مانشيتمقالات رأي

تركيا تحـ.ـافظ على تماسكها الداخلي من خلال صـ.ـراعها الخارجي

رياض يوسف

منذ نشوء الأزمة الاقتصادية والسياسية في تركيا؛ بالتزامن مع الأزمة في السورية اتخذت حكومة الاحتلال التركي سياسة الصراع الخارجي للحفاظ على التماسك الداخلي، كون داخلها بات مليئاً بالصراعات والأزمات الاقتصادية منها والسياسية وحتى العسكرية، منتظرة اللحظة المناسبة للانفجار؛ قامت دولة الاحتلال التركي بالتدخل في الأزمة السورية وتسليح المعارضين، ودعمهم بالسلاح والأموال لتسييس ثورتهم، وبالتالي العمل لصالح أجنداتها وأطماعها التوسعية في المنطقة كمرتزقة تحت الطلب.

وبالفعل نجحت في ذلك وحققت ما كانت تصبو إليه، فقد جندت هؤلاء المرتزقة السوريين واستغلتهم للقيام بدور الحامي والمدافع عن إرث الدولة العثمانية بدل الأتراك أنفسهم، كون مقتل هذه الأعداد الكبيرة من الأتراك سيحرض الرأي العام التركي ضد حكومتهم، فوجدت البديل، مستغلة الفقر والعوز المستشري بين بعضهم نتيجة سنوات الأزمة.

لعبت منذ البداية على إيقاظ الطائفية والعرقية بين السوريين، ونجحت في ذلك أيضاً، واستطاعت توجيه بوصلة الأزمة بعكس متطلبات الثوار الحقيقيين بادىء الأمر. حيث صنعوا من أجلاف البدو أبطال فاتحين ومن جرائمهم عقيدة وعاداتهم سنة والويل لمن لا يؤمن.

وبما أن هدف دولة الاحتلال التركي منذ بداية الأزمة هم الكرد ومشروعهم الديمقراطي والإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، وجهت تلك البوصلة إليها، وبدأت بشحن هؤلاء المرتزقة ضد الكرد، فتارة كانت تصفهم بالإرهابيين والانفصاليين وتارة أخرة بالمرتدين، إلى أن تمكنت من خلق كراهية لا مثيل لها في مرتزقته تجاه الكرد، وصنعت في مخيلتهم بأنهم وحدهم الأعداء وليس غيرهم. وليدخلوا في نزاعات وحروب لا طائل منها.

رغم تجارب العرب السابقة مع العثمانيين وربيبتها تركيا إلا أنهم لم يتعظوا، ولم يُدرِكوا بعد الخطر القادم من الشمال، بل غرقوا في وحول هذا الخطر من أخمص قدميهم حتى رأسهم، وبات مقاتليهم حِراباً مأجورة تستغلهم في حروبها ومصالحها، واستغلت بقية الشعب الذي دخل تركيا كلاجئين طالبين للأمن والأمان؛ كورقة ضغط على دول الاتحاد الأوربي من ناحيتين، الأولى بفتح الطريق لهم وتسهيله للعبور إلى تلك الدول بالآلاف وتحميلهم عبء المهاجرين، وتهديدهم بشكل يومي بفتح الباب للمزيد في حال لم تؤيد المخططات التركية في المنطقة، ومن الناحية الثانية استغلت المنظمات الإنسانية والمؤسسات والدول المعنية بدفع مليارات الدولارات لها مقابل زعمها برعايتهم على أراضيها، تلك المليارات التي استفادت منها في إنعاش اقتصادها المنهار، ودعم وتمويل غزواتها العسكرية وحروبها ضد الكرد.

وغير ذلك، فبعد إدراكها بعدم قدرة هؤلاء المرتزقة من القضاء على مشروع الإدارة الذاتية وكسر قواتها العسكرية، بدأت حينها فكرة الاتفاق مع النظام وروسيا وإيران لضرب ما تسمى بالمعارضة، والتخلص منها مقابل مصالحها في ضرب الكرد، فكانت عمليات تبادل المناطق التي تحت سيطرة المعارضة بمناطق تابعة للإدارة الذاتية في المنطقة، والبدء بعمليات احتلال لتلك المناطق.

بدأت بتسليم تلك المناطق وسحب المعارضة منها، واحتل مناطق عفرين وكري سبي وسري كانييه، واستمر في اتفاقه، فبدأ بإرسال السوريين إلى ليبيا كمرتزقة يدافعون عن مصالحها التي تدعيها فيها، كما أرسلتهم إلى إقليم ناغورني قره باغ في أرمينيا، لتحارب إلى جانب أذربيجان، وكذلك ارسلتهم إلى أفريقيا بعد الانسحاب الأمريكي الفرنسي من بعض الدول فيها.     

ومع توسيع حكومة اردوغان – بهجلي للتحالف ضد الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا انضمت حكومة إقليم كردستان إلى هذا التحالف، وكذلك الحكومة العراقية، فاتفقوا معاً لضرب الكرد مجدداً، وحصار الإدارة الذاتية من الشرق أيضاً، ليبدأ اردوغان بإرسال مرتزقته من السوريين إلى مناطق الدفاع المشروع ليخوضوا حرب تركيا ضد قوات الدفاع المشروع، بالتحالف مع قوات الديمقراطي الكردستاني.

تركيا من جهة تحاول من خلال إرسال هؤلاء المرتزقة التخلص منهم حسب اتفاقها مع روسيا والنظام السوري من خلال زجهم في حرب هي بالأساس حربها، ومن جهة ثانية التقليل من عدد قتلى جيشه وتهدئة الشارع التركي من خلال تلك الحرب، كون سياسته بالأساس هي تهدئة وتماسك الجبهة الداخلية القابلة للاشتعال في أية لحظة.

في كل هذه الأزمات التي خلقها اردوغان خارج أراضيه يدفع السوريون وحدهم الضريبة، ليكمل ما يخطط له، وبالنهاية سيستمر في التصالح مع النظام في دمشق، ليدق المسمار الأخير في نعش ما كانت تمسي نفسها بالمعارضة والثوار في سوريا، ويسلم رقابهم لأجهزة الأمن السورية.

على الشعب السوري أن يدرك بأن اردوغان لا يهمه مصلحة الشعب السوري قبل فوات ما تبقى من الأوان، وأن يستمر في التظاهرات المنددة بالتصالح مع النظام، وأن يترك مصالح تركيا العثمانية للأتراك نفسهم، الذين لن يقبلوا بتلك السياسة التي دمرت اقتصادهم ونسيجهم الاجتماعي، في تلك الحرب الظالمة في ظل دكتاتور فاشي لا يهمه سوى التأمين على حياته وعائلته بعد خسارته المحتومة في قادم الأيام.  

وأن يتوقفوا عن لعب دور القوة الضاربة والدرع الحامي، لسياسة اردوغان وصراعاته الخارجية، التي ما إن توقفت ستكون بداية نهاية حكم اردوغان لما سيخسره من جنود وعتاد، وسيبدأ اقتصاده بالانهيار المحتوم، وبالتالي انهيار نظامه الفاشي.   

خاص/آدار برس

# ADARPRESS

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى