هل ماتَت “المصالحة” التُّركيَّة – السُّوريَّة مع فَشَـ ـلِ المُخطَّطِ في دير الزور؟
دخلت الأزمة السُّوريّة في طورٍ جديد، رُبَّما أكثر تعقيداً، بعد إعلان روسيّا لعب دور الوسيط في إجراء مصالحة بين دولة الاحتلال التُّركيّ وحكومة دمشق، وتزايد تصريحات المسؤولين الأتراك عن قرب عقد لقاء بين الرَّئيسين التُّركيّ والسُّوريّ في موسكو، رغم وضع دمشق عِدَّةِ شروط لعقد هكذا لقاء؛ أوَّلها التزام دولة الاحتلال التُّركيّ بجدولٍ زمنيٍّ للانسحاب من الأراضي السُّوريّة التي تَحتلُّها في الشَّمال، وتسليم الإرهابيّين الذين طالما رعتهم ودعمتهم منذ بدء الأزمة.
اللقاءات الأمنيَّة المشتركة بين الجانبين السُّوريّ والتُّركيّ لم تتوقَّف طيلة عمر الأزمة السُّوريّة، رغم حالة العِداء الظاهرةِ بينهما. ولا يختلف اثنان أنَّ محور تلك اللقاءات هو الاتّفاق على محاربة الحركة الوطنيَّة الكردية وشركائهم في شمال وشرق سوريا، وكذلك الإدارة الذّاتيَّة وقوّات سوريّا الدّيمقراطيّة بكُلِّ الوسائل والطرق الممكنة، وهو الشَّرط التُّركيّ الأوَّل والأخير، أي أن تتعهَّد الحكومة السُّوريّة بمحاربة الإدارة الذّاتيَّة الآن ولاحقاً، كجزء من إستراتيجيَّة مشتركة وطويلة بينهما، وعلى الأرجح وافقت عليه الحكومة السُّوريّة مُرغمة تحت الضغط الرّوسيّ، وإن كانت لا ترغب به، وتجد روسيّا أنَّ لها مصلحة عليا في تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة في الفترة الرّاهنة، خصوصاً أنَّها تعاني الكثير من المصاعب في أوكرانيا، وتتأمَّل دعماً تركيّا قد يُغيّر مسار الحرب كُلّيّاً، وهو ما يغدو مثل حلم إبليس في الجنَّة.
انعكست التَّفاهمات بين دمشق وأنقرة، ومعهما طهران، وبرعاية موسكو، في دفع دمشق لقوّاتها مع الميليشيّات الإيرانيّة في شَنِّ هجماتها على مناطق الإدارة الذّاتيَّة وقوّات سوريّا الدّيمقراطيّة في الرّيف الشَّرقيّ بدير الزور، تحت مزاعم “قوّات العشائر”. وبعد فشل محاولة حكومة دمشق ومعها إيران في زعزعة أمن واستقرار منطقة دير الزور، رغم ضربها على الوتر العشائريّ؛ انبرت موسكو إلى التدخّل، ليس لوقف الهجمات؛ بل لإنقاذ حليفَيها “دمشق وإيران” ومن ورائهما تركيّا، من الهزيمة المدوّية التي تنتظرهما؛ في حال تطوَّرت الهجمات ووصلت إلى مرحلة حرب مستمرّة ومفتوحة أمام كُلّ الاحتمالات.
الزّيارات المكوكيَّة لكبار ضبّاط روسيّا؛ وعلى رأسهم قائد القوّات الرّوسيّة في سوريّا، لمناطق الإدارة الذّاتيَّة ولقائهم بقيادة قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة وعلى رأسهم الجنرال “مظلوم عبدي”، يوحي للوهلة الأولى أنَّ روسيّا تسعى لحقن الدّماء، ولكن حقيقة الأمر أنَّ روسيّا لم تلعب يوماً ما دوراً “نزيهاً” في أيّ ترتيبات جرت على الجغرافية السُّوريَّة، عسكريَّة كانت أم سياسيَّة، بل دائماً كانت منحازة إلى حلفائها في أستانا.
من جانب آخر، وبعد إفشال المخطَّط التُّركيّ – الإيرانيّ – الرّوسيّ، وبمشاركة الحكومة السُّوريّة، في النَّيل من قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة، عادت تركيّا، كدولة احتلال، إلى رفع عقيرتها، ووضع شروطها القديمة – الجديدة الجهنميَّة أمام الحكومة السُّوريّة، محاولِةً إسباغ نوع من “الشَّرعيَّة الديماغوجيَّة” والتَّعجيزيَّة عليها، عبر التبجُّح بأنَّها لن تسحب قوّاتها من سوريّا؛ إلا بعد إجراء الانتخابات والوصول إلى دستور جديد، وكأنَّها الوَصيَّة على سوريّا والسُّوريّين، ويَحُقُّ لها ما لا يَحُقُّ لغيرها في تحديد مصير ومستقبل سوريّا.
الحقيقة الواضحة أنَّ دحر الهجمات على مناطق دير الزور؛ أدخل مسار المصالحة بين دمشق وأنقرة في نفق مظلم، ودون رجعة، على الأقلّ في المدى المنظور، لترتَدَّ دولة الاحتلال التُّركيّ للوراء خطوات عديدة، وتعيد حساباتها من جديد، بعد أن كانت تعتقد أنَّها ستنجز المصالحة مع دمشق خلال وقت قصير، وتصل إلى تفاهمات واتّفاقات مع الجانب السُّوريّ للقضاء على الإدارة الذّاتيَّة، والتخلُّص من ملفِّ اللّاجئين الذي بدأ يؤرقها. وكانت على قناعة أنَّ دمشق التي تَمُرُّ بأزمة اقتصاديَّة خانقة، سترضخ لشروطها في تدفُّق البضائع التُّركيّة إلى أسواقها، عبر فتح المعابر وتسليمها لها، وبالتّالي تحقيق فائدة مزدوجة، اقتصاديَّة وسياسيَّة، إلا أنَّ حساب حقلها لم ينطبق على حسابات بيدرها الذي أذرته رياح قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة من خلال ضرب المُخطَّط التآمريّ الذي استهدف وجودها بالدَّرجة الأولى، ومن ثُمَّ مستقبل قوّات التَّحالف الدّوليّ في مناطق شمال وشرق سوريّا.
التَّنسيق الأمنيّ بين دمشق وأنقرة لم يتأثَّر بفشل المُخطَّط الذي أُعِدَّ في دير الزور، بل نشطت الإجراءات الأمنيَّة التي اتّخذتها دولة الاحتلال التُّركيّ، حيث سلَّمت عدداً من مرتزِقتها الإرهابيّين إلى حكومة دمشق، كما فتحت خطّاً آخر لما يُسمّى “المصالحة” أمام مرتزِقتها، عبر توجّههم إلى مناطق سيطرة الحكومة السُّوريّة، والانخراط في صفوف القوّات الحكوميَّة، ولِيَنقُلَ سلاحه من كتف إلى كتف، ويحارب ما كان يُطلق عليه في الأمس “رفاقه في الثَّورة”، ويُعيدَ رحلة ارتزاق جديدة، التي طالما فَطِمَ عليها.
إلا أنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هل ستقابل حكومة دمشق اتّخاذ ذات الإجراءات في تسليم المطلوبين إلى دولة الاحتلال التُّركيّ؟ حسب مستجدّات الظروف السِّياسيَّة التي تَمُرُّ بها الحكومة السُّوريّة، وبعض المحاولات الجارية لرأب الصدع بين ما تبقّى من السُّوريّين وقواهم السِّياسيَّة على الجغرافية السُّوريّة، من غير المتوقَّع أن تُقدِم على هكذا خطوة، قد تكون لها نتائج كارثيَّة على مستقبلها بالذّات، إضافةً إلى أنَّها لن تَلقى أيَّ فائدة من الجانب التُّركيّ في حال تورّطها في هذا الملفّ، ولها تجربةٌ مريرةٌ مع دولة الاحتلال التُّركيّ في هذا الصدد، بعد التَّوقيع على اتِّفاقيَّة أضنه في عام 1998، فلم تجنِ منها أيَّ ثمرة، بل انعكست عليها سلباً، وبالتَّأكيد لن تقع في تلك الحفرة مَرَّةً أخرى.
كذلك عمدت دولة الاحتلال التُّركيّ إلى تجميد أرصدة بعض مرتزِقتها المودَعةِ في بنوكها ومصارفها، تلك الأموال التي جمعوها من سرقة ممتلكات الشَّعب السُّوريّ، وابتزاز الأهالي عبر عمليّات الخطف والاتّجار بالآثار والمُخدّرات، وكأنَّها توحي بأنَّها تسعى لتصفية ملفِّ مرتزِقتها، خاصَّةً بعد أن فشل رِهانُها عليها في تحقيق نجاح من خلال زجِّهم في حربها العدوانيَّة على مناطق الدِّفاع المشروع في إقليم كردستان، حيث أُثبِتَ بالدَّليل القاطع أنَّ المرتزِق لا يمكن التَّعويل عليه في إنجاز أيّ انتصار، فهو يتّصف بالجُبن،ِ ويولي الأدبار عند إطلاق أوّل طلقة، لأنَّه لا يمتلك أيّ عقيدة قتاليّة، بل خُلِقَ مرتزِقاً وسيموت كذلك، وفي أيّ مكان ينتقل إليه.
فإن كانت روسيّا جادَّة، وتحاول أن تلعب دوراً نزيهاً في الأزمة السُّوريّة، يتوجَّب عليها أن تعمل كوسيط بين حكومة دمشق والإدارة الذّاتيَّة في إطلاق حوار وطنيّ جادٍّ، يزيل كُلّ الخلافات بينهما، ويُذلّل العقبات التي تَحولُ دون التوصُّل إلى اتّفاقات تُنقِذُ سوريّا من الجحيم الذي تَمُرُّ به، على الصَّعيد السِّياسيّ والعسكريّ والاقتصاديّ، ليغدو أيَّ اتّفاق بينهما الرَّكيزة الوطنيَّة الأساسيَّة التي تستقطب حولها جميع القوى الوطنيَّة والدّيمقراطيّة المؤمنة بدولة علمانيَّة، وتضع مُخرَجات وطنيَّة ثابتة، وتوحِّد الجهود لمحاربة الإرهاب، وتُحرِّر الأراضي المُحتلَّة، وتفرض السِّيادة السُّوريّة على كامل الأراضي السُّوريّة، لتُمهّد لمرحلة جديدة عنوانها الرَّئيس “التَّوافق الوطنيّ” وإعادة إعمار ما دمَّرته الحرب.
ثبت خلال الأزمة السُّوريّة؛ أنَّه لا يمكن التَّعويل على المجازفات والمغامرات السِّياسيّة في وضع حلول لأيّ أزمة على غرار الأزمة السُّوريّة؛ بل يتطلَّب التَّفكير بعقلانيَّة، والتحرُّكَ وفق الإمكانيّات المتوفِّرة، وبما يتوافقُ مع الحِسِّ العام، وما يتأمَّله السُّوريّون بعد سنين عِجاف عصفت بهم في مشارق الأرض ومغاربها. والاقتناع بأنَّ الاتِّكاء على عنصرِ المفاجأة والاستثمار الوقتيّ قصير الأمد في الأزمات الفرعيَّة المُتولِّدة من الأزمة العامَّة للبلاد؛ لن يُحقِّقَ النَّجاح لأيّ طرف من الأطراف. فالدَّرس البليغ خلال السَّنوات السّابقة، أنَّ أيّاً من الأطراف الضالعة في الأزمة لم يُحقِّق أيَّ نصر على الآخر المعادي له، بما فيها الحكومة السُّوريّة.
يُفترَض على السُّوريّين، وبجميع تلاوينهم السِّياسيَّة والعقائديَّة والإثنيَّة، الابتعاد عن ثقافة الإقصاء والتَّهميش، والرُّكون إلى ثقافة قبول الآخر المُختلِفِ معه، إضافةً للسعي والعمل على تكوين قناعة وطنيَّة راسخة بأنَّه لن يداوي جراح السُّوريّين غير السُّوريّين أنفسهم، وكُلُّ الدّول الضالعة في الأزمة السُّوريّة لن تلتفت إلى آلام وجراح السُّوريّين، لا تركيّا ولا روسيّا ولا إيران ولا حتّى الولايات المتّحدة، بل جميعها تبحث عن مصالحها على حساب دماء السُّوريّين وحدهم، وأنَّه حان الوقت ليَمُدَّ جميع السُّوريّين أيديهم إلى بعضهم البعض، وليس الجري وراء مُخطَّطات بَثِّ الفتن العشائريَّة والعرقيَّة والمذهبيَّة التي لا طائل منها.
– السُّوريَّة مع فَشَلِ المُخطَّطِ في دير الزور؟
دخلت الأزمة السُّوريّة في طورٍ جديد، رُبَّما أكثر تعقيداً، بعد إعلان روسيّا لعب دور الوسيط في إجراء مصالحة بين دولة الاحتلال التُّركيّ وحكومة دمشق، وتزايد تصريحات المسؤولين الأتراك عن قرب عقد لقاء بين الرَّئيسين التُّركيّ والسُّوريّ في موسكو، رغم وضع دمشق عِدَّةِ شروط لعقد هكذا لقاء؛ أوَّلها التزام دولة الاحتلال التُّركيّ بجدولٍ زمنيٍّ للانسحاب من الأراضي السُّوريّة التي تَحتلُّها في الشَّمال، وتسليم الإرهابيّين الذين طالما رعتهم ودعمتهم منذ بدء الأزمة.
اللقاءات الأمنيَّة المشتركة بين الجانبين السُّوريّ والتُّركيّ لم تتوقَّف طيلة عمر الأزمة السُّوريّة، رغم حالة العِداء الظاهرةِ بينهما. ولا يختلف اثنان أنَّ محور تلك اللقاءات هو الاتّفاق على محاربة الحركة الوطنيَّة الكردية وشركائهم في شمال وشرق سوريا، وكذلك الإدارة الذّاتيَّة وقوّات سوريّا الدّيمقراطيّة بكُلِّ الوسائل والطرق الممكنة، وهو الشَّرط التُّركيّ الأوَّل والأخير، أي أن تتعهَّد الحكومة السُّوريّة بمحاربة الإدارة الذّاتيَّة الآن ولاحقاً، كجزء من إستراتيجيَّة مشتركة وطويلة بينهما، وعلى الأرجح وافقت عليه الحكومة السُّوريّة مُرغمة تحت الضغط الرّوسيّ، وإن كانت لا ترغب به، وتجد روسيّا أنَّ لها مصلحة عليا في تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة في الفترة الرّاهنة، خصوصاً أنَّها تعاني الكثير من المصاعب في أوكرانيا، وتتأمَّل دعماً تركيّا قد يُغيّر مسار الحرب كُلّيّاً، وهو ما يغدو مثل حلم إبليس في الجنَّة.
انعكست التَّفاهمات بين دمشق وأنقرة، ومعهما طهران، وبرعاية موسكو، في دفع دمشق لقوّاتها مع الميليشيّات الإيرانيّة في شَنِّ هجماتها على مناطق الإدارة الذّاتيَّة وقوّات سوريّا الدّيمقراطيّة في الرّيف الشَّرقيّ بدير الزور، تحت مزاعم “قوّات العشائر”. وبعد فشل محاولة حكومة دمشق ومعها إيران في زعزعة أمن واستقرار منطقة دير الزور، رغم ضربها على الوتر العشائريّ؛ انبرت موسكو إلى التدخّل، ليس لوقف الهجمات؛ بل لإنقاذ حليفَيها “دمشق وإيران” ومن ورائهما تركيّا، من الهزيمة المدوّية التي تنتظرهما؛ في حال تطوَّرت الهجمات ووصلت إلى مرحلة حرب مستمرّة ومفتوحة أمام كُلّ الاحتمالات.
الزّيارات المكوكيَّة لكبار ضبّاط روسيّا؛ وعلى رأسهم قائد القوّات الرّوسيّة في سوريّا، لمناطق الإدارة الذّاتيَّة ولقائهم بقيادة قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة وعلى رأسهم الجنرال “مظلوم عبدي”، يوحي للوهلة الأولى أنَّ روسيّا تسعى لحقن الدّماء، ولكن حقيقة الأمر أنَّ روسيّا لم تلعب يوماً ما دوراً “نزيهاً” في أيّ ترتيبات جرت على الجغرافية السُّوريَّة، عسكريَّة كانت أم سياسيَّة، بل دائماً كانت منحازة إلى حلفائها في أستانا.
من جانب آخر، وبعد إفشال المخطَّط التُّركيّ – الإيرانيّ – الرّوسيّ، وبمشاركة الحكومة السُّوريّة، في النَّيل من قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة، عادت تركيّا، كدولة احتلال، إلى رفع عقيرتها، ووضع شروطها القديمة – الجديدة الجهنميَّة أمام الحكومة السُّوريّة، محاولِةً إسباغ نوع من “الشَّرعيَّة الديماغوجيَّة” والتَّعجيزيَّة عليها، عبر التبجُّح بأنَّها لن تسحب قوّاتها من سوريّا؛ إلا بعد إجراء الانتخابات والوصول إلى دستور جديد، وكأنَّها الوَصيَّة على سوريّا والسُّوريّين، ويَحُقُّ لها ما لا يَحُقُّ لغيرها في تحديد مصير ومستقبل سوريّا.
الحقيقة الواضحة أنَّ دحر الهجمات على مناطق دير الزور؛ أدخل مسار المصالحة بين دمشق وأنقرة في نفق مظلم، ودون رجعة، على الأقلّ في المدى المنظور، لترتَدَّ دولة الاحتلال التُّركيّ للوراء خطوات عديدة، وتعيد حساباتها من جديد، بعد أن كانت تعتقد أنَّها ستنجز المصالحة مع دمشق خلال وقت قصير، وتصل إلى تفاهمات واتّفاقات مع الجانب السُّوريّ للقضاء على الإدارة الذّاتيَّة، والتخلُّص من ملفِّ اللّاجئين الذي بدأ يؤرقها. وكانت على قناعة أنَّ دمشق التي تَمُرُّ بأزمة اقتصاديَّة خانقة، سترضخ لشروطها في تدفُّق البضائع التُّركيّة إلى أسواقها، عبر فتح المعابر وتسليمها لها، وبالتّالي تحقيق فائدة مزدوجة، اقتصاديَّة وسياسيَّة، إلا أنَّ حساب حقلها لم ينطبق على حسابات بيدرها الذي أذرته رياح قوّات سوريّا الدّيمقراطيّة من خلال ضرب المُخطَّط التآمريّ الذي استهدف وجودها بالدَّرجة الأولى، ومن ثُمَّ مستقبل قوّات التَّحالف الدّوليّ في مناطق شمال وشرق سوريّا.
التَّنسيق الأمنيّ بين دمشق وأنقرة لم يتأثَّر بفشل المُخطَّط الذي أُعِدَّ في دير الزور، بل نشطت الإجراءات الأمنيَّة التي اتّخذتها دولة الاحتلال التُّركيّ، حيث سلَّمت عدداً من مرتزِقتها الإرهابيّين إلى حكومة دمشق، كما فتحت خطّاً آخر لما يُسمّى “المصالحة” أمام مرتزِقتها، عبر توجّههم إلى مناطق سيطرة الحكومة السُّوريّة، والانخراط في صفوف القوّات الحكوميَّة، ولِيَنقُلَ سلاحه من كتف إلى كتف، ويحارب ما كان يُطلق عليه في الأمس “رفاقه في الثَّورة”، ويُعيدَ رحلة ارتزاق جديدة، التي طالما فَطِمَ عليها.
إلا أنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هل ستقابل حكومة دمشق اتّخاذ ذات الإجراءات في تسليم المطلوبين إلى دولة الاحتلال التُّركيّ؟ حسب مستجدّات الظروف السِّياسيَّة التي تَمُرُّ بها الحكومة السُّوريّة، وبعض المحاولات الجارية لرأب الصدع بين ما تبقّى من السُّوريّين وقواهم السِّياسيَّة على الجغرافية السُّوريّة، من غير المتوقَّع أن تُقدِم على هكذا خطوة، قد تكون لها نتائج كارثيَّة على مستقبلها بالذّات، إضافةً إلى أنَّها لن تَلقى أيَّ فائدة من الجانب التُّركيّ في حال تورّطها في هذا الملفّ، ولها تجربةٌ مريرةٌ مع دولة الاحتلال التُّركيّ في هذا الصدد، بعد التَّوقيع على اتِّفاقيَّة أضنه في عام 1998، فلم تجنِ منها أيَّ ثمرة، بل انعكست عليها سلباً، وبالتَّأكيد لن تقع في تلك الحفرة مَرَّةً أخرى.
كذلك عمدت دولة الاحتلال التُّركيّ إلى تجميد أرصدة بعض مرتزِقتها المودَعةِ في بنوكها ومصارفها، تلك الأموال التي جمعوها من سرقة ممتلكات الشَّعب السُّوريّ، وابتزاز الأهالي عبر عمليّات الخطف والاتّجار بالآثار والمُخدّرات، وكأنَّها توحي بأنَّها تسعى لتصفية ملفِّ مرتزِقتها، خاصَّةً بعد أن فشل رِهانُها عليها في تحقيق نجاح من خلال زجِّهم في حربها العدوانيَّة على مناطق الدِّفاع المشروع في إقليم كردستان، حيث أُثبِتَ بالدَّليل القاطع أنَّ المرتزِق لا يمكن التَّعويل عليه في إنجاز أيّ انتصار، فهو يتّصف بالجُبن،ِ ويولي الأدبار عند إطلاق أوّل طلقة، لأنَّه لا يمتلك أيّ عقيدة قتاليّة، بل خُلِقَ مرتزِقاً وسيموت كذلك، وفي أيّ مكان ينتقل إليه.
فإن كانت روسيّا جادَّة، وتحاول أن تلعب دوراً نزيهاً في الأزمة السُّوريّة، يتوجَّب عليها أن تعمل كوسيط بين حكومة دمشق والإدارة الذّاتيَّة في إطلاق حوار وطنيّ جادٍّ، يزيل كُلّ الخلافات بينهما، ويُذلّل العقبات التي تَحولُ دون التوصُّل إلى اتّفاقات تُنقِذُ سوريّا من الجحيم الذي تَمُرُّ به، على الصَّعيد السِّياسيّ والعسكريّ والاقتصاديّ، ليغدو أيَّ اتّفاق بينهما الرَّكيزة الوطنيَّة الأساسيَّة التي تستقطب حولها جميع القوى الوطنيَّة والدّيمقراطيّة المؤمنة بدولة علمانيَّة، وتضع مُخرَجات وطنيَّة ثابتة، وتوحِّد الجهود لمحاربة الإرهاب، وتُحرِّر الأراضي المُحتلَّة، وتفرض السِّيادة السُّوريّة على كامل الأراضي السُّوريّة، لتُمهّد لمرحلة جديدة عنوانها الرَّئيس “التَّوافق الوطنيّ” وإعادة إعمار ما دمَّرته الحرب.
ثبت خلال الأزمة السُّوريّة؛ أنَّه لا يمكن التَّعويل على المجازفات والمغامرات السِّياسيّة في وضع حلول لأيّ أزمة على غرار الأزمة السُّوريّة؛ بل يتطلَّب التَّفكير بعقلانيَّة، والتحرُّكَ وفق الإمكانيّات المتوفِّرة، وبما يتوافقُ مع الحِسِّ العام، وما يتأمَّله السُّوريّون بعد سنين عِجاف عصفت بهم في مشارق الأرض ومغاربها. والاقتناع بأنَّ الاتِّكاء على عنصرِ المفاجأة والاستثمار الوقتيّ قصير الأمد في الأزمات الفرعيَّة المُتولِّدة من الأزمة العامَّة للبلاد؛ لن يُحقِّقَ النَّجاح لأيّ طرف من الأطراف. فالدَّرس البليغ خلال السَّنوات السّابقة، أنَّ أيّاً من الأطراف الضالعة في الأزمة لم يُحقِّق أيَّ نصر على الآخر المعادي له، بما فيها الحكومة السُّوريّة.
يُفترَض على السُّوريّين، وبجميع تلاوينهم السِّياسيَّة والعقائديَّة والإثنيَّة، الابتعاد عن ثقافة الإقصاء والتَّهميش، والرُّكون إلى ثقافة قبول الآخر المُختلِفِ معه، إضافةً للسعي والعمل على تكوين قناعة وطنيَّة راسخة بأنَّه لن يداوي جراح السُّوريّين غير السُّوريّين أنفسهم، وكُلُّ الدّول الضالعة في الأزمة السُّوريّة لن تلتفت إلى آلام وجراح السُّوريّين، لا تركيّا ولا روسيّا ولا إيران ولا حتّى الولايات المتّحدة، بل جميعها تبحث عن مصالحها على حساب دماء السُّوريّين وحدهم، وأنَّه حان الوقت ليَمُدَّ جميع السُّوريّين أيديهم إلى بعضهم البعض، وليس الجري وراء مُخطَّطات بَثِّ الفتن العشائريَّة والعرقيَّة والمذهبيَّة التي لا طائل منها.
جميل رشيد
آدار برس/خاص
ADARPRESS #