مانشيتمقالات رأي

إضاءة على خـ ـطابات متـ ـناقضة للمنـ ـخرطين في الأزمـ ـة السورية

مازال الحديث في الأزمة السورية وفي ظروف انفجارها والقوى الضائعة فيها؛ مثار جدل كبير، فبين من ينظر إليها على أنها عمل من أعمال الثورة ضد نظام شمولي مستبد توفرت كل الشروط الموضوعية للإجهاز عليه بالثورة الشعبية الشاملة، وبين من يشكك بمستوى النضج في العامل الذاتي للقوى التي سوف تضطلع بمهام الثورة وتشغل دور البديل عنه، وبالاعتماد على حزمة الشكوك التي أفرزتها الوقائع على الأرض فقد نظر فريق واسع من المهتمين إلى الحِراك على أنه حرب أهلية بين أطراف سورية مختلفة.

أما ما الذي تقوله مساطر القياس الموضوعية في المسألة؟ وكيف تحاكيها تجارب الشعوب التي اختبرت طريقها الخاص إلى التغيير التاريخي الناجز؛ فلا شك بأن الجواب يحمل الكثير من عناصر الإيجاب عند كلا المقاربتين.

فللحقيقة والتاريخ أن ما لا يمكن إنكاره هو أن تهميشاً اجتماعياً حاداً لفئات واسعة من السكان قابله استئثار بالثروة والسلطة، وتغول الفساد والفوضى من قبل أطراف الحزب الحاكم والعائلة النافذة.

كان هو المسيطر او الطابع الغالب على وصف الأحداث عشية انطلاق الانفجار الاجتماعي الكبير في ربيع العام 2011، وإن أيَّ حِراك ثوري لتصحيح الوضع القائم، وتغيير دستور البلاد، وتحقيق العدالة السياسية والتعددية الفكرية والثقافية؛ كان حقاً مشروعاً ومتاخراً عن موعده، الأمر الذي يعني أن الحِراك في جوهره ودوافعه كان ثورياً بالمطلق، لكن مالا يجب التغاضي عنه هو غياب الطبقة السياسية المؤهلة لقيادة حركة الجماهير وتوجيهها نحو تحقيق الأهداف الوطنية والاجتماعية للتغيير، وذلك بسبب استفحال القمع ومصادرة الحريات السياسية المزمن في ظل الديكتاتورية التي كانت متجذرة. 

تلك الطبقة التي جعلت العامل الذاتي للثورة ضعيفاً أو شبه غائب، والذي بدوره قد أفسح المجال أمام  القوى الإسلامية الراديكالية التي تعمل في الظلام كي تركب حركة الجماهير، وتستأثر في التخطيط والرسم والتبني لخطاب الثورة واعتماد تكتيكاتها، وبعد ذلك سرقتها عن سِكَّتِها إلى سكة الأجندات الإقليمية والدولية؛ التركية والإيرانية في المقام الأول.

أما العلامة الفارقة اليوم، وفيما يُعَدُّ حسماً للجدل الدائر حول تصنيف الحِراك ونعته بالحرب الأهلية أو مسمى الثورة؛ فقد جاءت ولادة قوات سوريا الديمقراطية وإطارها السياسي المعروف بتحالف مجلس سوريا الديمقراطية من رحم الأحداث، ليقطع الشك باليقين، وليؤكد أنها ثورة بكل ما تحمله الثورة من معايير، وبأن مجلس سوريا الديمقراطية ما هو إلا أحد الصيغ لمجلس قيادة الثورة، وقوات سوريا الديمقراطية هي الذراع الحقيقي لقوى الثورة والتغيير.

ويأتي الاستنتاج المذكور آنفاً على خلفية نقاط عدة منها:

– وضوح النظر الذي يتحلى به المشروع السياسي لمجلس سوريا الديمقراطية من حيث أنه يجسد رؤية جماهير السوريين المنخرطين بالاحتجاجات الشعبية من المتطلعين إلى سوريا واحدة ديمقراطية علمانية ولامركزية.

– وبالنظر إلى الثورة؛ فإن أية ثورة تخرج إلى العلن، كنشاط سياسي بقصد تغيير الواقع، أو كمحاولة لتجاوز أو تصحيح خلل كبير ومزمن في الواقع القائم؛ وقد فشلت سلطات الأمر الواقع بحله، وعلى هذا المبدأ، وأيضاً تحت مظلة النضالات اليومية، والرؤية السياسية وصياغة ووضع العقد الاجتماعي الجديد   الذي أقرته مؤتمرات مجلس سوريا الديمقراطية؛ ما هو إلا تَبَنٍّ جدي وعميق وتلبية لشعارات المحتجين ومطالب المكونات السورية بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق الثقافية وحقوق القوميات المُهمشة والإثنيات.

– تمثل قيم الثورة وأخلاق الثورة من خلال حرصها الشديد على عكس المظهر الحضاري لقوى الثورة ومخاطبة عقل العصر وضميره عبر التزام المسؤولية في مواجهة الإرهاب والتطرف والعنف بكل أشكاله، وتحقيق نتائج باهرة في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، وباقي جهات الإسلام السياسي الإرهابية، إضافة إلى دور السبق في الانحياز إلى صف المرأة، ومن ثم الإفساح لها بإشغال دورٍ رياديٍّ في حياة المجتمع.

إلى ذلك لا مفر من الوثوق بأنه وكما هو الحال في تاريخ كل الثورات في العالم إن سيرورة الثورة في تصاعد دائم، وأن ماهية جديدة في الحِراك الوطني العام قد حصلت، وقد أفضت إلى نشوء قطبية جديدة في معادلة القوى المتصارعة على مستقبل الدولة السورية؛ لم تكن هي ذاتها في بداية الثورة، وبأن اصطفافات وتحالفات جديدة قد رافقت هذه القطبية المتولدة الجديدة، والتي يمكن تصنيفها إلى قطبين رئيسيين، الأول، قوى الثورة والتغيير، وبما يشمل موضوعياً كل القوى الديمقراطية الثورية، وأنصار العلمانية، وقوى اليسار الاجتماعي. وتتموضع قوى ائتلاف مجلس سوريا الديمقراطية وتجربتها في الإدارة الذاتية على رأسها. والثاني، تحالف قوى التخلف وأصحاب القيم الماضوية، واتباع الاستبداد والعنف والإرهاب من فصائل الإسلام السياسي، وأدعياء الأفكار القومجية، ومروجي الفساد والفوضى. ولا غرابة في أن تكون بعض أطراف هذا الحلف خصوماً في بدايات الحرب وبدايات الأزمة.

نعم الجديد في الأزمة السورية هي الرسالة العميقة، الدلالة التي أوحت بها تجربة الإدارة الذاتية التي أرعبت أعداء الشعب السوري من قوى الاستبداد والقوى القومية الفاسدة والظلاميين الإسلامويين المتحاربين فيما بينهم على الفوز والاستئثار بالسلطة.

تلك القوى التي لم تكن لتمثل في مجريات الصراع الحاصل ومنذ انطلاقته غير بيادق وأدوات للمشروع الإسلاموي العصملي البائد، ونظيره المشروع الإسلاموي الأكثر تخلفاً وغباءً في إيران.

 هذه الرسالة كان لابد لها أن تدفع أنصار الهمجية وخصوم الديمقراطية والتحضر في طهران وأنقرة إلى توحيد جهودهما في المسرح السوري، وبالتعاون مع الحليف الروسي الذي أثبتت التطورات بأنه لا يختلف في كثيرٍ عنهما. فعملا على استحداث لعبة غبية جديدة هي لعبة توظيف الحمية العشائرية في محاولة لقطع الطريق أمام التحدي الحضاري والأخلاقي، ومع الأبعاد السياسية التي أتت بها مسد وتجربتها المتنامية.

كمال حسين/آداربرس

ADARPRESS #

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى