مانشيتمقالات رأي

الأحزاب الكردية في سوريا: أز.مة القيـ.ـادة، وتحديات التأثير ..!

أكرم حسين

تعاني غالبية الأحزاب الكردية في سوريا من أزمة بنيوية عميقة، تعيق قدرتها على تحقيق مكاسب ملموسة لحقوق الشعب الكردي في سوريا، تعود هذه الأزمة، إلى أسباب ذاتية وموضوعية، وهي لا تقتصر على عدم تحقيق تقدم سياسي واجتماعي فحسب، بل تعكس أيضاً غياباً واضحاً في وجود قيادة حقيقية تمتهن النضال، ولا تأبه بالتضحيات، ونتيجة لذلك، تبوأت شخصيات غير كفوءة بعض المناصب، واعتلت مراكز القرار دون امتلاكها أية مؤهلات، إضافة إلى تأثير القوى الإقليمية، وصعوبة العمل عبر الحدود، وفي هذا السياق، سنتناول الأسباب التي أدت إلى هذا التعثر، مع الإشارة إلى المواقف الإقليمية والعربية من القضية الكردية.
من أبرز الأسباب التي أدت إلى تعميق المأزق البنيوي الحالي في الأحزاب الكردية في سوريا، غياب القيادة النضالية الفعّالة، تلك التي  تمتلك صفات مثل الكاريزما والرؤية الاستراتيجية والقدرة على التحليل والكفاءة في إدارة الأزمات، واتخاذ القرارات الحاسمة …الخ، بينما عانت هذه الأحزاب منذ تأسيسها من غياب هذه الشخصية، ما انعكس في تآكل قدراتها الذاتية، وعدم تحقيق أهدافها القومية والاجتماعية….؟

وفي ظل غياب هذه القيادة، تعاملت الأحزاب الكردية مع الواقع العنيد بطرق تقليدية وغير مبتكرة، ما جعلها غير قادرة على معالجة التحديات الكبيرة التي واجهتها، فالقيادة الضعيفة لا تستطيع تطوير استراتيجيات متكاملة تستجيب لتطورات الوضع الإقليمي والدولي، بل تؤدي إلى غياب الرؤية، وعدم القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية، وهذا ما انعكس تأثيره السلبي على الأحزاب “المتخشبة” ، والقضية الكردية معاً…!

ساهم تبوء شخصيات غير كفوءة لمراكز القرار في الأحزاب الكردية، بشكل كبير في عطب هذه الأحزاب، وتفاقم أزمتها ….!  فقد تولى بعض الأفراد الذين يفتقرون إلى الخبرة والمؤهلات القيادية، بعض المناصب المهمة  في الأحزاب، بسبب ظاهرة الانشقاقات الواسعة، بحيث لم يخلو حزب كردي تقريباً من هذا المرض الخبيث، مما أدى إلى انتشار الأمية السياسية  والعبثية، وعدم التنسيق بين الجهات المختلفة، وغالباً ما ركزت على تحقيق مصالحها الشخصية بدلاً من مصالح الشعب الكردي، الأمر الذي  أثر بشكل كبير على فعالية العمل الحزبي والسياسي على حد سواء.

هذه الشخصيات، غالباً ما كانت تتخذ قرارات غير صائبة، وتتعامل مع القضايا السياسية والقومية، بشكل سطحي وعابر، ما أدى إلى ضعف تأثير الأحزاب الكردية على الساحة السياسية والجماهيرية، وقد انعكس هذا الفشل القيادي على أداء الأحزاب بشكل عام، وساهم في الإخفاق في تحقيق أي مكاسب ملموسة للشعب الكردي.

لقد لعبت الهيمنة الإقليمية من بعض مراكز القرار الكردستانية دوراً كبيراً في تقويض فعالية الأحزاب الكردية في سوريا. فقد فرضت هذه القوى تأثيرها على القرارات السيادية الكردية، بحيث جعلت الأحزاب الكردية في سوريا غير قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة تعبر عن مصالح الشعب الكردي في سوريا. وفَرَضَ التدخل الإقليمي ضغوطاً سياسية وإدارية، جعلت هذه الأحزاب تتعامل وفق أجندات معينة، تتماشى مع مصالح هذه  القوى، بدلاً من التركيز على القضايا الأساسية المتعلقة بمصالح كرد سوريا.

في السياق ذاته يكتسب العمل الكردي القومي، تحدياً كبيراً. فالتوزيع الجغرافي للشعب الكردي على عدة دول يجعل من الصعب تنسيق الجهود بين الأحزاب الكردية في هذه الدول فعالاً. حيث تتسم العلاقة بين الأحزاب الكردية في سوريا، وبقية الأحزاب الكردية في الدول الأخرى بالقدرة المحدودة على التأثير والتعاون الفعّال، مما يعيق تحقيق الأهداف السياسية المشتركة، وهكذا تجعل التحديات السياسية والأمنية في الدول التي تقتسم كردستان من الصعب بناء علاقات قوية وفعالة مع الأحزاب الكردية فيها، مما يعيق قدرتها على تبني استراتيجيات مشتركة وموحدة….! إضافة إلى ذلك، تلعب المواقف السياسية للأنظمة العربية دوراً مهماً في تعزيز صعوبات العمل الكردي في سوريا. تاريخياً، فقد عانت القضية الكردية من نقص الدعم، والتجاهل من قبل الأنظمة العربية. هذا التوجه أدى إلى ضعف التأثير الكردي على المستوى الإقليمي وإلى تجاهل الحقوق الكردية في سوريا. فغالباً ما نظرت الأنظمة العربية إلى القضية الكردية من زاوية الأمن الوطني والاستقرار الإقليمي، مما ساهم في حرمان الكرد من حقوقهم المشروعة، وفي أحايين كثيرة تعاملت الأنظمة العربية مع القضية الكردية باعتبارها مشكلة قومية، تهدد أمنها القومي، الأمر الذي ساهم في تعميق معاناة الشعب الكردي.


تتجلى نتائج الفشل في تحقيق مكاسب حقيقية، وفي الوضع المتدهور للشعب الكردي في سوريا. فقد أدت الوقائع العنيدة داخلياً وخارجياً، بالإضافة إلى أزمة القيادة، وافتقاد العديد منها للروح الكفاحية العالية، القدرة على تحسين الأوضاع السياسية والاجتماعية للكرد. لقد أثرت هذه العوامل بشكل كبير على قدرة الأحزاب الكردية على تحقيق أهدافها القومية، مما أدى إلى تدهور الأوضاع وعدم تحقيق أي تقدم ملموس في تحسين اوضاع الشعب الكردي في سوريا.

في ظل هذا الواقع، يتطلب الأمر إجراء مراجعة شاملة للأوضاع السياسية والقيادية في الأحزاب الكردية في سوريا، والتركيزعلى إنتاج وتطوير قيادة تمتلك السمات السياسية والنضالية، وتعزز التعاون والتنسيق بين الأحزاب الكردية، وتبذل جهوداً حثيثة لبناء علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والعربية المؤثرة في الشأن الكردي، لضمان الاعتراف بالحقوق الكردية، وتحسين الوضع العام للشعب الكردي في سوريا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى