دير الزور: ما بين خفـ.ـايا المخـ.ـططات وصـ.ـمود المكونات
دحام الجبوري
تشهد المنطقة برُمتها حرباً ضروسةً بين مُختلفِ القوى الموجودة فيها. ومن خلالها يمكن أن نرى أن المنطقة مُقبِلة على أحداثٍ أكثرَ سخونةً منمَ مضى. الحرب الإيرانية – الإسرائيلية أكبر مثال على ذلك، حيثُ تُحارب إسرائيل أذرع إيران المختلفة في المنطقة كحزب الله اللبناني وحركة حماس في فلسطين بهدف قصقصة أجنحة إيران في المنطقة، والوقوف في وجه التمدد الإيراني ومشروعها المسمى بالهلال الشيعي. كما تسعى كل من إسرائيل وأمريكا ضرب النفوذ الإيراني، وتحجيم دورها في الشرق الأوسط، وخاصة أن إيران بمشروعها وبرنامجها النووي أصبحت تشكل خطراً على أمن إسرائيل والمنطقة، بيد أن إيران تحاول أن تكون قوة عظمى في الشرق الأوسط.
إن الاستهداف الإسرائيلي الأخير “لإسماعيل هنية” رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في إيران تمثل ضربة موجعة لها. كان الهدف من هذه الضربة تصغير قدرات إيران الأمنية، وهز صورتها أمام حلفائها في المنطقة؛ وإظهارها بأنها غير قادرة على حمايتهم حتى على أراضيها. وَكَرَدِّ فعلٍ على ذلك تحاول إيران وضع حزب الله في لبنان في وجه المدفع. كما أنها حركت أذرعها في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا والعراق لضرب المصالح الأمريكية. وخيرُ دليلٍ على ذلك استهداف قاعدة عين الأسد للتحالف الدولي في محافظة الأنبار العراقية، والهجمات الأخيرة التي حصلت في دير الزور.
فالهجمات الأخيرة من قبل قوات النظام وما تسمى بالدفاع الوطني تأتي في خِضَمِّ العلاقات الاستخباراتية بين هذا النظام وتركيا، والتي لطالما لم تنقطع. فتأتي هجمات مرتزقة الاحتلال التركي على منبج بالتزامن مع هذه الهجمات على دير الزور. هذا يعني أن هناك تنسيق استخباراتي بين تركيا وروسيا وإيران وسوريا، وهذه الهجمات تُدار من غرفة عمليات مشتركة، كون لهذه الأطراف مصلحة مشتركة. وهي ضرب الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا.
إن تسمية هذه الهجمات بانتفاضة عشائرية في وجه قوات سوريا الديمقراطية. هي لعبة قذرة من النظام وحلفائه، وذلك لإعطاء الشرعية لها، وصبغها بصبغة عشائرية، كون تلك المنطقة تسكنها عشائر عربية، وبذلك يريدون ضرب استقرار المنطقة من جهة، وخلق فتنة طائفية بين المكونات السورية، بهدف إثارة البلبلة وضرب النسيج الاجتماعي في هذه المناطق، ومن جهة أخرى إيران تهدف إلى ضرب المصالح الأمريكية عبر ميليشياتها مُسْتغلةً اسم العشائر وأبنائها هناك.
تعتبر جغرافية دير الزور بالنسبة لإيران مركزاً حيوياً واستراتيجياً، وذلك بهدف جعلها مقراً لنفوذها، وممراً آمنا لقواتها، لتهريب أسلحتها من العراق إلى دمشق، وصولاً إلى البحر المتوسط ومعاقل حزب الله في لبنان. وهي لا تزال توسع في مشاريعها الهادِفة لتغيير ديموغرافية المنطقة وتركيبتها السكانية، وتحاول نشر التشيّع بين أبنائها كإحدى استراتيجياتها الممنهجة في دير الزور وسوريا ككل. هذا بالنسبة لإيران. أما بالنسبة لتركيا فهي بتلك الهجمات تحاول خلقَ جوٍ من الكراهية والطائفية بين مكونات المنطقة، كما فعلت سابقاً وما زالت مستمرة. وتسمية هذه الهجمات بالانتفاضة العشائرية تأتي لإظهارها وكأنها حرب بين العرب والكرد وباقي الشعوب. والهدف الآخر هو للرفع من مستوى التطبيع بينها وبين النظام السوري بوساطة روسية. وأيضاً تقويض محاربة تنظيم داعش الإرهابي، الذي يؤثر سلباً عليها، ويهدد بزعزعة الاستقرار في المنطقة. فهذا يؤدي إلى إفساح المجال أمام خلايا داعش للعودة مجدداً، والتحرك بسهولة في مناطق الإدارة الذاتية، لتنفيذ أجنداتها.
فالأحداث التي بدأت مجدداً في دير الزور، تم التخطيط لها وتدبيرها بشكل مُسبق، حيث أُفْشِلَتْ تلك المحاولات في السابق عندما ألقت قوات سوريا الديمقراطية القبض على المدعو “أحمد الخبيل” والمعروف بأبو خولة قائد مجلس دير الزور العسكري السابق، بعد التأكد من الاتهامات الموجهة ضده، والتي شملت عدة تجاوزات منها الفساد واستغلال السلطة. ولكن الأمر كان أكبر من ذلك بكثير. فكانت إيران تحاول كسب أبو خولة وزَجِّهِ في صراعٍ مع قسد. ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل، خصوصاً أن العشائر العربية وقفت صفاً واحداً مع قسد ضد تلك الهجمات، وبذلك تم فضح المسألة على أنها ليست خلافاً وحرباً عشائرية، بل أنه مشروعٌ إيرانيٌّ تحاول من خلالها السيطرة على مقدرات المنطقة من النفط والغاز والماء، ولبسط نفوذها، وتطبيق مشروع الهلال الشيعي.
إن موقف العشائر العربية من الهجمات العِدائية من قبل قوات النظام وما يسمى بالدفاع الوطني لم يتغير وخصوصاً أنها على دراية تامة بمآربهم في القتل والنهب والسرقة، وأنهم يهدفون لخلق الفتنة.
فموقف العشائر ووقوفها مع قسد يعبر عن التفاف كافة المكونات السورية حول قواها العسكرية والسياسية، وأنهم لم ينجروا خلف تلك السياسات المناهضة لأخوة الشعوب، والتي لا تصب في مصلحة وحدة الأراضي السورية ووحدة الصف السوري. وتخدم أجندات من شأنها أن تدمر تلك الأخوة التي بنيت نتيجة التضحيات الجِسام التي قدموها على الجبهات وفي خنادق واحدة، وتمازجت دمائهم النقية الطاهرة في سبيل بناء هذه الإدارة.
جميع تلك الأهداف التي يحاول النظام وتركيا وغيرها من الأطراف الأخرى تحقيقها ستفشل، لأن أبناء المنطقة؛ ومن كل المكونات لن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء ما يجري، لأنهم باتوا يدركون جيداً إن قوات سوريا الديمقراطية هي السبيل الوحيد لضمان أمنهم وسلامتهم وخلاصهم، والحفاظ على استمراريتهم في حياة حرة كريمة.