جـ ـرائم أجداد أردوغان في الجزيرة العربية.. نهـ ـب وقـ ـتل وتهـ ـجير وهتـ ـك أعراض
صحيفة سبق///
دافع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الاحتلال التركي للدول العربية في بدايات القرن العشرين، وهذا ليس بغريب عليه فهو يحاول التأكيد على أن التواجد العثماني بالمنطقة العربية، كان بمثابة فتح إسلامي عظيم، يُحسب لأجداده من البشاوات، وليس احتلالاً تركياً.
أردوغان كان يقفز فوق صفحات وأحداث التاريخ، عندما يتحدث عن تصرفات جده “فخري باشا” الطائشة، التي ارتكبها في شبه الجزيرة العربية، فكان يبحث بحثاً دؤوبًا عن أي إيجابية شاردة هنا أو هناك، يتكئ عليها في الحديث عن أمجاد فخري باشا “المزيفة”، وعندما لا يجد شيئاً، فيستثمر الدين الإسلامي في التعتيم على أحداث التاريخ الأسود للدولة العثمانية في الدول العربية عامة، وشبه الجزيرة بصفة خاصة.
ويتناسى أردوغان ـ عمداً ـ أحداث العام 1916، الذي قام فيه التركي فخري باشا بجريمة مروعة بحق أهل المدينة النبوية، فسرق أموالهم، وقام بخطفهم وجعلهم يركبون قطارات إلى الشام وإسطنبول برحلة سُميت “سفر برلك”، كما سرق الأتراك أغلب مخطوطات المكتبة المحمودية بالمدينة، وأرسلوها إلى تركيا.
سفر برلك
ولمن لا يعرف، لـ”سفر برلك” أحداث مروعة، لا تتغافلها التاريخ الحديث لمنطقة الجزيرة العربية، واستهدفت هذه الأحداث أهل المدينة المنورة بالاضطهاد والتهجير عام 1917، هذه الأحداث أثارت حنق أردوغان، وحاول إنكار جرائم أجداده، كما أسماهم، ولكنه فشل. ويقول التاريخ إن الوالي العثماني فخري باشا، قام في هذا العام باستقطاع المدينة المنورة وإلحاقها بالدولة العثمانية، وتهجير أهلها، ثم “تتريكها” بدلاً من سكانها الأصليين، حتى أنه لم يبق فيها إلا 140 رجلاً وعدة نساء.
وقد أعمل فيها النهب والقتل وهتك الحرمات، وسلب كلّ مدخرات الحجرة النبوية الطاهرة، ناقبين الحائط المدار حول القبر طلباً للجواهر والنقود من هدايا الخلفاء العباسيين وأمراء المسلمين، إضافة إلى صعودهم فوق القبة الخضراء لسرقة الهلال المذهب. حيث نهب الجنود العثمانيون آلافًا من مقتنيات الحجرة النبوية الشريفة الثمينة، من بينها جوهرة الكوكب الدري والبردة النبوية ومصحف عثمان بن عفان، ومحتويات مكتبة عارف حكمت والمحمودية من مخطوطات نادرة، موجودة جميعها حالياً في متحف “توب قابي” في إسطنبول.
وفي هذا السياق كتب الشيخ محمد الطيب الساسي في صحيفة القبلة بتاريخ 1917، عن تنكيل الجنود خلال حكم فخري باشا بأبناء القبائل والبدو الذين يفدون للمدينة بقليل من الأرز والدخن والذرة وغير ذلك، مما انتفع به الناس خلال الحصار، إلا أن الأتراك الطورانيين “الظالمين صاروا ينكلون بكل بدوي يأتي بشيء من أسباب المعيشة فيسلبونه ما بيده ويحبسونه ويقتلونه”.
باب السلام
إضافة إلى مدّ خط سكة الحديد الذي كان يتوقف عند باب العنبرية إلى داخل أحشاء المدينة المنورة، إلى قرب باب السلام تحديداً، هادماً في طريقه شارع العينية والأسواق والأسوار والبيوت على من فيها، وكان الهدف من ذلك تحويل الحرم النبوي إلى قلعة عسكرية ومخزن للسلاح دون مراعاة لحرمة “الحرم النبوي” الشريف.
وقد أدت إجراءات فخري باشا إلى تفشي المجاعة في من تبقى من النساء والأطفال، حتى بلغ الأمر بالأسر لأكل حشائش الأرض والبرسيم وبقايا الحيوانات، وعملت نساء المدينة عند الجيش التركي حاملات للأتربة وبقايا ومخلفات طريق القطار. حيث قامت قوات فخري باشا، بجريمة تطهير عرقي –وفق التوصيف المعاصر- أو ضمن ما عرف بالترحيل الجماعي (سفر برلك) لمن تبقى من أهل المدينة، من خلال اجتثاثهم وإجبارهم على المغادرة عبر قطار الحجاز، وتشتيت العائلات في كل مدينة يقف فيها القطار، حتى تمّ تشتيت أهلها في الأردن والعراق وفلسطين وسورية وتركيا وصولاً إلى بلغاريا وألبانيا وعدة مناطق أخرى في البلقان.
ويعد الترحيل الإجباري “سفر برلك” جريمة ارتكبها العثمانيون في كل المناطق التي احتلوها (سواء في البلاد العربية أو البلقان أو شرق الأناضول)، إلا أنها كانت في المدينة المنورة واحدة من أشد الحالات وطأة على البنية الاجتماعية.
قلاع وحصون
وتحكي صفحات التاريخ أيضاً عن جريمة أخرى للأتراك في الجزيرة العربية. حيث تقول القصة إن السلطان العثماني أمر قوات محمد علي باشا والي مصر، بالقضاء على الدولة السعودية (الأولى)، حيث تقدّمت قوات إبراهيم باشا، وسيطرت على معظم نجد لمدة 9 أشهر، وارتكبت خلالها جرائم بشعة في حق الأمراء والعلماء وقادة المجتمع وعامة الناس، ثم عاد إلى مصر مدمِّراً ما في طريقه كل ما قابله من قلاع وحصون، ناهباً المواشي والممتلكات ومخرِّباً للحقول.
وترك في الدرعية أحد قادته: حسين بك، الذي أخرج أهلها إلى مدينة “ثرمدا”، وحصرهم جميعاً في غرفة واسعة، ثم طلب من جميع أهل الدرعية الحضور، ليكتب لهم خطابات للعيش في أي جهة يرغبون، فحضروا إليه من كان منهم في تلك الحجرة ومن كان هارباً، فلما اجتمعوا لديه قتلهم جميعاً، وأوطانهم الخيل، وأشعل فيهم النيران أو طعناً بالسيوف، وتقدرهم الإحصائيات بحدود 230 رجلاً. كما نهب أموالهم ومتاعهم ومواشيهم وقسماً من أبنائهم، وفرض ضرائب باهظة على من تبقى، وأتلف مزارعهم. فيما تمّ إرسال الأمير عبدالله بن سعود إلى القاهرة ومنه للأستانة، ومعه كبار معاونيه مكبّلين، حيث تم إعدامهم.