ خطوات بصدد مصير هؤلاء المحتجزين في سجونها. حيث طالبت وناشدت كافة الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المرتزقة إلى استلام رعاياهم ومحاكمتهم في دولهم. كما حاولت ونادت مراراً وتكراراً لإنشاء محكمة دولية مستقلة لمقاضاة المرتزقة على أراضيها أو البحث عن طريقة قانونية مناسبة للتعامل معهم، إلا أن كل تلك المناشدات والنداءات لم توصل إلى نتائج مرجوة من تلك الدول، رغم حثهم لخطورة داعش إن بقوا على هذا الحال دون محاكمة.
وفي الآونة الأخيرة أصدرت الإدارة الذاتية عفواً عاماً استجابة لمطالب شيوخ ووجهاء وأعيان المنطقة خلال ملتقى الوحدة الوطنية للعشائر والمكونات السورية الثاني. وهذا العفو شمل كل من لم يتلطخ أيديهم بدماء المواطنين والأهالي. حيث تم الإفراج عن هؤلاء المعتقلين كبادرة هدفها الأول والأخير تلبية مطالب الأهالي بما أنها، أي الإدارة الذاتية تضع نفسها في خدمة مواطنيها.
لقد حاولت بعض الجهات والأطراف المتدخلة في الأزمة السورية تسويق هذا العفو على أن الإدارة الذاتية عمدت إلى إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين لأن ذلك طُلِبَ منها، وتعرضت لضغوط خارجية، ولكن في الواقع الإدارة أصدرت هذا العفو بناء على طلب شيوخ ووجهاء المنطقة. فالإدارة الذاتية تصدر أوامرها من خلال قادتها ومسؤوليها، بالتنسيق مع رؤساء عشائرها وشخصياتها الاعتبارية الممثلين لشعوب المنطقة وليس بأوامر من الخارج. وبعضهم سوقوا هذا العفو بأنه يشكل خطراً على أمن المنطقة وأمانها، ولكن الإدارة أدرى بهكذا أمور أمنية. ولو بالفعل هؤلاء المعتقلين سيشكلون خطراً يهدد أمن المنطقة، لما كانوا أطلقوا سراحهم.
هذه الخطوة تم الترحيب بها من قبل منظمة العفو الدولية التي حثت الإدارة على المزيد من هكذا خطوات. وهذه الإشادة لها تأثير كبير في سبيل العلاقات الخارجية مع الإدارة الذاتية. ويمكن أن يكون مفتاحاً للتوصل إلى اتفاقات بشأن معتقلي داعش الموجودون داخل سجون الإدارة.
فهذه الخطوة تترجم على أن الشعب والإدارة متمسكتان ببعضهما البعض، فهم أدرى بمصلحة منطقتهم لطالما كانوا معاً في مواجهة إرهاب داعش. وإن دل على شيء إنما يدل على الارتباط والتلاحم بينهما.